من جديدٍ نظامُ الأسدِ يلعبُ بورقةِ الأديانِ لاسترضاءِ الغربِ

كثّفَ نظامُ الأسد في الآونة الأخيرةِ جهودَه المنصبّةِ نحو اللعب ببطاقة الدين والطائفية لغايات داخليةٍ وخارجية، أبرزُها استرضاءُ قوى دولية وإقليمية والتمترسُ وراءَ طائفته وميليشيات حلفائه، وذلك تزامناً مع إلغاء رأسِ النظام منصبَ المفتي ومؤسسةَ الإفتاءِ الخاصة بالمسلمين السنّة.


آخرُ تلك المساعي كانت محاولةَ نظام الأسد مغازلةَ الغرب من بوابة دغدغة المشاعر الدينية، عبرَ تنظيم حفلٍ رسمي لافتتاح كليةٍ للّاهوت، هي الأولى من نوعِها في سوريا، وما رافقَ الحدثَ من تغطية إعلامية كبيرة في وسائل إعلام النظام.

وأفردتْ جريدةُ البعث الناطقِ باسم نظامِ الأسد صفحتَها الأولى لتغطية الخبرِ كما نشرت وكالةُ سانا ووزارةُ التعليم العالي عبرَ معرّفاتها الرسمية تقاريرَ عن افتتاحِ كلية اللاهوت بجامعة دمشق، بحضورِ وزير التعليم العالي لدى النظام، بسام إبراهيم، ووزيرِ شؤون رئاسة الجمهورية، منصور عزام.

وتحاشتْ وسائلُ إعلام الأسد تبريرَ عدم وجود كلية للّاهوت في سوريا حتى اليوم، بل عمدتْ إلى إبرازِ كلمةِ بطريرك أنطاكية وسائرِ المشرق للروم الكاثوليك البطريرك يوسف العبسي في الافتتاح. وأثناء الحفلِ حاول وزيرُ التعليم العالي اللعبَ على وترِ التطرّف للترويج لنظام الأسد، وقال إنَّ “سوريا تثبتُ اليوم أنَّها بلدُ التسامح ومهدُ المسيحية وحاضنةُ الإسلام ومنارةُ الاعتدال الراسخةُ في عمقها الحضاري ونبذ التطرف والعنف والكراهية والتفرقة بين مكوّناتِ المجتمع السوري”، حسبَ زعمِه.

الحفاوةُ المصطنعة التي حاول نظامُ الأسد إبداءها، لم تقتصرْ على المسيحيين وحدهم بل ذهب أبعدَ من ذلك بكثير حيث كشفت صحيفةٌ إسرائيليّةٌ قبل أيام أنَّ نظام الأسد وحزبَ الله في لبنان باتا يهرولان وراءَ اليهودِ لاسترضاء إسرائيل.

وقالت صحيفة “إسرائيل هيوم” في نسختها الصادرةِ باللغة الإنكليزية قبلَ أيام إنَّ وفداً من اليهود السوريين المقيمينَ بالولايات المتحدة وصل إلى دمشق. ووفقاً للمصدر، استقبل نظامُ الأسد أعضاءَ الوفد الذين مكثوا في سوريا لمدّة أسبوعين وعادوا ليروا البلدَ أسوأ مما كانت عليه حينما غادروها.

وأشارت الصحيفة إلى أنَّ نظامَ الأسد طالما انتهج الأساليب الأمنية في الماضي مع اليهود السوريين الذين فرّ آخرُهم في التسعينات كما تعرّضوا للسجن في السبعينات والثمانينات وتمَّ منعُهم من التنقّل بحرّية داخل سوريا وخارجها، وقد اعتُقل بعضُهم لسنواتٍ عديدة أثناء محاولتِهم الانتقالَ إلى إسرائيل عبرَ لبنان.

وتساءلت الصحيفة عما إذا كان بشارُ الأسد يغازل اليهودَ من أجل التقرّب من إسرائيل، مشيرةً إلى أنَّ الأحداث الأخيرة تدلُّ على تغييرٍ أحدثته اتفاقيات أبراهام في المنطقة، حسب زعمِها.

إرضاءُ الشيعةِ بإقصاءِ السنةِ

ولم يقتصر الأمرُ على ذلك بل عمد نظامُ أسدٍ إلى استرضاء نظام ملالي طهران عبرَ تعزيز موقعِ الشيعة في مؤسساته الدينية بعد أنْ أطلق يدَ ميليشيات إيرانَ في عموم مناطق سيطرته.

أما الخدمةُ الطائفية الكبرى التي أسداها نظامُ الأسد لتلك الميليشيات مؤخّراً، فكانت إقصاءَ مؤسسة الإفتاء الرسمية الخاصة بالمسلمين السنّة وزجَّ ممثِّلين عن الحوزات الشيعية في المؤسسة البديلةِ “المجلس العلمي الفقهي”.

فيما باتتْ شوارعُ العاصمة دمشق مسرحاً مفتوحاً للطميات “الحجّاج” الشيعةِ والإيرانيين الذين يتوافدون إلى دمشقَ بالآلاف شهرياً، يُضاف إلى ذلك تجنيسُ نظامِ الأسد عوائلَ عناصر ميليشياته الذين استقدمهم من باكستانُ وإيران وأفغانستان وأكّدت تقاريرٌ أنَّهم بالآلاف.

إيرانُ من خلفِ الكواليسِ

الكاتب والصحفي السوري زياد الريس قال لأورينت نت، إنَّ الإيرانيين بنَوا لنظام أسد منظومةً دينية من جميع الطوائف والأديان، والآن يحاول التمدّدَ داخل الوسطِ المسيحي لمعرفته تأثيرَ رجالِ الدين المسيحي في الدول الغربية والعالم أجمع.

ونبّه الريس إلى أنَّ النظام يحاول أنْ يقولَ من خلال تلك الخطوات إنَّه يحمي كلَّ الأديان وإنَّ لديه مؤيدين من كلّ الطوائف، مؤكّداً أنَّ النظام يسعى لإنتاج رجال دينٍ مسيحي يخدمون أجنداته ومصالحِه كما فعلَ على مرِّ العقود الماضية عبرَ كلية الشريعة.

ولفت إلى أنَّ أتباع الديانة المسيحية في سوريا يعلمون بالتأكيد أنَّ مناهج الكلية ستكون مفصَّلة على قياسِ نظام البعث ولخدمة مصالحِه وليس لتقديم العلومِ الدينية والشرعية على حقيقتِها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى