الانقساماتُ تضرُّ بجهودٍ التعبئةِ لمكافحةِ فيروسِ كورونا في سوريا

الحربُ التي تشهدها سوريا منذُ تسعِ سنوات قسّمت البلاد إلى ثلاثة أجزاء متنافسة وعاجزةٍ على العمل معاً لمكافحة فيروس كورونا المستجِد، الذي يعتبر عدواً قادراً على تخطّي جميع خطوط الصراع.

وفي الجيب الأخير الذي تسيطر عليه المعارضة في شمال غرب سوريا، يعمل مسؤولو الصحةِ بالقليل من الوسائل لحماية 4 ملايين شخص محاصرين في منطقة مضطربة بسبب الهجمات المتكرّرة لقوات الأسد، ولم ترَ الوعودُ التي قدّمتها منظمة الصحة العالمية بتوصيل أجهزةِ التهوية ومعدّات الحماية واللوازم الأخرى للنازحين النورَ بعدُ.

يسيطر نظام الأسد على بقية البلاد بما في ذلك المدن الرئيسية، وقد قامت منظمة الصحة العالمية بتوجيه معظم مساعدتها لمكافحة الفيروس المستجّد عن طريق حكومة النظام، وهو ما جعل المساعدات الأممية لا يصل للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام.

“هاردين لانغ”، المسؤول السابق في الأمم المتحدة ونائب رئيس منظمة اللاجئين الدولية قال: إنّ “الأولوية يجب أنْ تكون للمناطق الأكثر ضعفاً وأنّ العمل مع حكومة غالباً ما توزّع المساعدات بناءً على اعتبارات سياسية، يمكن أنّ يكون موضع تساؤل عندما يكون لديك سكان يعتمدون بشكلٍ كاملٍ عليك وعلى المساعدة عبْرَ الحدود”.

تمّت اختبارات الكشف عن فيروس كورونا المستجّد التي أجرتها سلطات النظام في المختبر المركزي في دمشق فقط، وهو ما جعل من الصعب تتبّع العدوى، واضطرت المنطقة الشمالية الشرقية التي يديرها الأكرادُ، والتي يقطنها 4 ملايين شخص لإرسال عيناتها بالطائرة إلى العاصمة دمشق.

ظهرت عيوبُ النظام الأسبوع الماضي عندما اكتشف المسؤولون الأكراد بعد أسبوعين الحقيقة وهي أنّ الوفيات في منطقتهم كانت بسبب “كوفيد-19″، ولم تعلنْ حكومة دمشق عن ذلك رسمياً ولم تبلّغْ السلطات المحلية، وتقول منظمة الصحة العالمية إنّها تتعامل مع نقصٍ عالمي وتعمل على جمع الموارد لسوريا، التي تسميها مجالاً ذا أولوية، وحتى الآن العدد الرسمي في سوريا هو 39 إصابة وحالتا وفاة وكلّها في دمشق أو ضواحيها.

وعلى مدى أسابيع، أنكر مسؤولو النظام خطرَ مواصلة الحجّاج الشيعة من إيران والعراق لزيارة الأضرحة بالقرب من دمشق، كما استمر تنقّل مقاتلي الميليشيات المتحالفة مع جيش الأسد.

وبحلول أوائل آذار، بدأت القيود بإغلاق جزئي للحدود والأضرحة عندما تمّ الإعلان عن الحالة الأولى في الـ 22 آذار، إذ فرضت الحكومة حظرَ التجوّل وعلّقت التجنيد العسكري وتمّ عزّلُ العديدُ من المدن وإنشاء أكثر من عشرة مراكز للحجر الصحي، وقالت الدكتورة نيما عابد ممثلة الوكالة في دمشق إنّ منظمة الصحة العالمية تزوّد وزارة الصحة بالمعدّات الطبية والمخبرية ومعدّات الاختبار والحماية وورش التدريب، وتقوم بإنشاء مختبرات اختبار في مناطق حلب وحمص واللاذقية.

وأشارت “عابد” إلى النقصِ العالمي والعقبات التي تحولُ دون وصول المساعدة إلى المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحكومة خاصة وأنّ عمليات التسليم تتطلب إذنًا من الحكومة.

وقالت الباحثة “إليزابيث تسوركوف” إنّه منذ بدء الانتفاضة في العام 2011، تتبع دمشق سياسة حرمانها من المساعدة للمناطق التي يسيطر عليها المعارضة وإلى الشمال الشرقي الذي يديره الأكراد، على أملِ إضعاف السكان هناك، وقد تمّ إلقاءُ اللوم جزئياً على تفشّي مرض شلل الأطفال في العام 2013 على رفض الحكومة إجراء عمليات التطعيم للمناطق الواقعة خارج سيطرتها.

حتى الآن، نقلت منظمة الصحة العالمية جواً من دمشق 20 طناً من الإمدادات، بما في ذلك أجهزة تهوية ومعدات واقية، إلى مستشفى في الجيب الذي تسيطر عليه الحكومة في مدينة القامشلي الشمالية الشرقية، وقالت “تسوركوف” إنّ أولئك الذين يحاولون الوصولَ إلى المستشفى يخاطرون باعتقالهم عندما يعبرون نقاط التفتيش العسكرية.

وتوقفت شحناتُ مساعدات الأمم المتحدة من العراق في أوائل عام 2020 بعد أنْ اعترضت روسيا على قرار يسمح باستمرار الشحنات عبْرَ تلك الحدود، ثم أجبر الوباء السلطات على إغلاق الحدود العراقية على الجميع تقريباً، حيث غادر العديدُ من عمال الإغاثة وتفاوض المتبقون فقط على فتحات حدودية متفرقة مع إقليم كردستان شبه ذاتية الحكم في العراق، وقاموا بجلب بعضِ الإمدادات كجهازي اختبار.

وفي شمال غرب سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة، أغلقت السلطات المدارس والمساجد وحثّت الناس على البقاء في منازلهم، ويعيش ما يقرب من مليون شخصٍ نزحوا خلال هجوم النظام الأخير الآن في خيام أو ملاجئ مؤقّتة بدون ماء أو كهرباء.

وقامت منظمة الصحة العالمية بالتشاور مع سلطات إدلب لوضع خطّة بقيمة 30 مليون دولار لإنشاء 28 وحدة عزْل وإعداد ثلاثة مرافق جديدة لمرضى فيروس كورونا، لكنّ الوكالة لم تقدّم الإمدادات بعدُ، 30 جهاز تهوية موجود في تركيا في انتظار الموافقة على الميزانية، منظمة الصحة العالمية أرسلت 5900 جهاز اختبار إلى إدلب، وتمّ اختبار 197 حالة وأفضت النتائج إلى سلبيتها.

وكتب مسؤول الصحة في إدلب “منذر الخليل” في رسالة مفتوحة متّهماً الأمم المتحدة بالتمييز، إنّ خطّة منظمة الصحة العالمية “لا تزال مجرّدَ كلمات على الورق، حتى لو لم تكن شمال غرب سوريا دولة رسمية فإنّ مواطنيها سوريون أولاً وقبلَ كلِّ شيء هم بشر ويستحقون الردّ المناسب”.

وقال إنّ منظمة الصحة العالمية تريد الآن إعادة تأهيل المستشفيات الحالية لحالات “كوفيد-19” بدلاً من إنشاء مرافقَ جديدة، وهو تغيير كان يخشى أنْ يؤدّيَ إلى إجهاد الموارد الإضافية، إضافة إلى المخاوف فإنّ قرار الأمم المتحدة الذي يسمح بالمساعدة عبْر الحدود من تركيا ينتهي الشهر المقبل.

استخدم “الخليل” الموارد المتاحة لإقامة الجناح الوحيد في المنطقة للحالات المشتبه بإصابتها بالفيروس، وقال مدير المستشفى الدكتور “خالد ياسين”: إنّ جناح مستشفى إدلب في المدينة لا يضمّ سوى طبيبين وأربع ممرضات و32 سريراً وأربعة أجهزة تهوية، وبينما كان “ياسين” يتحدث إلى وكالة “أسوشيتد برس” حاول أبُ إحضار ابنه البالغ من العمر 10 سنوات محموماً بعدوى في الصدر ويشتبه بإصابته بفيروس كورونا، كان على “ياسين” إبعادُه، وقال للوالد المنهك: “ليس لدينا أقسامُ عزْلٍ للأطفال”.

وأكّد “منذر الخليل” أنّه على مدار الحرب، عالج ضحايا الهجمات الكيماوية واتخذ قرارات الحياة أو الموت بشأن إخلاء المستشفيات قبل هجومِ النظام، وقال إنّ الفيروس أحدَثَ مستويات جديدة من التوتّر، مضيفاً: “هذه المرّة أشعر أنّها أكبرُ بكثير منا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى