تحقيقٌ استقصائي أوروبي: نظامُ الأسدِ يجني أرباحاً فلكيّةً من تجارةِ الكبتاغون

كشف تحقيقٌ استقصائي موسّع أجرته عدّةُ مؤسساتٍ إعلاميّة ألمانية بارزةٍ، بينها القناةُ الألمانية الأولى (ARD) وصحيفة فرانكفورتر ألغماينة ومجموعة بايرن الإعلاميّة، عن حجمِ وخطورة تورّط نظامِ الأسد في تجارة الكبتاغون العالمية، وتوسّعِ نشاطاته في ألمانيا وأوروبا بشكلٍ غيرِ مسبوق.

وأظهر التحقيقُ، الذي استغرق عامين أنَّ نظامَ الأسد يجني أرباحاً فلكية من تجارة الكبتاغون تصل إلى نحو 50 مليار دولارٍ سنوياً، وأنَّ هذه الأرباحَ الضخمة تشكّل شريانَ حياةٍ للنظام في ظلّ العقوبات الدولية المفروضة عليه، وتمكّنه من الاستمرار في السلطة رغمَ الضغوط الدولية.

وكشف التحقيقُ عن تحوّلٍ استراتيجي خطير في نشاطات الشبكاتِ السورية المرتبطة بالنظام، حيث بدأت بالانتقال من مجرّد استخدامِ ألمانيا كدولة عبورِ لتهريب الكبتاغون إلى إنتاجه محليّاً على الأراضي الألمانية، فقد تمَّ اكتشافُ معملٍ لإنتاج الكبتاغون في مدينة ريغنسبورغ الألمانية، مما يشيرُ إلى توغّل عميقٍ لعمليات نظام الأسد في قلب أوروبا.

وأوضح أنَّ تكاليفَ إنتاج الكبتاغون زهيدةٌ للغاية، حيث لا يتجاوز سعرُ المواد الخام لكلِّ قرصٍ بضعة سنتات، بينما يُباع القرصُ الواحد في الشوارع العربية بما يتراوح بين 15 إلى 20 دولاراً، وهذا الهامشُ الربحي الهائل يفسر حجمَ الأموال التي يجنيها نظامُ الأسد من هذه التجارة.

ووفقاً للتحقيق، فإنَّ الشبكاتِ السورية المرتبطةِ بنظام الأسد تعمل بشكلٍ منظّم ومعقّدٍ عبرَ الحدود الأوروبية، مضيفاً أنَّ العصاباتِ السورية واللبنانية تخطّطُ لتغيير استراتيجيتها، بحيث يتمُّ إرسالُ المسحوق فقط إلى أوروبا، ليتمَّ تصنيعُ الأقراص محلياً، وهذا التحوّلُ يهدف إلى تقليلِ مخاطرِ الاكتشاف وزيادةِ الأرباح بشكل كبير، مما يعزّز قدرةَ النظام وحلفائه على تمويل عملياتهم، خاصة ميليشيا “حزب الله” اللبنانية التي تشارك بشكلٍ فعٍالٍ في هذه التجارة المربحة.

وأثارت هذه التطوّراتُ مخاوفَ جدّية لدى الأجهزة الأمنية الألمانية والأوروبية، حيث كشفت مصادرُ أمنيّة ألمانية أنَّ نحو 90% من تجارة الكبتاغون لا تزال مخفيّة عن المحققين في ألمانيا.

وفي ضوء هذه المعطيات، بدأت السلطاتُ الألمانية بتكثيف جهودِها لمواجهة هذا التهديد المتنامي، فقد تمَّ عقدُ اجتماعِ عملٍ ضمَّ محققين من الشرطة الجنائية الاتحادية وشرطةِ الولايات ومدّعين عامين لمناقشة مشكلة الكبتاغون والتحقيقات المرتبطة بها، ومع ذلك، يبدو أنَّ هذه الجهودَ لا تزال في بدايتها وتحتاج إلى تنسيقٍ أكبرَ على المستوى الأوروبي والدولي.

ويبقى السؤال المطروح، هل ستنجح الجهودُ الأوروبية في مواجهة هذا التحدّي الأمني الخطير، وكيف سيؤثّر ذلك على العلاقات مع نظام الأسد وحلفائه في المنطقة؟ وهل ستؤدٍي هذه الكشوفاتُ إلى إعادة النظرِ في السياسات الغربية تجاه سوريا وحزب الله؟، ويبيّنُ التحقيقُ أنَّ الإجابةَ على هذه الأسئلة ستحدّد مسارَ المواجهةِ مع تجارة المخدّراتِ الدولية وتداعياتها الجيوسياسية في المستقبل القريب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى