غضبٌ روسيٌّ.. موسكو تفشلُ في استغلالِ اللاجئينَ لتحقيقِ أطماعِها الاقتصاديةِ في سوريا

سعى الاحتلال الروسي من تدخله في الحرب السورية ودعم نظام الأسد، الحفاظ على قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط لحماية مصالحه الإقليمية، وسعى إلى الاستحواذ على مشاريع إعادة الإعمار بعد الحرب كمكافأة لدعمه الديكتاتور السوري “بشار الأسد”، لكنه نجح في الأولى وفشل في الثانية ووجدها أكثر صعوبة، وفقاً لمجلة “فورين بوليسي”.

وأرجعت المجلة ذلك إلى وجود رؤيتان دبلوماسيتان لإعادة البناء السوري، حيث يصر الغرب على ربط أموال إعادة الإعمار بعملية سياسية محلية تعتبر شرعية على نطاق واسع، والإفراج عن آلاف السجناء السياسيين، وضمان السلامة لجميع السوريين، أما الرؤية الثانية هي رؤية الاحتلال الروسي الذي يريد أن يجعل إعادة الإعمار شرطاً مسبقاً لعودة اللاجئين السوريين.

ولقد حاولت موسكو الترويج لفكرة أن أكثر من 6 ملايين لاجئ في البلاد لن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم إلا إذا كان الغرب على استعداد لدفع الأموال لإعادة بناء سوريا.

وحاول الاحتلال الروسي الأسبوع الماضي تحقيق رؤيته لسوريا ما بعد الحرب من خلال المساعدة في تنظيم المؤتمر الدولي الأول لعودة اللاجئين في دمشق. “لقد فشل فشلاً ذريعاً”.

وخلال الأيام الماضية، استضاف نظام الأسد مؤتمراً فخماً في العاصمة دمشق، بهدف محاولة إعادة أكثر من ستة ملايين لاجئ فروا من الحرب الأهلية في البلاد إلى ديارهم.

وشارك في المؤتمر نحو 20 دولة من بينها الصين والهند والإمارات، لكن سرعان ما اتضح أنهم كانوا هناك فقط إما لأنهم كانوا يرغبون في الاستفادة من طفرة إعادة الإعمار في سوريا، أو لم يدفعوا ثمنها، أو لمجرد إظهار الدعم السياسي لنظام الأسد.

ورفض الاتحاد الأوروبي الحضور، وقال ممثّل السياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل”, “الاتحاد الأوروبي يرى أنّ الأولوية في الوقت الحاضر هي اتخاذ إجراءات حقيقية لتهيّئة الظروف الملائمة لعودة آمنة وطوعية وكريمة ومستدامة للاجئين والمشردين داخلياً إلى مناطقهم الأصلية، بما يتماشى مع القانون الدولي ومعايير عودة اللاجئين إلى سوريا، كما أقرّتها الأمم المتحدة في فبراير 2018”.

من جانبها، اعتبرت الخارجية الأميركية، الجمعة، أنّ مؤتمر اللاجئين الذي نظمّه كل من الاحتلال الروسي ونظام الأسد، في العاصمة السورية دمشق من 11 إلى 12 تشرين الثاني الجاري، لم يكن ذا مصداقية لتهيّئة الظروف المناسبة لعودة اللاجئين الآمنة والطوعية إلى بلادهم.

وأعربت الخارجية في بيانٍ نشرته عبّرَ موقعها الإلكتروني، عن أسفها من سعي نظام الأسد بدعم من الاحتلال الروسي إلى استخدام ملايين اللاجئين المستضعفين كبيادق سياسية ليزعم انتهاء الصراع الدائر في سوريا، محمّلة إيّاه مسؤولية مقتل أكثر من 500 ألف مواطناَ، فضلاً عن قصف العديد من المستشفيات، ومنعِ الدعم الإنساني لملايين السوريين.

وشدّدت على أنّ كلَّ ذلك يجعل حكومة نظام الأسد غيرَ موثوق بها لجهة عودة اللاجئين بأمانٍ، وبأنّه لا يحقُّ لنظام الأسد توجيه أموال إعادة الإعمار الدولية، مؤكّدةً دعمها لعودة اللاجئين عندما تسمح الظروف لهم بالعودة الطوعية والآمنة.

وأضافت الخارجية “نحن نقفُ مع الدول التي تواصل استضافة ملايين اللاجئين، ولا نزال أكبرً مانحٍ إنساني منفرد للأزمة السورية”، لافتةً إلى أنّه “على مدار العام الماضي، قدّمت الولايات المتحدة حوالي 1.6 مليار دولار أميركي من المساعدات الإنسانية، نصفُها يدعم احتياجات اللاجئين السوريين والمجتمعات التي تستضيفُهم.

المشاركة الضعيفة في المؤتمر أغضبت الاحتلال الروسي، وكان المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، “ألكسندر لافرنتييف”، غاضباً عندما سأل الصحفيون لماذا كان الحضور أقلَّ بكثير من التوقّعات.
قال للصحفي الروسي في الحدث: “ضغوطٌ، ضغطٌ من الولايات المتحدة.

وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، يخشى معظم اللاجئين العودة إلى ديارهم طالما ظلَّ رأسُ نظام الأسد وحكومتُه في السلطة، وقالت يسرا عبده، 40 سنة، فرّت إلى لبنان بعد اندلاع الصراع في عام 2011: “أنا لا أثقُ في النظام ولا بشار”، منذ ذلك الحين، اختفى شقيق زوجها بعدَ تجنيده في الجيش السوري واستولى موالون للحكومة على منزلها، وأضافت “مع هذا النظام، لا يوجد أمان”.

في عام 2019، قال تقرير لـ هيومن رايتس ووتش إنّ أفرع نظام الأسد الأمنية استمرّت في الاعتقال التعسفي والإخفاء والتحرّش بالناس.

وكان شقيق أبو سالم من بين الذين عادوا إلى درعا في ذلك العام، بعد فترة وجيزة من عودته، عندما أفسح المجال لوسط المدينة، أوقفه عناصر قوات الأسد عند نقطة تفتيش، واحتجزوه، وعذّبوه في فرع المخابرات العسكرية المحلي، وقال أبو سالم: “لقد ضربوه بشدّة لدرجة أنّه لم يكن هناك جلدٌ على أجزاء من جسده. أقسم أنّه لم يستطع الحركة لمدة 10 أيام”.

أثّرت هذه القصص على صورة الاحتلال الروسي كشرطي موثوق به في سوريا وعمّقتْ خوفَ السوريين من نظام الأسد الذي يتّهمونه بارتكاب جرائم حربٍ ممنهجة، بما في ذلك الآن القبض على من اعتقدوا أنّه آمن وعادوا.

مثل الاحتلال الروسي، يتوقّع لبنان أيضاً الاستفادة من إعادة الإعمار الوشيكة في سوريا، والتي من المتوقّع أنْ تكلّف حوالي 200 مليار دولار، كانت تسوّق مينائها في طرابلس في الشمال، على بعد 20 ميلاً فقط من سوريا، كمركز لوجستي لإعادة إعمار سوريا، لكن باستثناء لبنان، ليس للاحتلال الروسي متعاطفون في المنطقة.

كما لا يستطيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السعي للحصول على أيِّ تنازلات من رأس نظام الأسد يمكن أن تقنع الغرب بدعمِ مؤتمرٍ دولي لعودة اللاجئين، مثل إلغاء التجنيد الإجباري، وإطلاق سراح السجناء، وإتاحة الوصول دون عوائق للمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وأكّدت المجلة الأميركية أنّ السبب الآخر المهم الذي لا يرغب الكثير من السوريين في العودة إليه هو الأزمة الاقتصادية في سوريا، مشيرةً أنّ الناس ليس لديهم ما يكفي من الطعام، ومدنهم دمّرت، ومنازلهم مجرد أنقاض في أرض قاحلة شاسعة.

وأضافت أنّ معظم الدول أكّدت أنّها لا تريد إضفاء الشرعية على محاولة الاحتلال الروسي استغلال قضية اللاجئين لتحقيق مكاسب دبلوماسية واقتصادية خاصة بها.

ومنذ أنْ بدأت الحرب في سوريا مع احتجاجات الربيع العربي في 2011، نزح أكثرُ من نصف سكان البلاد قبل الحرب وأصبحت أزمة اللاجئين فيها واحدة من أكثر القضايا الإنسانية إلحاحاً في الشرق الأوسط.

وبحسب الأمم، يوجد أكثر من 5.5 مليون سوري في مختلف دول العالم، يعيش معظمُهم في لبنان وتركيا والأردن، وقد هاجر أكثرُ من مليون شخص آخر إلى أوروبا، ويقول خبراء اللاجئين إنّهم لا يتوقعون عودة أعداد كبيرة من النازحين إلى ديارهم ما لم تحدث تغييرات أساسية داخل سوريا نفسها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى