قنبلةٌ موقوتةٌ في سوريا

“أعتقد أنّ الشعب السوري سيكون قد اُستِنزِفَ حتى النهاية، جميع أنواع العنف التي كان يجب أن يتحمّلها بما في ذلك أزمة الوباء الحالية”، هذه الكلمات القاسية هي من “رافائيل بيتي” أخصائي التخدير والإنعاش لاتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية (UOSSM-France)، الذي يتوقّع ذروة فيروس “COVID-19” في غضون أسبوعين.

مع وجود عشر حالات تمّ الإبلاغ عنها لـ “COVID-19” بما في ذلك حالة وفاة واحدة، لا يبدو أنّ العدو غيرَ المرئي قد تسبّب في الخراب حتى الآن، يعتقد “مفضل حمادة”، رئيس الجمعية الطبية السورية الأمريكية (SAMS) غير الحكومية أنّه لن يكون أقلَّ ضراوة، “هناك نقص في الاستعداد لما سيحدث، سواء داخل المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أو خارجها، نحن نفتقرُ إلى كلّ شيء: المركز الصحي والمعدّات، نحن نتجه نحو الكارثة إذا تفاقم الوضع”.

في محافظة إدلب الشمالية الغربية آخر معقل للثوار، من الصعب أنْ تفعلَ ما هو أسوأ، لا يوجد سوى 300 اختبار “COVID-19” و95 جهاز تنفّس لأكثر من أربعة ملايين شخص، بالكاد يوجد مستشفيان في إدلب، يقول الدكتور “بيتي”: “لقد انهار النظامُ الصحي”.

ما يقرب من 1.2 مليون لاجئ تجمّعوا بالقرب من الحدود التركية قلقين بشأن بقائهم، إنّهم سكان يعانون من الإجهاد وسوء التغذية، وعليهم أنْ يواجهوا ظروفاً معيشية بالغة الصعوبة بدون النظافة الأساسية، وضعفُ هؤلاء السكان يعانون من نقصٍ في المناعة، ويضاف إلى كلِّ ذلك خطرُ الوباء، خاصة وأنّ كلّ شيء ينقصه القتالُ ضدّ هذا العدو غيرِ المرئي، القفازات، الألبسة الواقية، معدّات العناية، الحقن، المضادات الحيوية، اليوم لا يوجد قناع للتعامل مع الوباء، سوف يستغرق حوالي مليون إلى مليوني قناع، وليس لدينا منهم شيء.

هكذا قال “مفضل حمادة”، الذي زار سوريا في كانون الثاني الماضي، مضيفاً: بشكلٍ قاطع في مواجهة “COVID-19″ عدم كفاية البنية التحتية الطبية، التباعد الاجتماعي والعزلة لا يعملان هنا، هناك أكثر من مليون نازح في الشمال، والناس محاصرون في الخيام، ليس لديهم الضروريات الأساسية، ولا حتى مياه الشرب والصابون، من غير الواقعي فرضُ تدابيرَ احتواء على الأشخاص الذين أصيبوا بصدمات بسبب الحرب، الذين يقاتلون من أجل بقائهم وبقاء أسرهم، لقد عرفوا أسوأ بكثير من الفيروس التاجي، وكما تعلمون فهو لا يخيفهم على الإطلاق”.

وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ومجموعة من حوالي 30 منظمة إنسانية من بينها جمعيتُه غير الحكومية، فإنّ “حمادة” يعدُّ الأرضية لمحاربة الفيروس، فقد تمّ تخصيص عددٍ قليلٍ من المستشفيات وحوالي 20 مركزاً لاستقبال المرضى الذين يعانون من “COVID-19″، على الرغم من أنّهم لا يعملون بكامل طاقتهم حتى الآن، ومن جانبها تعمل جامعة “UOSSM-France” على إنشاء وحدة للعناية المركّزة المعزولة، وخيام لرعاية الأشخاص الذين يعانون من الأعراض.

كجزء من التدريب عن بُعدٍ تمّ اقتراح رمزٍ للموظفين الميدانيين لعلاج المرضى: الأخضر (الأعراض الصغيرة) والبرتقالي (المرضى المصابون بالاعتلال المشترك)، والأحمر (المرضى الضعفاء جداً)، “للأسف المرضى بالأحمر معرّضون لخطر كبير لعدم الخروج منه، نظراً لانخفاض معدل المعدّات ومقدّمي الرعاية في المنطقة، وقال الدكتور “زياد العيسى”، رئيس اتحاد الجامعات والعلوم الطبية والاجتماعية في فرنسا: إنّ “الجهود ستركّز بالتالي على المرضى من الفئة البرتقالية التي يمكننا متابعتها وإنقاذها”.

على الرغم من كلّ جهودِ التحضير فإنّ هؤلاء الأطباء واقعيون، وقال الدكتور “حمادة” إنّه عندما ينتشر الفيروس إلى محافظة إدلب فإنّ 40 إلى 70 بالمائة من المصابين البالغ عددهم أربعة ملايين شخص سيصابون، ووفقاُ له سيتمُّ إيقافُ الوباء أخيراُ بسبب مناعة القطيع، أي عندما يتم تحصين نسبة معينة من الأفراد لأنهم أصيبوا بالمرض أو تلقوا لقاحاً.

وقال اعتذاراً عن هذه النتيجة الوحشية: “بصراحة، وأنا أكره أنْ أقولَ إنّ أيّاً من الإجراءات التي سنتخذها لن تنقذَ الأرواح، في الوقت الحالي فإنّ الأولوية هي حماية مقدمي الرعاية لهم”، وبالنسبة للدكتور “حمادة” يجب أنْ تكونَ هذه الأزمة العالمية بمثابة درس لا يمكن لأحد أنْ يتجاهلَ ما يحدث في مكانٍ آخر، كما هو الحال الآن عندما تغض العديد من الدول الكبرى عن المجازر التي ارتكبت في سوريا لمدّة تسع سنوات، “لأنّ العالم قريةٌ كبيرة، ومهما حدث يمكن أنْ تتأثرَ أينما كنت، من المهم أنْ تكونَ على دراية بما يجري في سوريا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى