كاتبةٌ فرنسيّةٌ: كي لا ننسى جرائمَ نظامِ الأسدِ.. مئاتُ السوريينَ والأوروبيينَ يعملونَ لمنعِه الهروبَ من العقابِ
قالت صحيفة “لوموند” (Le Monde) الفرنسية إنَّ “جوستين أوجيه” المهتَّمة بحقوق الإنسان، تواصل من خلال كتابها الجديد “نوع من المعجزة”، الذي رسمتْ فيه صورة لأوروبا، بأفضلَ وأسوأَ ما فيها, محاربةَ نسيان جرائمِ رأس نظام الأسد، من خلال بطله، المثقف السوري المعارض “ياسين الحاج صالح” المنفي في ألمانيا, والذي مرَّ بسجون نظام الأسد, لتنظرَ من خلال تجربته في المنفى إلى القيم والتنازلات في أوروبا وألمانيا خصوصاً.
وفي مقابلة مع الكاتبة “أوجيه”, قالت إنَّها فكّرت في التخلي عن موضوع سوريا, لكنَّها لم تستطعْ، لأنَّ لديها شعوراً بالفضيحة بسبب اللامبالاة التي قُوبِلَت بها سحق الثورة السورية، مشيرة إلى أنَّ معرفة حجم الجرائم المرتكبة، تُظهر أنَّ النسيان والإفلات من العقاب معناهما أنَّ حالة العالم ليست على ما يرام.
وقالت الكاتبة إنَّ قصة سوريا تهمُّها من جهة أنَّها إنسانة وأنَّها أوروبية, لذلك عندما علمت أنَّ “ياسين الحاج صالح”، المثقّفَ المعارضَ لنظام الأسد بكلِّ ما يحمله من تاريخ، استقر في مدينة برلين ذات التاريخ المعروف، استيقظ لديها الشعور بالاهتمام والقلق, مما دفعها لتحيي ذكراها وتحارب محاولات السحقِ والنسيان، لأنَّ النسيان من الكلمات الكبيرة في هذا العصر، وهو مضرٌّ بالعواقب واللغة, لأنَّ الكلمة عندما تقال، ولا يترتَّب عليها شيء، تفقدُ اللغة قدرتها على تغيير الواقع.
وعند سؤالها عن خصوصية الدراما السورية، قالت الكاتبة إنَّ تفرُّدَ سوريا يكمن في معرفة العالم غير العادية للجرائم المرتكبة فيها، حيث قام السوريون بعملٍ لا يصدّق في التوثيق, لأنَّ نظام الأسد هناك سلبَ منهم الذاكرة لسنوات، وقد أنتج آلاف السوريين نصوصاً وصوراً وأرشيفات صوتية.
وعلقت الكاتبة قائلة “يبدو لي أنَّه لا يمكن تخيُّلُ أنَّ أحداً يفكّر في أيِّ شكلٍ من التطبيع مع الأسدِ بعدَ أنْ غمرت هذه الصور العالم بأسرِه، وذكّرتْ بصورِ “قيصر” المنسوبة لمصوّرٍ عسكري كان مسؤولاً عن التقاط صورِ الجثث، التي تغادر مراكزَ التعذيب، وتمكّن من مغادرة سوريا مع عشرات الآلاف من هذه الصورِ، التي تثبت الفظائعَ التي ارتكبها نظامُ الأسد.
واعتبرت الكاتبة أنَّ هذه النقطة هي محل خيانة العالم، حيث فقدتْ قيمتَها فجأة، كلُّ القيم التي يُزعم أنَّ الاتحاد الأوروبي تأسس عليها، واكتسبت نوعاً من العالمية بعد الحرب العالمية الثانية.
وأشارت الكاتبة إلى أنَّ هذه الصور، رغم ما قد تثيره لدى البعض من التعب والاشمئزاز، هي الأساسُ الذي تقوم عليه جميع محاولات العدالة في أوروبا على مبدأ الولاية القضائية العالمية، حيث يعمل المئاتُ من السوريين والأوروبيين على ضمان عدم استمرار الإفلات من العقاب، خاصة أنَّ العدالة شيء يجب السعي إليه دائماً، وهي لا تتعلق بالماضي فحسب؛ بل تحمل فكرة معينة عن المستقبل.
وعند إثارة موضوع ما تستفيده أوروبا من هؤلاء السوريين المنفيين مع ألمانيا، نبّهتْ “أوجيه” إلى أنَّ وجود مئات الآلاف من السوريين، الذين قاموا بالثورة، وأرادوا اختراعَ طريقة جديدة للحكم اليوم في وسط أوروبا، مثيرٌ للاهتمام, لأنَّ لدى هؤلاء إيماناً بإمكانيات مختلفة، وخيالاً لم يعدْ يملكه الأوروبيون.
ورأت الكاتبة أنَّه يجب على المفكّر الأوروبي -رغم صعود اليمين المتطرّفِ – أنْ يفكّرَ، حتى لو لم تكن سوريا في قلب اهتماماته، في طريقة جديدة للعيش في العالم، وألا يتركَ نفسه محاصراً بانطباع، وأنْ ينتبَه لمعاناة الآخر، ويرفضَ هذه الفضيحةَ الهائلة من الازدراء لبعض الأرواح.