ثمانيةُ أعوامٍ على مجزرةِ حي القصورِ في ديرِ الزورِ.. مشاهدُ دمويةٌ لم تُمحَ من ذاكرةِ ابناءِ المدينةِ
قبل ثمانية أعوام وبالتحديد في الخامس والعشرين من شهر أيلول من العام 2012، حدثت مجزرة حيي الجورة والقصور، المذبحة الشنيعة التي ما زال أهالي ديرالزور يُحيون ذكراها ويستذكرون أحداثها المؤلمة حتى يومنا هذا، المجزرة التي ارتكبتها قوّات الأسد بحقّ أهالي مدينة ديرالزور المدنيين، حيث شهد حيي الجورة والقصور في ذلك اليوم مجازر جماعية بحقّ أهالي المدينة راحَ ضحيتها المئاتُ من الأبرياء، وأطلق على ذلك اليوم اسم “الثلاثاء الأسود” لفظاعة أحداثه ولشناعة المجزرة.
أحداث ووقائع المذبحة بدأت في صباح يوم الثلاثاء، الخامس والعشرين من شهر أيلول، عندما قامت “فرقُ الموت” متمثّلةً بقوّات الحرس الجمهوري باقتحام حي الجورة من ثلاثة محاور، وتطويقه بالكامل، ومن ثم اجتياح الحي ومداهمة المنازل، وقتلِ كلّ من فيها بكلّ وحشيةٍ ودمٍ باردٍ.
إعداماتٌ ميدانيةٌ، وتصفياتٌ لعائلاتٍ بأكملها، فالقتل الجماعي طالَ الأطفال والنساء والشيوخ فضلاً عن تشويه جثثهم والتمثيل بها، فبعض العائلات قُتلت حرقاً بالأفران، والبعضُ الآخر قُتل ذبحاً بالسيوف والسكاكين، حيث كان عناصرُ الأسد يقتلون المدنيين بشكلٍ عشوائي وبأسلوبٍ انتقامي إجرامي لم يشهدْ له التاريخ مثيل أبداً، كانوا يجمعون الشباب والرجال في الحي بشكلٍ عشوائي، ثم يقتلونهم بأساليبٍ وحشيةٍ شنيعة، ومن ثم يتراقصون على جثثهم ويمثّلون بها ويهتفون لربهم الأعلى “بشار الأسد”، لقد كانوا ينشرون الموت في الأزقّة والشوارع والطرقات، وكانت رائحة الدم والموت تملأ المكان. هذا ما قاله عددٌ من الناجين من تلك المذبحة!!.
كانت تلك الأحياء تقع تحت سيطرة قوّات الأسد، ولم يكن بداخلها أيُّ مظاهر مُسلّحة أو وجود لكتائب الجيش السوري الحرّ، كانت منطقة تكتظُّ بالنازحين، والنظام يعلم ذلك، لهذا قرّر الانتقام من المدنيين الأبرياء.
عمليات القتل الجماعي استمرت عدّة أيام، وشملت أغلب الأحياء التي دخلها الحرس الجمهوري وخصوصاً حي القصور، وتمّتْ تصفيةُ العديد من وجوه المجتمع المدني الديري، ومنهم الروائي “إبراهيم الخريط” الذي تمت تصفيته ميدانياً مع ولديه بإطلاق الرصاص عليهم بشكلٍ مباشر، بالإضافة لتصفية العشرات من المدنيين، واعتقالات العشرات من أبناء الحي بينهم نساء وأطفال ومصيرهم ما يزال مجهولاً حتى اليوم.
أكثر من 400 شهيدٍ مدني كانوا ضحية تلك المجزرة المروعة، والأعداد الحقيقية أكثر من ذلك، حيث بقي الناس أسابيع عدّة يكتشفون الجثث والمقابر الجماعية يوماً بعد يومٍ، وحتّى يومنا هذا لم تتكشّف حقيقة المجزرة كاملة، وهناك عشرات الضحايا لم يتمّ توثيقها لأنّها دفنت خارج الحي فضلاً عن عشرات الجثث التي لم يتمَّ التعرّف على هوية أصحابها بسبب تشوهها واحتراقها بشكلٍ كامل.
نظام وحشي ودموي اختار لغة الإجرام والدم في مواجهة الشعب الأعزل المطالب بالحرّية والكرامة، أراد من خلال ارتكابه لتلك المجزرة أنْ يُكمّ أفواههم، وأنْ يجعل منها درساً لجميع من يُحاول أن يُعارض نظامه أو يطالب بحقوقهِ، يُريد أن يقول للجميع: أنتم في سوريا الأسد لا حقوق لكم ولا حرّيات، حتى طريقة موتكم نحن من نقرّرها !
مجزرة الجورة والقصور لم تكن المجزرة الوحيدة، فقد سبقها عشراتُ المجازر وتلاها المئات، والقاتل ما يزال حراً طليقاً ويرتكبُ كلّ يومٍ مجزرة جديدة دون حسابٍ أو عقاب.
مئات الآلاف من الضحايا ينتظرون العدالة، ولن تهدأ أرواحُهم في قبورهم حتى يتمّ الاقتصاص من قاتلهم، ولن ينسى السوريون يوماً مجازر الأسد بحقّهم، وسيمضون بثورتهم حتى تتحقّقَ العدالة ويُحاسب المجرمون على جرائمهم.