بوتينُ قد يعيدُ التفكيرً في سببِ وجودِ القواتِ الروسيةِ في سوريا

تخفف أجزاء من العالم بحذر قيود الإغلاق وتحاول العودة إلى نوع من الحياة الطبيعية، بعد أنْ تغلّبت على أسوأ جائحة فايروس كورونا، لسوء الحظ في بعض المناطق غيرِ المستقرّة في العالم تأتي العودة إلى أيام ما قبل الوباء مع استئناف الصراع العنيف، لأنّ وقف إطلاق النار غالبًا ما يتيح للمقاتلين فرصًا حاسمة للراحة وإعادة التجميع وإعادة التسلح وإعادة تمركز القوات ومراجعة الإستراتيجيات.

في سوريا على وجه الخصوص، سوف تتصاعد المناوشات حتماً مع سعي بشار الأسد المدعوم من إيران وروسيا إلى هزيمة قوات المعارضة المدعومة من تركيا، وتوطيد السلطة وفرض إنهاء الحرب التي ستكون مواتية لدمشق، ومع ذلك يبدو أنّ التحالف الغريب لطهران وموسكو ودمشق ينهار.

على مدى السنوات الخمس الماضية قامت روسيا بحماية نظام الأسد من خلال استخدام حقّ النقض ضدّ قرارات مجلس الأمن الدولي أو إعاقة أيّ محاولات ذات مغزى للتدخّل المسلح، في المقابل أصبحت سوريا أرضًا مثبتة للأسلحة والتكنولوجيا والتكتيكات القتالية الروسية.

نشرت موسكو حوالي 5000 جندي (على غرار عملية بارخان من قبل فرنسا في منطقة الساحل)، وزودت الأسلحة وشنّت غارات جوية وعزّزت وجودها البحري وبنت معسكرات عسكرية في سوريا، أصبحت شركة سترويترانس غاز الروسية للهندسة البترولية لاعباً مهيمناً في صناعة الطاقة في سوريا، حيث حصلت على دخل ثمين لدمشق وهو مفتاح الحفاظ على الولاء في الائتلاف المحلي الفضفاض الذي يبقي الأسد في السلطة، هذا التدخّل المحدود يتناقض بشكل صارخٍ مع الغزو السوفييتي الشامل لأفغانستان في الثمانينيات، والذي انتهى بهزيمة مذلّة، وبعد ذلك بوقت قصير انهيار الاتحاد السوفييتي.

حتى نهاية العام الماضي بدت موسكو في طريقها إلى تحقيق نصر جيوسياسي بعيد المنال كان من شأنه أنْ يحقق أهداف “مبدأ بوتين” لعام 2018 المتمثلة في تآكل النفوذ الأمريكي على الصعيد العالمي وتعزيز قدرة موسكو على إبراز القوة، لقد تسبّبت سياسة عام 2008 حتى الآن في حالة من الفوضى في أوكرانيا، وأثارت مجموعة كبيرة من عقوبات الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى غضب التحالف الغربي وفرض إجراءات صارمة تشمل منعَ الجبل الأسود ومقدونيا الشمالية من الانضمام وإثارة التوترات بين الناتو وأحد أعضائه تركيا.

ومع ذلك فإنّ فكرة روسيا بشأن “المهمة المنجزة” في سوريا لم تعدْ إبقاءَ الأسد في السلطة، بل تمهد الطريق لحكومة شرعية ومعترفٍ بها دولياً، ويختلف هذا بشكل ملحوظ عن أهداف موسكو الأولية، والتي تتمثل في الحفاظ على هياكل السلطة الحالية للتركيز على التهديد الذي تشكله داعش والجماعات المتطرفة الأخرى، يمكن أنْ يُعزى هذا التحول إلى الظروف المحلية المتغيرة من وباء فايروس كورونا إلى انخفاض أسعار النفط، مما يلقي بضربات كبيرة على الاقتصاد الروسي الراكد بالفعل، أكبر عامل خارجي دفع السلطات الروسية مؤخرًا إلى الإدلاء بتصريحات غامضة حول سوريا هو إيران.

مع هزيمة داعش إلى حدٍ كبير وفقدانِ قوى المعارضة أرضها، أصبح من الواضح أنّ لدى طهران خططًا لدمشق – ولا ينطوي أيّ منها على انضمام الأسد لأهداف موسكو مثل انسحاب القوات الأجنبية، ودستور جديد وحكومة ائتلافية، وعلى الرغم من التأكيدات على أنّ إيران لن يكون لديها مخاوفُ من تنحي الأسد، إلا أنّ مثل هذا السيناريو غير قابل للتصديق بالنظر إلى الروابط التاريخية القوية بين عائلة الأسد وطهران التي يعود تاريخها إلى تشكيل الجمهورية الإسلامية في عام 1979، كانت سوريا الدولة العربية الوحيدة التي دعمت طهران في الحرب العراقية الإيرانية وأصبحت منذ ذلك الحين جزءًا مما يسمى بالهلال الشيعي، مجال نفوذ نحتته إيران من أقصى شرق أفغانستان إلى البحر الأبيض المتوسط، من غيرِ المحتمل أنْ تقبل طهران أي نتيجة من شأنها الإطاحة بالأسد أو تمكين خصومه السياسيين، لأنّها ستعرّض خطراً حيوياً لحزب الله اللبناني – الذي ينخرط بنشاط في سوريا، وأحياناً يقصف بالصواريخ إسرائيل.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ طهران المحاربة التي تسعى لإحباط المصالح الأمريكية والإسرائيلية، تنظر إلى سوريا على أنّها مجرد ساحة معركة أخرى في علاقة متجمدة إلى الأبد، مما يتطلب الحفاظ على الوضع الراهن – بعيدًا عن مُثل موسكو، والأسوأ من ذلك، على الرغم من أنّ المساعدة الروسية كانت لا تقدّر بثمن، لا تزال دمشق تفضل أخذ إشاراتها من طهران، حيث أنّ هناك إدراك متزايد لنزل!!!
موسكو أنّ روسيا أنفقت رأس مالًا دبلوماسيًا وعسكريًا كبيرًا لتحقيق ما يرقى إلى انتصار جيوسياسي عابر بسبب النفوذ السياسي الهائل لطهران والنفوذ المتزايد، وتقوم روسيا الآن بشكل غير معهود ببرز مناوراتها كما لو أنّها تشير إلى سخط موسكو.

تحقيقاً لهذه الغاية بدأ النشطاء الروس في إجراء استطلاعات الرأي لقياس آراء السوريين حول بقاء الأسد في السلطة خلال وبعد أيّ فترة انتقالية، بالإضافة إلى ذلك لم تتردّد وسائل الإعلام الروسية في انتقاد نظام الأسد، وذهب أحد المنافذ إلى حدّ الإيحاء بأنّ فشل دمشق في تحقيق أهداف روسيا ينذر بتكرار الغزو السوفياتي لأفغانستان منذ عقد من الزمن – وهو احتمال لا يمكن تصوره.

إذا كانت موسكو عازمة على الحفاظ على علاقاتها مع دمشق على الرغم من التحديات المتزايدة، فإنّ التوقفَ المؤقت يكمن في استغلال التحالف الفضفاض لإبقاء الأسد في السلطة للضغط على النظام لتحقيق نتائج مواتية للأهداف الروسية، بالإضافة إلى ذلك فإنّ العقوبات والعزلة وغياب المساعدة الدولية والفساد المتفشّي قد قلّلوا من موارد سوريا المالية، وشلوا أيّ خطط لجهود إعادة الإعمار الضخمة التي ستحتاجها البلاد بعد تسع سنوات من الحرب الأهلية، حتى الآن تعهدت روسيا فقط بتعبئة مثل هذا المشروع شريطة أنْ يتكون تحالف دولي حول هذا الهدف.

ومع ذلك بدون دستور وضمانات لقوى المعارضة أو المنافسين السياسيين، هناك فرصة ضئيلة لأنّ معظم الدول في جميع أنحاء العالم سوف تكون مهتمة بالانضمام إلى مثل هذا التحالف إذا لم يتمّ الوفاء بالشروط المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 بشكل مرضٍ.

ومن غير الواضح ما إذا كانت سلسلة التقارير الإخبارية الروسية التي تنتقد الأسد، جنباً إلى جنب مع التحليلات التي أجرتها مؤسسات الفكر والرأي في موسكو ذات العلاقات الوثيقة مع الكرملين، ستكفي لتذكير دمشق بأنّها بحاجة إلى البدء في تلبية مطالب الكرملين أو مواجهة خروج روسي مفاجئ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى