العقوباتُ الأمريكيةُ التي تلوحُ في الأفقِ تهزُّ سوريا وتعجّلُ بالانهيارِ الاقتصادي

في مشاهد لم تُشهَدْ منذ سنوات في المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا، سار عشرات الرجال والنساء في الشوارع هذا الأسبوع احتجاجاً على زيادة حادّة في الأسعار وانهيار العملة، حتى أنّ البعض دعوا إلى إسقاط بشار الأسد وأتباعه ضمن حزب البعث الحاكم، وهتف بعض المتظاهرين في الاحتجاج في مدينة السويداء في الجنوب “من جوّع شعبه خائن”.

في سوريا في الوقت الحاضر، هناك خوف وشيك من الوصول إلى طرق مسدودة، بعد ما يقرب من عقد من الحرب، انهارت البلاد تحت وطأة العقوبات الغربية التي استمرت لسنوات طويلة، وفساد الحكومة والاقتتال الداخلي بالإضافة إلى الوباء والانهيار الاقتصادي الذي زاد الأمور سوءاً بسبب الأزمة المالية في لبنان والتي تُعدُّ حلقة الوصل الرئيسية لسوريا مع العالم الخارجي.

تواجه سوريا شبه عزلة تامة، حيث أنّ العقوبات الأمريكية الأكثر صرامة ستدخل حيزَ التنفيذ الأسبوع المقبل، في حين أنّ الأسد ربّما ربح الحرب العسكرية ضدّ خصومه بمساعدة حلفائه روسيا وإيران، فإنّه يواجه الآن تحديًا أكبر في الحكم بينما يعيش أكثر من 80 ٪ من شعبه تحت خط الفقر.

في المناطق التي يسيطر عليها النظام، ترتفع الأسعار عدّة مرّات في اليوم، مما يجبر العديد من المتاجر على الإغلاق وذلك لأنّها غير قادرة على مواكبة الفوضى، تراجعت العملة السورية هذا الأسبوع إلى مستوى قياسي بلغ 3500 ليرة مقابل الدولار في السوق السوداء – مقابل 700 في بداية العام، أصبح من الصعب العثور على بعض المواد الغذائية الأساسية مثل السكر والأرز والأدوية.

قال أسامة قاضي، المستشار الاقتصادي السوري في كندا: “لقد خرج الاقتصاد السوري عن السيطرة ولم يعدْ بإمكان النظام السيطرة على الليرة السورية”.

من المرجح أنْ تزداد المعاناة في ظلّ العقوبات الأمريكية الجديدة، التي تقول واشنطن إنّها تهدف إلى معاقبة الأسد وكبار مساعديه على الجرائم التي ارتكبت خلال الصراع في البلاد.

بشكلٍ فعّالٍ، تمنع العقوبات أيَّ شخص في جميع أنحاء العالم من التعامل مع المسؤولين السوريين أو مؤسسات الدولة أو المشاركة في إعادة إعمار البلد الذي مزّقته الحرب، كما تستهدف أيَّ شخص متورّط في التهريب إلى سوريا والتي تتم غالبيتها عبْرَ العراق ولبنان.

فرضت الولايات المتحدة بالفعل عقوبات على الأسد وعددٍ من كبار المسؤولين، تسمح السلطة الجديدة المعروفة باسم قانون حماية المدنيين (قيصر) سوريا باستهداف الشركات الأجنبية، بما في ذلك في لبنان والأردن والعراق المجاورة.

قال نزار زكا، وهو مواطن لبناني عضو في فريق قيصر، وهي مجموعة تقدّم النصح للسلطات الأمريكية بشأن تطبيق العقوبات: “هذا التشريع سيغلق جميع الأبواب على نظام الأسد وأيّ شخص يتعامل معه”، وقال إن الموجة الأولى من العقوبات ستفرض في 17 يونيو، وستتبعها ثلاث مراحل أخرى قبل نهاية آب.

قيصر هو الاسم الرمزي لمصوّر الطب الشرعي السوري الذي كشف بيانياً عن وحشية حملة النظام عبْرَ تسريب الآلاف من صور ضحايا التعذيب، ويقول الخبراء إنّ العقوبات الجديدة ستكون ضربة قاسية لبلد يعيش فيه 80٪ من السكان بالفعل تحت خط الفقر، مما يجعل الدخل الشهري أقل من 100 دولار شهرياً وفقاً للأمم المتحدة، ووصف نظام الأسد العقوبات بأنّها “إرهاب اقتصادي”.

ارتفعت أسعار الخبز بنسبة 60٪ تقريبًا في محافظة إدلب الشمالية الغربية التي يسيطر عليها الثوار، على الرغم من أنّ الأراضي ليست مدرجة في العقوبات الجديدة، كما تضرّر سكانها بشدّة من انهيار الليرة، حيث أنّ كثيراً منهم عاطلون عن العمل ويعيشون في مخيمات النازحين، لأنّها العملة الرئيسية المستخدمة في إدلب.

واستقرّت الليرة السورية – التي كانت عند 47 مقابل الدولار في بداية النزاع – ثابتة عند حوالي 500 مقابل الدولار من 2014 حتى العام الماضي، إلا أنّها بدأت تتداعى بسبب عددٍ من العوامل: الإغلاق الذي فرضه فايروس كورونا، والأزمة المالية في لبنان، والقواعد الجديدة التي تتطلب استخدام الليرة السورية، والخلاف بين الأسد وابن خاله رامي مخلوف، أحد أغنى رجال سوريا.

فقدت حكومة النظام دخلاً كبيراً من الموارد في المناطق الخارجة عن سيطرتها، بما في ذلك حقول النفط في الشرق التي يسيطر عليها المقاتلون المدعومون من الولايات المتحدة والأراضي الزراعية التي أنتجت معظم القمح في البلاد.

ولعل الأكثر ضرراً هو الاضطراب المالي في لبنان، عملت البنوك هناك كبوابة للعالم لرجال الأعمال السوريين والمسؤولين والمواطنين العاديين، أما الآن فإنّ ضوابط رأس المال الصارمة في لبنان تغلق مليارات الدولارات في حساباتها.

وكتب داني مكي، الصحفي والمحلّل السياسي السوري المقيم في بريطانيا مؤخّراً لمعهد الشرق الأوسط: “لم يكن لبنان فقط بطاقة الخروج الاقتصادية من سوريا، بل هو القلب النابض لمجتمع الأعمال السوري”، كما أنّ لبنان قد أصبح في حالة ذعر من فقدان سوريا، ولا سيما فيما يتعلق بالكهرباء التي لا تزال تشتريها من بلد مزقته الحرب، في الأسابيع الأخيرة بدأ الجيش اللبناني بإغلاق بعض طرق التهريب من وإلى سوريا، حيث يتدفق الوقود والديزل والأدوية وغيرها من السلع.

ويقول النظام وحلفاؤه إنّ قانون قيصر يهدف إلى تجويع الشعب السوري، وغردت السفارة الأمريكية في سوريا – المغلقة منذ بداية الصراع – تغريدة يوم الأحد: “إنّ الحرب المدمرة التي قام بها النظام قد سحقت الاقتصاد السوري، وليس العقوبات الأمريكية أو الأوروبية”.

وسط الاضطراب، أقال الأسد رئيس الوزراء “عماد خميس” يوم الأربعاء في خطوة يبدو أنّها تهدف إلى إبعاد الغضب الشعبي، وأبلغ “خميس” البرلمان هذا الأسبوع أنّ النظام يناقش مع الحلفاء سبل تعزيز قيمة الليرة، وقال إنّ النظام يتّخذ خطوات أيضا لتجنّب أيِّ نقص في الأدوية.

قال “سامر أفتيموس”، صيدلي في دمشق، إنّ النقص بدأ بالفعل، ويعود ذلك جزئياً إلى اكتناز الأشخاص للأدوية، وقال إنّ شركات الأدوية توقّفت عن توريد بعض الأدوية.

وقال المشرّع السوري “مهند الحاج علي”، الذي يخضع لعقوبات أوروبية وأمريكية منذ سنوات، إنّ سوريا نجت من أزمات اقتصادية سابقة وستتغلب على قانون قيصر، وقال “لم يستطع الإرهابيون والأمريكيون تحقيق أيِّ تقدّمٍ في ساحة المعركة، حيث دفعنا بدمائنا وجراحنا، ولن يكونوا كذلك قادرين على تحقيق مكسب سياسي، بغضِّ النظر عن مقدار الضغط الذي يمارسونه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى