خطّةٌ رسميةٌ روسيةٌ لسوريا تحملُ في طياتِها تنحيةَ الأسدِ وحكومةٌ انتقاليةٌ تديرُ البلادَ!!

أصدر “المجلس الروسي للشؤون الدولية” تحليلاً عن السيناريو المستقبلي للأوضاع في سوريا، تنبّأ فيه بتوافق تركي أميركي روسي إيراني على تنحية رأس النظام بشار الأسد ووقفِ إطلاق النار، مقابل تشكيل حكومة انتقالية تشمل المعارضة والنظام وقوات سوريا الديموقراطية (قسد).

وتطرَق التقريرُ إلى إعلان منظمة روسية تطلق على نفسها اسم “صندوق حماية القيم الوطنية” مقرّبة من الأجهزة الأمنية ومكتب الرئيس فلاديمير بوتين، إجراء استطلاع للرأي العام في سوريا، مشيراً الى أنّه بغضّ النظر عن مطابقة الاستطلاع للمعايير المهنية من عدمه، فإنّ الرسالة السياسية من إعلانه، والتي تضمّنتها نتائجه، كانت غاية في الوضوح: “الشعب السوري لا يريد الأسد”.

وأضاف التقرير أنّ موسكو “حرصت منذ بداية تدخّلها العسكري في سوريا، على الابتعاد عن تصوير نفسها مدافعة عن مصير الأسد، تارة من خلال إعلانها أنّ هدف تدخّلها إنّما جاء لإنقاذ مؤسسات الدولة السورية، وتارة أخرى من خلال تصريحات مسؤولين روس كانوا على الدوام حريصين في المؤتمرات الدولية الخاصة بسوريا، جنيف وأستانا وغيرها، على القول بأنّ الشعب السوري هو من سيقرّر بقاء الأسد من عدمه”.

وأشار إلى أنّ روسيا في الآونة الأخيرة أكثر جدية في إحداث تغيير في رأس النظام السوري، لأسباب عديدة، ليس أولها أنّ الاحتفاظ بورقة الأسد بات يثقل كاهل موسكو. بل تحوّل النظام من مؤسسات دولة تتبع لجهاز مركزي، إلى مؤسسات مرتبطة بميليشيات تديرها دول وقوى خارجية، ولا تتلقّى أوامرها حتى من بشار الأسد نفسه الذي بات خاضعاً في قراراته لابتزاز تلك الميليشيات.

واعتبر التقرير أنّ جهود الروس في إصلاح جيش النظام باءت بالفشل، بسبب حجم الفساد المستشري في جميع مؤسسات النظام، مما جعل منه شريكاً عاطلاً لا يقوم بأيِّ دور، ولا يعوّل عليه في مهمة، مقابل ثمن اقتصادي وسياسي ثقيل، كلف موسكو استخدام حق النقض “الفيتو” 12 مرّة.

وهناك خشية فعلية لدى موسكو من سقوط النظام تلقائياً، بسبب إفلاسه على كافة الأصعدة، وقد تؤدّي هزّة بحجم جائحة كورونا إلى انهياره في ظلّ عجز روسيا وإيران عن إنقاذه اقتصادياً.

ولفت التقرير الى خطر آخر يؤرق موسكو، يتمثل بالخوف من سطوة وسيطرة أسماء الأخرس (زوجة بشار الأسد)، التي باتت تشكّل مركز ثقل حقيقي داخل النظام، وأصبحت قوة تملك ظهيراً خارجياً وبُعداً دولياً، حيث تحمل أسماء ووالدها وعائلتها الجنسية البريطانية، مما يجعل مهمة الروس في دمشق غاية في الصعوبة، وقد يفقدوا جميع مكاسبِهم في سوريا خلال فترة قصيرة.

وشدّد التقرير على أنّ روسيا لم تكن يوماً مُصرّة على بقاء بشار الأسد، بل بعثت برسائل كثيرة، من خلال تسريبات أظهرت الأخير في حالات مهينة، كاستدعائه إلى موسكو بطائرة عسكرية، واستقباله كموظف عادي دون أيِّ اعتبار له كرئيس دولة.

أيضاً منعَ الضابط الروسي في قاعدة “حميميم” بشار الأسد من التقدّم باتجاه الرئيس بوتين، ودخل وزير الدفاع الروسي قصر الأسد دون علم الأخير بالزيارة أصلاً، وحوادث أخرى سرّبها الروس أنفسهم، للتدليل على استعدادهم للتخلّي رأساً عن الأسد، من خلال صفقة مع الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة بالموضوع السوري.

واعتبر أنّ الروس كانوا يرون في مسألة المصالحات خطوة إستراتيجية مهمّة نجحوا فيها، وكان بالإمكان البناء عليها وتعميمها في جميع أنحاء سوريا، حيث كانوا يعولون على النظام في إدارة ملف مناطق المصالحات بطريقة أكثر نجاعة، وبأسلوب يكفل إعادة تلك المناطق للنظام. لكن حصل عكس ذلك، إذ لا تزال حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن سيدة الموقف في تلك المناطق التي تدار بطريقة ميليشياوية صرفة.

ورأى أنّ خلاصة المشهد السياسي العام تشير إلى استياء غير محدود من بشار الأسد ونظامه، فالمقالات والتقارير الصحافية واستطلاعات الرأي، تشير إلى شكّ روسي بأنّ الأسد ليس فقط غير قادر على الاستمرار في حكم سوريا، بل إنه يسير بموسكو خطوة بخطوة نحو السيناريو الأفغاني المؤرق لها.

وبحسب التقرير، فاجأت زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، مؤخّراً، لدمشق، جميع المراقبين والمتابعين للشأن السوري باعتبار أنّه من الصعوبة بمكان تخمين السبب الذي دفع النظامين السوري والإيراني لكسر الإجراءات الاستثنائية التي فرضتها جائحة كورونا، من أجل تحقيق لقاء وجاهي فيزيائي يقف فيه الأسد وظريف وقفة فريدة غير معهودة في الآونة الأخيرة.

وأشار إلى أنّ حرص الطرفين أو أحدهما على اللقاء الفيزيائي له أسبابه المجبرة، حيث لم تكن الاستعاضة عنه بنوع من اللقاءات الافتراضية ممكنة، في ظلّ رقابة صارمة مؤكّدة تشمل جميع وسائل التواصل على اختلاف تقنياتها.

وقال التقرير إنّه مما لا شكّ فيه أنّ سبب الزيارة هو غير ما أعلنته الرواية الإيرانية عن دراسة العلاقات الثنائية، والتطورات الإقليمية، وآخر المستجدات في الساحة الدولية، إذ من الواضح أنّ ثمة أمراً بين الطرفين لا يريد كلاهما أو أحدهما اطلاع الطرف الروسي عليه.

وشدّد التقرير على أنّ ثمة تضاداً إستراتيجياً وتعارضاً في المصالح بين روسيا وإيران في سوريا، فبينما تسعى موسكو إلى تحقيق نوع من الاستقرار في سوريا بعد عجزها عن الحسم العسكري، تقف طهران على النقيض من ذلك. إذ “لا مصلحة لطهران التي تعاني من حصار أميركي خانق في حصول استقرار ليس في سوريا وحدها بل في عموم المنطقة، لأنّها تراها ساحة مواجهة مع واشنطن”.

وبينما تبدي موسكو استعدادها لمقايضة رأس الأسد باتفاق يضمن مصالحها في سوريا، تبدو طهران مستعدّة للتضحية بآخر سوري من أجل بقاء الأسد في السلطة. أما الأمر الآخر الذي يقلق الأسد وطهران على السواء، فهو تداعيات جائحة كورونا، بعبئها الطبي والاقتصادي.

وشدّد التقرير على أنّ ما يجمع طهران ودمشق خشية الطرفين من اتفاق تركي-روسي يحظى بمباركة أميركية وهذا ما يقلق طهران بالدرجة الأولى، ويبرّر ما حاولا فعله بشتى الوسائل، لإفشال الاتفاق التركي الروسي حول إدلب، ما اضطر موسكو لإرسال وزير الدفاع سيرغي شويغو إلى دمشق، كي يحذّر النظام من مغبة إفشال اتفاق وقف إطلاق النار.

وكشف التقرير أنّ موسكو تعمل على توليفة تجمع بين خيارين في غاية الصعوبة والتعقيد، أولهما: “أن تقبل القوى الموجودة على الساحة السورية بمناطق نفوذ بعضها البعض، وتبقى سوريا منقسمة على هذا الأساس إلى ثلاث مناطق للنفوذ والسيطرة.. الأولى تحت حماية طهران وموسكو، والثانية منطقة سيطرة المعارضة السورية بدعم من أنقرة، والثالثة منطقة شرق الفرات التي تقع تحت سيطرة واشنطن وميليشيات قسد”.

أما السيناريو أو الخيار الثاني، فيقضي بانسحاب كامل لجميع القوات الأجنبية، وتوحيد البلاد بعد تحقيق تحوّل سياسي يستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254، ما يعني تنحّي الأسد ووقفِ إطلاق النار بشكلٍ تام على مستوى سوريا.

وأوضح أنّه لا شكّ بأنّ هذا الخيار أقلّ تكلفة لجميع الأطراف، فهو يقوم وفق الرؤية الروسية على حلول وسط للهدف المشترك وهو وحدة أراضي سوريا، على عكس الخيار الأول “المحفوف بالمخاطر”. كما أنّه يحقق رغبة الجانب الأميركي الذي يريد فترة استقرار في هذه المنطقة الحيوية بالنسبة له، ويخدم هدفه الأساسي المتمثل في إبعاد إيران، وإبقاء الوضع على ما كان عليه قبل عام 2011.

وخلص التقرير إلى أنّه بمقدور موسكو صياغة توافقات مع الأطراف الفاعلة تتضمن الجانب التركي أيضاً، فأنقرة أعلنت مبكراً رغبتها في رحيل الأسد، وكان لها خط أحمر بشأن وحدات حماية الشعب الكردية، فإذا ضمنت موسكو إبعاد تلك الميليشيات وإخراجها إلى ما بعد خط 32 كيلومتر حسب اتفاق “سوتشي”، فلن تعترض أنقرة على مثل هذا السيناريو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى