بوتينُ ينقلبُ على الأسدِ وإيرانَ

كانت اتصالاتي مع شخصية كبيرة في موسكو وطوال السنوات التسع الماضية تذكّرني بقوة بأنْ “بشار الأسد” لن يذهبَ إلى أي مكان، المفاجأة أنّها اتصلت بي الأسبوع الماضي قائلة: “احزر ماذا؟، الأسد يذهب!”، مصدري ليس الوحيد الذي توقّع أنْ تقوم روسيا بهندسة خروجِ رحيل الأسد، تهاجمه وسائلُ الإعلام الموالية لموسكو شخصياً.

وردّ السياسيون السوريون بغضب على التعليقات شبه الرسمية، مثل الدبلوماسي السابق ألكسندر شوميلين، رئيس مركز أوروبا والشرق الأوسط المموّل من الكرملين، قائلين: “يجب على الكرملين التخلّصَ من الصداع السوري، المشكلة هي مع شخص واحد الأسد وحاشيته”.

في غضون ذلك، بعد أشهر من التوترات الداخلية ذهب ابن خال الأسد ومموّل النظام “رامي مخلوف” علناً لانتقاد النظام، مدعياً أنّ الحكومة تنهبُ أعماله وتهاجم حرياتِ الناس، بالنظر إلى الطبيعة العائلية الضيقة للنظام، فإنّ مثل هذا التصرف يعتبر انقسامًا خطيرًا في دائرة الأسد الداخلية، ويسرّ الروس بهذا الأمر ويرغبون بمفاقمته.

هناك عداء خاص بين الخط الذي تمارسه أسماء الأسد وبين مخلوف وكذلك الروس، الذين سرّبوا تقريرًا ضارًا (ربّما غير صحيح) عن شرائها المزعوم لـ 30 مليون دولار للوحة ديفيد هوكني الشهير “The Splash” لتزيين قصرها.

ظهر جزء كبير من هذه المقالات والمواد المناهضة للأسد من خلال وسائل الإعلام التي يسيطر عليها “يفغيني بريغوجين” (المعروف أيضًا باسم طبّاخ بوتين)، وهذا يشمل أدلّة على أنّ نظام الأسد كذبَ خلال عام 2019 على المواطنين بشأن انقطاع التيار الكهربائي المزمن ولم يعلمْهم بأنّه كان يبيع الكهرباء إلى لبنان، وهاجمت وكالات الأنباء الروسية مثل تاس إيران في نفس الوقت لأنّها لا تهتمّ بتحقيق الاستقرار في المنطقة لأنّها تعتبرها ساحة معركة مع واشنطن.

كان محور روسيا وإيران والأسد مفيدًا بشكلٍ متبادل سابقًا حيث سعت إلى استعادة جزء كبير من سوريا، ومع ذلك أصبح فسادُ الأسد المتفشّي والوحشية وعدمُ الكفاءة سامًا للغاية حتى بالنسبة لفلاديمير بوتين، الذي يريد أنْ يرى سوريا مستقرّة تتمتع بإعادة التأهيل الدولي، استياء بوتين من اتفاق دمشق لعام 2018 الذي يمنح طهران التفرّد بشأن اتفاقيات ما بعد الحرب – لا سيما أنّ الترويج لسوريا كقصة نجاح في إعادة الإعمار التي ترعاها موسكو يمكن أنْ يفتح لها الأبواب لمشاريع ضخمة مربحة في ليبيا والعراق وهي البلاد الغنية بالنفط.

وتابع الحليفان المقرّبان بنيامين نتنياهو وبوتين مشاهدة قبضة إيران المشدّدة على دمشق بقلق، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي بينيت مؤخراً: “لقد انتقلنا من منع ترسخ إيران في سوريا إلى إجبارها على الخروج، ولن نتوقّف”، تتغاضى روسيا بشكل سري عن الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرّة على الأهداف المرتبطة بإيران (مثل تلك التي قتلت 14 من الأصول الإيرانية الأسبوع الماضي)، والتي تصاعدت بالتوازي مع الحملة الروسية ضد الأسد.

طوال عام 2019 قامت موسكو بقمع الميليشيات الإجرامية التي يسيطر عليها زعماء النظام مثل ماهر الأسد، مما أدّى إلى اشتباكات مميتة (تسبّبت حادثة واحدة في يناير 2019 في مقتل 70 مقاتلاً)، تعمل هذه الكيانات بين اللاذقية على ساحل البحر الأبيض المتوسط والبوكمال على الحدود العراقية، وقد تعاونت مع حزب الله ووكلاء إيرانيين آخرين للسيطرة على طرق المخدرات الأولى إلى أوروبا والعالم العربي، تمّ حجزُ حوالي 660 مليون دولار من الأمفيتامينات، التي تمّ شحنُها من اللاذقية في اليونان في عدد قياسي في تموز 2019.

وتخشى موسكو من أنّ الاستحواذ الإيراني على ميناء اللاذقية وبناءَ خط سكة حديد يمتد عبْرَ سوريا والعراق سيقطع قاعدتها الرئيسية في حميميم ويسهل إيصال الأسلحة إلى الميليشيات المدعومة من إيران، مما يعوق قدرة روسيا على السيطرة على الشؤون السورية.

ربّما يمكنُ لبوتين أنْ يجبرَ الأسد على الاستقالة، من غيرِ الواضح ما إذا كان بوسع روسيا فرض بديل مفضّل بشكل مستدام. لكنّ مصدري أشار إلى وجود دراسة نشطة للمرشّحين للرئاسة من خارج النظام والدوائر العلوية، لكنّ محاولة انقلاب فاشلة قد تبتلع دمشق في نوبات جديدة من الصراع المدني، تفضل إيران حرْقَ كلِّ شيء على الأرض بدلاً من مشاهدة موسكو بشكل سلبي وهي تطرد دميتها من القصر الرئاسي، تعمل أجهزة المخابرات والجيش السوري بشكل تكافلي مع محاوري فيلق الحرس الثوري الإسلامي، ومع ذلك فإنّ الكثير من النظام محبط من تقييده بأجندة فارسية متعجرفة، لقد اشترى السخاء الإيراني الاستياء وليس الولاء.

تشير تقارير المخابرات الإسرائيلية إلى أنّ إيران وحزب الله قلّلا إلى حدٍّ كبير من تواجدهما العسكري في سوريا (بما في ذلك ثلثي مقاتلي فيلق القدس في البلاد)، بينما فوجئ المراقبون بفشلِ حسن نصر الله الأخير في حتى ذكر سوريا، ومع ذلك استنتج المسؤولون الأمريكيون مثل مبعوث دمشق جيمس جيفري أنّ إيران ليس لديها نيّةٌ لتخفيف قبضتها على سوريا، وحذّر المرصد السوري لحقوق الإنسان من زيادة التبشير الإيراني وتجنيد قوات شبه عسكرية جديدة في جميع أنحاء جنوب شرق سوريا.

قد ينظر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الانقلاب الروسي في سوريا على أنّه هدية ذات شقّين: إزالة دكتاتور مغطّس بالدماء وضدّ الولايات المتحدة، وطردِ الآلاف من المستشارين الإيرانيين وسفاحي حزب الله من دمشق، بالنسبة لبوتين إذا ما حصل مثل هذا الأمر وبدون اخطاء فإنّه سيكون عرضاً لا يُنسى للسيادة القوية لروسية.

وبسبب العقوبات الأمريكية تعاني طهران من ضائقة مالية صعبة وتعاني من فرط التمدّدِ لميليشياتها شبه العسكرية إقليمياً بشكلٍ حادٍّ، وبالنظر إلى أنّ الانتخابات الرئاسية في اميركا في نوفمبر قد تؤدّي إلى نجاح إدارة أقلَّ معارضة لإيران، فقد لا يكون لدى إسرائيل وموسكو لحظة أفضل أبدًا من الآن لتخفيض التواجد الإيراني في المنطقة بشكلٍ سريع، ومع ذلك فقد نجا الأسد من تسع سنوات على الرغم من الصعوبات المستحيلة في كثير من الأحيان، لذلك لم ينتهِ الأمرُ حتى يصعد الأسد على متن طائرة إلى المنفى المخزي.

سيكون محور روسيا – إسرائيل مدمّراً لموقف إيران الإقليمي، تطويق حزب الله في لبنان وإظهار النفوذ في بغداد وخارجها، ومع ذلك من المرجّح أنْ يكون نظام دمشق الذي يقرّه الكرملين مستبداً ووحشيًا مثل الأسد، بينما لا يتمتع بأيِّ شرعية محلية ويترك الجمهورية العربية السورية أكثر من إقطاعية للقوى الأجنبية، بالنسبة للعالم العربي فإنّ مرحلة الهيمنة الإسرائيلية الروسية ستكون متناقضة تمامًا مثل العقد الماضي من التوسع الإيراني العدائي.

تضع روسيا سياستها السورية في سياق عملية أستانا 2017 (مع تركيا وإيران)، والتي ترمز إلى اللحظة التي تمّ فيها الإطاحة بالأطراف الغربية والعربية من الساحة السورية، سنفرحُ جميعاً عند طرد آيات الله والأسد من دمشق، ومع ذلك يجب أنْ يكون أيُّ انتقالٍ نقطةً البداية لعملية ديمقراطية بوساطة دولية تعيد سوريا إلى مكانها في الحظيرة العربية، مع حصول السوريين على فرصة العدالة والموارد للعودة إلى منازلهم وإعادة بناء حياتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى