فايننشال تايمز: دراما الطاغيةِ والتايكون مستمرّةٌ، ورفضُ مخلوفٍ التعاونَ يعني خسارتَهُ كلَّ شيءٍ

قال الكاتب “ديفيد غاردنر” في مقال نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” إنّ حرباً عائلية تقوض ترويكا السلطة في سوريا, وأشار إلى أنّ المعركة المحتدمة في قلب نظام الأسد تأتي في وقت يتطلّع فيه نظام الديكتاتور للانتصار في الحرب الأهلية التي مضى عليها 9 أعوام التي دمّرت معظم البلاد.

وأضاف أنّ الخلاف العلني بين رأس نظام الأسد وابن خاله رامي مخلوف، أثرى رجل في سوريا، أدّى لجذب الاهتمام العربي والسوري. وخلال عقدين على حكمِه شكّل الرجلان مع شقيق الأسد الأصغر ترويكا للحكم. واليوم باتت مسلسلات رمضان الدرامية منافسة, ولكن في الحياة الحقيقية, “التايكون (رجل الأعمال الواسع الثراء والنفوذ) ضدّ الطاغية”.

وتحكم عائلة الأسد سوريا منذ نصف قرن وبعيداً عن حادثة صغيرة عام 1984 عندما مرِض حافظ الأسد وحاول شقيقه رفعتُ الانقلاب عليه، ظلّت العائلة تتحفّظ على أسرارها ولا تخرج خلافاتها للعلن. ومن هنا قد يكون مخلوف شجاعاً أو يائساً عندما قرّر إخراج الخلاف للعلن. وقام وهو الرجل الذي راكم ثروة طائلة بنشر ثلاثة أشرطة فيديو من خلال صفحته على “فيسبوك” اشتكى فيها أنّ نظام الأسد يحاول مصادرة مملكته التجارية والتي يقول إنّها خدمت النظام طوال فترة الحرب التي كانت تطيح به.

ويضيف الكاتب بأنّ الخلاف الظاهري يقوم على مطلب من شركة سيرياتل وشركة أم تي أنّ الشركة الأخرى للهواتف النقالة بدفع مئات ملايين الدولارات إلى حكومة نظام الأسد التي تعاني من نقص في المال. وتقول الحكومة إنّ هذه ضرائب متأخرة وأجور غير مدفوعة مقابل رخصة العمل, وتمّ اعتقالُ عددٍ من مدراء شركة سيرياتل.

وأشار إلى أنّ مخلوف انتعش وبرز في ظلّ رأسمالية المحسوبية التي رعاها نظام الأسد تحت ذريعة ليبرالية الاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة. وبعيداً عن شركة سيرياتل فقد كان لمخلوف مواقع في البناء والهندسة والنفط والغاز.

وفرضت الولايات المتحدة عام 2008 عقوباتٍ على مخلوف وتبعها الاتحاد الأوروبي أثناء الحرب حيث اتّهم رجل الأعمال باستفزاز رجال الأعمال المنافسين له عبْرَ أجهزة الاستخبارات ومساعدة نظام الأسد أثناء الحرب ولعب دورَ “خزينة المال” له.

وفي مقابلة سيئة السمعة مع الصحافي الأمريكي “أنطوني شديد”، مراسل “نيويورك تايمز”، جرت عندما قامت قوات الأسد بتوجيه البنادق نحو المتظاهرين العزّل، أعلن مخلوف أنّ هذه هي معركة حتى الموت. ولكنّه اليوم قال في واحد من أشرطته, “أريد توجيه رسالتي للرئيس، بدأت أجهزة الأمن بالتعدّي على حرية الشعب، وهذا هو شعبك، هذا هو شعبك”.

ويعلق “غاردنر” أنّ مخلوف لا يتحدّث عن مفارقة ساخرة، لكن كيفية وصوله إلى هذا المكان أمر صعب تتبعه في نظام غامض جداً.

وبعيداً عن المواجهة بين حافظ ورفعت حدثت الكثير من المشاجرات الجدية داخل نظام الأسد ولكن بدون توضيح وبنظريات مؤامرة كثيرة حول ما حدث في الحقيقة.

ففي عام 2005 أعلن عن انتحار غازي كنعان، وزير الداخلية والمسؤول عن احتلال لبنان لمدّة 29 عاماً, وكان على ما يبدو معارضاً لاغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري والذي اتّهم نظام الأسد بتدبيره.

ومات خليفته في لبنان رستم غزالة عام 2015 حيث حمل معه أسراره إلى القبر, ولم يبقَ أيّ شخص له علاقة بمقتل الحريري على قيد الحياة, وكان ينظر إلى كنعان كمنافس للأسد، وكذا مدير الاستخبارات العسكرية السابق وصهر الأسد، آصف شوكت، وزعم أنّ المخابرات التركية والفرنسية كانت تحضّره كبديل عن الأسد عندما قُتل في تفجير مجلس الأمن القومي الذي قُتل فيه وزير الدفاع وجنرال آخر عام 2012.

وفي ظلّ السوابق هذه، فأشرطة فيديو مخلوف قد تكون محاولة لتأمين نفسه ضدّ مصير كهذا. ولكن من الصعب النظر إليه كمنافس حقيقي لرأس نظام الأسد، فجمعيته “البستان” التي تقوم بالعمل “الخيري” وتدعم 30.000 مسلّح في ميليشيا غرست جذورها في منطقة الساحل الشمالي الغربي التي تعيش فيها الطائفة العلوية، ربّما بدت كجيش خاص دربه الاحتلال الإيراني ولديه المال الذي ينافس ميزانية الدول التي تعاني من ضيق, لكنّ الميليشيا التي شكّلها تمّ استيعابها في الفرقة المدرعة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، أما جمعية “البستان” فتمّ تهميشُها عبْرَ جمعيات أخرى أكبرَ منها تديرها الطامحة أسماء، زوجة رأس نظام الاسد, ومن هنا فالتفسير لكلِّ ما حدث هو أنّ ثروة مخلوف أصبحت هدفاً في ظلّ تراجعِ القتال في سوريا.

وفي أيلول طلب نظام الأسد من رجال أعمال المساعدة في إنقاذ الاقتصاد وضخّهِ بالدولارات, ووافق رجال الأعمال الجددُ الذي انتفعوا من الحرب الأهلية، لكنّ مخلوفاً وحسب سياسي عربي مطّلع رفضَ. كما رفض أيضاً خططاً لفتح شركة هواتف نقالة ثالثة والتي قِيل لها إنّها ستسهم في خدمة ثلث عملاء سيرياتل، ويبدو أنّه سيخسر كلَّ شيء، والميلودراما السورية مستمرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى