تفاقمُ مشاكلِ كورونا والأزمةِ الاقتصاديةِ في سوريا المنكوبةِ بالحربِ مع بدايةِ شهرِ رمضانَ المباركِ

سيكون شهرُ رمضان أكثرَ كآبة من أيِّ وقتٍ مضى حيث ستظلُّ المساجدُ مغلقةً ولن تتمكن العائلات من التجمّع بسبب حظر التجول الصارم في الساعة 7:30 مساءً.

لم يكن من الممكن أنْ يأتيَ رمضان في وقت أسوأ بالنسبة للشعب السوري، يعاني البلد الذي مزقته الحربُ بالفعل من ضائقة مالية، بعد ما يقرب من عقد من العقوبات الدولية الشديدة التي أدّت بالإضافة إلى أمور أخرى إلى نقص كبير في وقودِ التدفئة والكهرباء مما أدّى إلى شتاء طويل ومظلم.

قبلَ ستةِ أشهرٍ شهدت العملة السورية أكبر انخفاض في قيمتها في التاريخ، حيث وصلت الآن إلى 1300 ليرة سورية مقابل الدولار الأمريكي، أدّى ذلك إلى توقّف الإنتاج، حيث لم يعدْ بإمكان الصناعيين السوريين تحديدُ هوامش التكلفة والربح، مع إغلاق المصانع تمّ تسريحُ العمال وارتفع سعرُ السلع النادرة، مما أدّى إلى التهام الأموال التي كان السوريون لا يزالون يمتلكونها في خزائنهم، ثم جاء الإغلاقُ الكامل الذي بدأ في منتصف مارس كإجراء وقائي ضدّ جائحة COVID-19، وقد أدّى ذلك أيضاً إلى إغلاق الشركات كانت لا تزال مفتوحة، مما جعل الآلاف في بطالة قبلَ رمضان.

على الرغم من الحرب كان الشهر المقدّس فترة احتفالية نسبيًا عندما كانت العائلات تتجمّع حول مائدة العشاء لتناولِ الإفطار، ثم يذهب الرجال في مجموعات إلى مسجد قريب لأداء صلاة التراويح، وهي طقوس لوحظت في جميع أنحاء العالم الإسلامي، لكنّ هذا العام ستظلّ المساجد مغلقة طوال شهر رمضان ولن تتمكّن العائلات من التجمّع بسبب حظر التجول الصارم في الساعة 7:30 مساءً، مما يجعلَ الخروجُ أثناء وجبة الإفطار أو بعدَها غير قانوني.

مدفعُ رمضان التقليدي، الذي كان يُستخدم للإشارة عندما يمكن للمسلمين أنْ يفطروا، تمّ إخفاؤه أيضًا حيث خشيت السلطات من الخلط بين إطلاق النار عليها وبين تبادل إطلاق النار الحقيقي في ساحة المعركة السورية.

لن يتمّ بثُّ المسلسلات، وهي من أبرز أحداث شهر رمضان في سوريا لمدّة ستة عقود، هذا العام بسبب قيود التصوير، مُنع المنتجون السوريون من استكمال تصوير إنتاجِهم من منتصف مارس كإجراء احترازي ضدّ انتشار الفيروس، أولئك الذين أنهوا أعمالهم بالفعل لم يتمكّنوا من بيعها للقنوات الفضائية العربية بسبب نقص المعلنين والرعاة التجاريين.

لم يتمّ حتى الآن إصدارُ إحصائيات رسمية حول عددِ الأشخاص الذين تمّ تسريحهم في جميع أنحاء سوريا بسبب فايروس كورونا، ولكن يعتقد أنّ العددَ مرتفعٌ ويتضمّن الآلاف من العمال مثل عمال البناء، وسائقي الحافلات، والشيشة الذين يعتمدون على الأجور اليومية لإعالة أسرهم.

لقد التزمت حكومة النظام لفترة وجيزة بفكرة تعويض كلّ عامل بـ 100،000 ليرة سورية (حوالي 192 دولارًا أمريكيًا) لكنّ هذه الفكرة لم تتجاوزْ لوحة الرسم أبدًا، بسبب نقص الفائض النقدي في خزانة النظام، ليس هناك ما يشير إلى عودة الحياة الطبيعية إلى سوريا في أيِّ وقتٍ قريب، لا تزال خدمات الحافلات العامة ملغاة، وأعمال البناء معلّقة وجميع الفنادق والمطاعم ودور السينما والمقاهي مغلقة.

ليس فقط العمال اليوميون هم الذين يشكون، وكذلك أولئك الذين لديهم وظائف بدوام كامل في كلّ من القطاعين العام والخاص، نادراً ما يعتمد موظفو الدولة على رواتبهم المتواضعة لكسب لقمة العيش، والانتظار بدلاً من الوقت الإضافي، والمكافآت التي تمّ تعليقُها جميعاً، وفي الوقت نفسه على الرغم من أنّ الرواتب الثابتة أعلى بشكلٍ واضح في القطاع الخاص، فقد تمّ إلغاء مكافآت رمضان، حيث لم يكن لأصحاب الأعمال أيّ دخل منذ أوائل مارس، في السابق كان معظم موظفي القطاع الخاص يحصلون على مكافأة لمرّة واحدة قبل شهر رمضان، حتى يتمكّنوا من شراء المواد الغذائية والمواد اللازمة للشهر الكريم.

ويصبح هذا الأمر أكثرَ إشكالية مع ارتفاع الأسعار، بسبب الطلب الحادّ قبل شهر رمضان، يستشهد المنتجون بمجموعة متنوّعة من الأسباب لارتفاع الأسعار، مثل النقص المعوق للدولار الأمريكي وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر.

لقد ارتفع سعر العبوة المكونة من 24 بيضة من 950 ل.س (7 سنتات) قبل ستة أشهر فقط إلى 2300 ل.س في رمضان (1.70 دولار)، سعر كيلوغرام واحد من الليمون ارتفع من 500 ل.س (3 سنتات) في سبتمبر إلى 1500 ل.س في أبريل (1.1 دولار)، لتقدير ما يعنيه هذا بالنسبة للرواتب السورية يجب أنْ نضعَ في اعتبارنا أنّ غالبية موظفي القطاع العام يعيشون على الحدّ الأدنى للأجور وهو 48000 ل.س شهريًا (37 دولارًا).

قال “كريم طبة” خبير أعمال سوري في تورنتو: إنّ “سلسلة التوريد السورية فوجئت، حتى من دون وباء واسع النطاق”، وفي حديثه إلى صحيفة The Arab Weekly، أوضح “طبة”: “يجب على أيّ عملٍ يرغب في استيراد المنتجات إلى السوق المحلية أنْ يتغلّبَ على مختلف التحديات المتعلقة بالدفع والشحنات، يجب على الشركات السورية الآن أنْ تنظرَ أيضًا في التحديات الجديدة المتعلقة بتعطيل سلسلة التوريد العالمية، إنّهم بحاجة إلى التنافس مع الشركات من جميع أنحاء العالم لتأمين المنتجات التي أصبحت نادرة في الآونة الأخيرة، إنّهم بحاجة إلى استيعاب الزيادة العالمية في الأسعار، التي أثّرت على العديد من السلع الغذائية”.

لن يكون ذلك سهلاً ولن يكون سريعًا، من المتوقّع أنْ يكونَ هناك طوابير طويلة للخبز في رمضان، وكذلك ازدحامات في المتاجر الكبرى، حيث سيحكم اليوم على وسائل التواصل الاجتماعي والوقاية من COVID-19.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى