محكمةٌ ألمانيةٌ تدينُ عنصراً سابقاً في استخباراتِ نظامِ الأسدِ بجرائمَ ضدَّ الإنسانيةِ
حكمَ القضاء الألماني، اليوم الأربعاء، على عنصر سابق في استخبارات نظام الأسد بالسجن أربع سنوات ونصف السنة بتهمة التواطؤ في جرائم ضدَّ الإنسانية في إطار أول محاكمة في العالم مرتبطة بانتهاكات تُنسب إلى نظام الأسد.
ودانت المحكمة العليا في كوبلنس السوري “إياد الغريب” (44 عاماً) بتهمة المشاركة في اعتقال 30 متظاهراً على الأقلِّ في دوما، كبرى مدن الغوطة الشرقية قرب دمشق، في أيلول أو تشرين الأول 2011 ونقلهم إلى مركز اعتقال تابع لأجهزة نظام الأسد الأمنية، يُسمّى “الفرع 251” أو الخطيب في أيلول و تشرين الأول 2011.
واستندت المحكمة في إصدار حكمها اليوم على عدّةِ أدلّة، منها إفادات الشهود من الضحايا الذين عانوا من شروط اعتقال “لا إنسانية ومذلّة”، بحسب المحكمة، وإفادةُ عائلات ضحايا الاعتقال لدى نظام الأسد.
بالإضافة إلى آلاف الصور التي التقطها مصوّرٌ سابق في الشرطة العسكرية التابعة لنظام الأسد, يُعرف باسم مستعار هو “قيصر”، تمكّن من الهرب من سوريا صيفَ عام 2013، حاملًا معه 55 ألفَ صورة تظهر جثثًا تحمل آثار تعذيب.
وهذه هي المرّة الأولى في العالم التي تصدر فيها محكمة في العالم حكماً في قضية مرتبطة بالقمع الوحشي والدامي من قِبل دمشق للاحتجاجات من أجل الحرية التي جرتْ في إطار الربيع العربي.
والغريب أول متهمَين يمثلان منذ 23 نيسان أمام المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنز لتلقي عقوبته بعد أنْ اختار القضاة تقسيم الإجراءات إلى قسمين.
أما المتهم الثاني أنور رسلان (58 عاماً) فيُعتبر أكثرَ أهمية في أجهزة نظام الأسد الأمنية، وملاحق بتهمة ارتكاب جرائم ضدَّ الإنسانية في قتل 58 شخصاً وتعذيب أربعة آلاف معتقلٍ خصوصاً.
ومن المتوقّع أنَّ تستمرَّ محاكمة هذا العقيد السابق حتى نهاية تشرين الأول على الأقلِّ.
ولمحاكمتهما، تطبّق ألمانيا مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يسمح بمحاكمة مرتكبي أخطر الجرائم بغضِّ النظر عن جنسيتهم ومكان حدوث الجرائم.
وتزداد الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم الوطنية في ألمانيا والسويد وفرنسا بمبادرة من اللاجئين السوريين الكثر في أوروبا، وهي حالياً الإمكانية الوحيدة للحكم على الانتهاكات المرتكبة في سورية مع شلل القضاء الدولي.
وهرب الغريب من سورية في شباط 2013، ووصل في 25 نيسان 2018 إلى ألمانيا بعدَ رحلة طويلة في تركيا ثم في اليونان، ولم يخفِ ماضيه يوماً.
وعندما روى رحلته الشاقة للسلطات المسؤولة عن البتِّ في طلب اللجوء الذي قدَّمه، أثار اهتمام القضاء الألماني ما أدّى إلى اعتقاله في شباط 2019.
ويؤكّد الادعاء أنّه كان جزءاً من نظام يُمارس فيه التعذيب على نطاق واسع. ولزم إياد الغريب الذي طغى على حضوره أنور رسلان خلال جلسات الاستماع التي استمرت عشرة أشهر، الصمتَ وأخفى وجهه عن الكاميرات, ومع ذلك فقد كتب رسالة أعرب فيها عن حزنه على الضحايا, وكان يبكي وهو يستمع إلى محاميه يطالبون ببراءته بحجّة أنّه كان سيعرض حياته وحياة أسرته للخطر، إذا لم ينفّذْ أوامر نظام يسحقُّ كل متمرّد على تنفيذ أوامره.
وكان المتّهم تحت إمرة ابن خال رأس نظام الأسد والمقرّب منه “حافظ مخلوف”، المعروف ببطشه، ومع ذلك، استنكر أحد محامي الادعاء المدني “باتريك كروكر” صمته, وقال إن أشخاصاً “من رتبته يمكن أن يكونوا مهمّين جداً لإعطائنا معلومات (عن المسؤولين في نظام الأسد) الذين نستهدفهم بالفعل لكنّه اختار عدم القيام بذلك”.
وأدلى أكثرَ من عشرة سوريين بإفاداتهم حول الانتهاكات المروّعة التي تعرّضوا لها في سجن الخطيب, وجرت مقابلة بعض الشهود، من دون كشف هوايتهم، وتمَّ إخفاء وجوههم أو جعلوهم يضعون شعراً مستعاراً خوفاً من الانتقام من أقاربهم الذين ما زالوا في مناطق سيطرة نظام الأسد.
وللمرّة الأولى عُرِضت صورٌ من “ملف قيصر” على المحكمة, وقام هذا المصور السابق في الشرطة العسكرية بتسريب خمسين ألف صورة مجازفاً بحياته، يظهر فيها 6786 معتقلاً سورياً قتلوا بوحشية أو يتضوّرون جوعاً أو يعانون من آثار تعذيب, والصور التي تمَّ تحليلها في المحكمة من قِبل أخصائي الطب الشرعي البروفسور “ماركوس روتشيلد” تشكّل أدلة مادية دامغة.