ماهي فرصُ الالتزامِ بالفتوى الصادرةِ عن المفتي العامِ الشيخِ “أسامة الرفاعي” حولَ المساكنِ المؤقتةِ للنازحينَ
نشطت خلال الأشهر الأخيرة، خاصةً مع موجة البردِ القاسية التي ضربت الشمالَ السوري المحرَّر، حملاتُ تبرعٍ تهدف لبناء مساكن إسمنتية للنازحين في المنطقة، بدلَ الخيام التي يقطنونها، والتي لا تصمد أمام العواصف المطرية والثلوج، كما أنَّها لا تقي من حرِّ الصيف، ويعاني تحتها النازحون من أزمات إنسانية مستمرّةٍ منذ سنوات.
وتزامناً مع حملاتِ التبرع، ظهرت أصواتٌ تطالب المقتدرين مالياً بضرورة إخراجِ قيمة الزكاة من أموالهم وتقديمها لبناء هذه المساكن، الأمرُ الذي استوجب إيضاحات شرعية حول جواز استعمال أموال الزكاة في هذه المشاريع.
حول هذا الأمر، أصدر المفتي العام في سوريا، الشيخ أسامة الرفاعي يومَ الاثنين الماضي فتوى حول استخدام زكاة المال في بناء مساكنَ بديلةٍ عن الخيام للنازحين
الفتوى التي نشرها المجلسُ الإسلامي السوري تمحورت حول مدى صحة تقديم أموال الزكاة للمنظمات الخيرية التي تشرف على بناء المساكنِ البديلة، والشروط الواجب توفّرها لتبرئة ذمّةِ المتبرع من الواجب الشرعي المفروض عليه في أمواله.
وأوضح المفتي العام، أنَّه لابدَّ لكلِّ جهة تقدّمُ الأموال لبناء المساكن أنْ تتحقَّق من الشروط الشرعية التي يعتبر فيها المكلف بريء الذمة من واجب الزكاة، أولها استحضارُ نية الزكاة خلال تقديم المال، كسائر العبادات في الشريعة الإسلامية
أما الشرط الثاني، فهو أنْ يشترطَ على الجمعية التي يُقدم لها مال الزكاة ألا تصرفَه إلا بالشكل الشرعي الصحيح المعتبر في باب الزكاة، وذلك بأنْ تلتزمَ الجمعية في إعطاء البيوت للمستحقّين بإحدى صورتين، الأولى أنْ يتمَّ تمليكُ البيت للفقير تمليكاً صحيحاً تاماً أرضاً وبناءً، بحيث يكون حرُّ التصرف، “يسكنه أو يهبه أو يعيره أو يغيّر فيه ما شاء دون الإضرار بغيره، وأنْ يُعطى ما يثبت ملكيتُه لهذا البيت شرعاً وقانوناً”.
والصورة الثانية، “هنالك جمعياتٌ تشتري الأراضي وتعطي الفقيرَ البيت المعمور عليها، وتبقى الأرض ملكاً للجمعية، فإذا قضى الفقير حاجته من البيت (سنة أو سنتين أو عشرة) فإنّه يخرج منه ولا يحقُّ له أنْ يتصرّف بشيء من البيت”، واعتبر المفتي أنْ هذه الصورة لا تصحُّ من الزكاة أصلاً، كما لا تصحُّ أيضاً إذا كانت الأرض للدولة ولم يتملّكها الفقير، أما الصورة التي تصځ من الزكاة فهي أنْ تضعَ الجمعيةُ بيوتاً مسبقة الصنع تركّب تركيباً ويسكنها أصحابها، فهذا يصځ أن تكون من الزكاة بشرط أنْ يعلم الفقير أنَّه يملك البيتَ المسبق الصنع، ولا يملك الأرضَ التي وضع عليها، وله حقُّ التصرّف في هذا البيت ينقله متى شاء، إلى أيِّ مكان شاء”.
كما اشترط الشيخ الرفاعي في نص الفتوى أنْ “يتحقّق من تملك الفقراء لهذه البيوت تملكاً تاماً صحيحاً، وذلك بنفسه أو بواسطة وكيل يقوم لهذه المهمّة”.
تجاوب من قبل المنظمات
عضو المجلس الإسلامي السوري، الشيخ عبدالله رحال، توقّع أنْ يكونَ هناك تجاوباً واسعاً من قِبل المنظمات العاملة في الشمال السوري المحرَّر مع الفتوى الصادرة عن المفتي العام الشيخ “أسامة الرفاعي”.
وأكّد الشيخ “رحال”في حديث لشبكة المحرَّر الإعلامية، أنْ الفتوى جاءت بدون شكٍّ في محلها، حيث أنَّ المنظمات تسعى لتأمين أهلنا النازحين في الشمال المحرَّر، ويجب على المفتي تبيينُ الأحكام، كما يجب على المنظمات والداعمين تعلّمُر الأحكام، وكذلك ينبغي على من أراد أنْ يتصدَّق أو يستخرج الزكاة أنْ يتعلَّم أحكامَ الشرع في ذلك وإلا كانت مردودةً، مبيّناً أنَّ إصدار الفتوى هو من باب تعليم الناس أحكامَ دينهم في ما يخصُّ قضية الزكاة ودفعها.
ويرى عضو المجلس الإسلامي السوري أنَّه يجب على كلِّ المنظمات العاملة في الشمال السوري أنْ تعلمَ أحكام الأموال التي تأخذها إنْ كانت هباتٍ أو صدقاتٍ أو زكاةً أو غير ذلك، كما يجب أنْ تعلمَ الجمعيات حكمَ الله لأنَّها موكلة في قضية صرفِ هذه الأموال، فينبغي أنْ تعلم أحكام القبض والصرف لهذه الأموال فتضعها في مكانها حتى تكون زكاةً مقبولة.
وأشار إلى أنَّ الفتوى أصدرت لتبيان حكم الله في الأموال، من أجل أنْ يكونَ المتبرّع مأجوراً عند الله سبحانه وتعالى، ويصل تبرعه لمكانه الصحيح، خاصةً أنَّ الكثير من المنظمات تسعى لبناء مساكن للنازحين، ولا يُشترط في إصدار الفتوى أنْ يكونَ هناك تجاوزاتٌ ضمن عمل الجمعيات، وتمَّ إصدارها للعموم ولم يخصص بها جمعية بالتحديد.
وحول التمليك للفقير، أوضح “رحال”، أنَّ من أحكام الزكاة أنْ يملكَ من تدفع له الزكاة هذا المال، فمثلاً إذا أردنا أنْ ندفعَ الزكاة بيتاً، فيجب أنْ نملّك الفقيرَ هذا البيت، وإذا لم نستطع تمليكه فإنّنا لم نستطعْ أنْ ندفعَ الزكاة.
وتابع، فإذا شيّدنا البيت على أرض مغصوبة أو مملوكة فلا يستطيع الموكّل بالجمعية أنْ يملك الفقيرَ البيت لأنَّ أرضه مغصوبة أو مملوكة لشخصٍ آخرَ، فمن هنا وجب التنبيه على أنْ يملّك الفقير تمليكاً صحيحاً تاماً، أرضاً ومنزلاً وأنْ يكونَ حرَّ التصرف بالمال الذي يدفع له.
ويؤكّد الشيخ “عبدالله رحال” أنَّ الهدف من الفتوى هو تصحيحُ الأخطاء في عمل المنظمات إنْ وجدت، حتى يكون العملُ مقبولاً عند الله سبحانه وتعالى.
وتوقع أنْ تتجاوبَ المنظمات مع الفتوى الصادرة بحذافيرها، مضيفاً أنَّ كلَّ متبرّع سينظر إلى هذه الفتوى بعين الاعتبار، وتجاوباً مع الفتوى بدأت بعضُ المنظمات شراءَ الأراضي والبناءَ عليها وسيتمُّ تمليكُها تملكاً تاماً للفقير.
عشوائية في عمل المنظمات
من جانبه أشار المهندس “أسامة المصطفى” إلى أنَّ الفتوى التي أصدرها المفتي العام تكتسب أهميةً كبيرة، حيث تمَّ الحديثُ خلالها عن واحدة من العقبات التي قد تواجه النازحين مستقبلاً، بما يتعلّق بالملكية الخاصة للمسكن، لافتاً أنَّ ضمانَ الملكية يجب تطبيقُه على كافة القرى التي يتمُّ تجهيزُها في المنطقة، ولا يقتصر الأمرُ على تلك التي تنشأ من أموال الزكاة.
وأوضح المهندس العامل في إحدى المنظمات الدولية في الشمال السوري في حديث لشبكة المحرَّر الإعلامية أنَّ المنظمات التي تعمل في إنشاء القرى للنازحين لا تقدّم جميعُها وثيقةَ استملاك للمساكن التي يتمُّ تسليمُها، لعدّةِ أسباب.
من هذه الأسباب، أنَّ بعض المنظمات في الداخل تكون جهة منفّذة لمنظمات أخرى خارج سوريا، وللمنظمات الخارجية سياستُها الخاصة بها، ومن الممكن أنْ تشترطَ إبقاءَ الأرض التي أنشأت عليها القريةَ ملكيةً خاصة لها، في المقابل هناك منظمات أخرى تقدّم ورقةَ إثباتِ ملكية للمستفيد.
ومن الأسباب التي تمنع تقديمَ ورقة إثبات الملكية، هو إنشاءُ بعضِ القرى على أرض تعودُ ملكيتُها للعام ( أملاك دولة)يتمُّ تقديمُها من قِبل المجالس المحليّة في الشمال السوري، وليس لأيّ أحدٍ الحقُّ في منح آخر شيئاً لا يملكه.
واستبعد “المصطفى” تنفيذَ الفتوى الصادرة عن المفتي العام كاملة، بسبب السياسات المختلفة للمنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري المحرَّر، حيث تعمد بعضُ المنظمات لإلغاء مشاريعها في المنطقة إذا لم يتناسبْ مع سياستها في العمل.
ولتنفيذ هذه الفتوى وغيرِها من التنسيق في العمل الإنساني والإغاثي، يؤكّد “المصطفى” أنَّ المنطقة بحاجة لمؤسسة جامعة لكلِّ المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري، وذلك لتنسيق العملِ والاحتياجات في المنطقة، وتقاطعِ المعلومات فيما بينها، لكن في الواقع، كلُّ جهة تعمل بمفردِها دونَ التنسيق مع الجهات الأخرى، ما يشكّل فوضى كبيرة في المنطقة، وصلت إلى تسليم عائلاتٍ أكثرَ من منزلٍ في أماكن متفرّقة.
فريق التحرير