(مترجم) للوقايةِ من كورونا.. يقولونَ أنّ نغسلَ أيدينا وبعضُ قاطني مخيماتِ إدلبَ لا يمكنُهم غسلُ أطفالهِم لمدّةِ أسبوعٍ
زارت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية مخيماتِ النازحين في شمال غرب سوريا بالقرب من الحدود التركية، حيث نقلت الواقع المأساوي الذي يعيشونه تزامناً مع الخطر المحدق بجميع العالم، ألا وهو “فيروس كورونا”، حيث كشفت الصحيفة عن المخاطر التي ستؤدّي إلى كارثة إنسانية فظيعة في حال وصول هذا الفيروس إلى هذه المناطق التي لا إمكانية لديها للحدّ من انتشاره، وقد ترجم فريق شبكة المحرَّرِ التقرير الذي أعدّته الصحيفة، وإليكم ما جاء فيه:
“يقولون أنْ نغسلَ أيدينا؟ بعضُ الناس لا يمكنهم غسلُ أطفالهم لمدّة أسبوع”، في شمال غرب سوريا المدمّر، قد ينتشر فيروس كورونا بالفعل في مخيمات النزوح الممتلئة، والاستجابة الدولية متأخرة لأسابيع.
معرة مصرين في شمال غرب سوريا، حيث يلجأ مليون شخص فرّوا من الحرب الأهلية إلى مخيمات موحلة ومبان مهجورة، يمكن أنْ يسبب انتشار فيروس كورونا كارثة لا توصف في منطقة مدمّرة، انسوا التدابير الوقائية كغسل اليدين والبعد الاجتماعي والتي أوصت بها السلطات الصحية في جميع أنحاء العالم، تكاد المياه الجارية تنعدمُ في المخيمات، ويعيش ما يصل إلى اثني عشر شخصاً في نفس الخيمة.
هل تريدنا أنْ نغسلَ أيدينا؟” سأل “فادي مسحر”، مدير إدلب لمؤسسة مرام للإغاثة والتنمية. “لا يستطيع بعض الناس غسل أطفالهم لمدّة أسبوع حيث أنّهم يعيشون في الهواء الطلق”، يعتقد الأطباء السوريون أنّ الفيروس قد اجتاح المخيمات بالفعل، مع الوفيات والمرض التي تحمل بصمات تفشّي المرض، لكنّ الاستجابة الدولية كانت بطيئة بل معدومة، وفقاً لأكثر من اثني عشر من الخبراء والمهنيين الطبيين السوريين.
لم تسلّمْ منظمة الصحة العالمية حتى الآن مجموعات اختبار فيروسات كورونا إلى المنطقة الشمالية الغربية التي تسيطر عليها المعارضة، على الرغم من أنّها قامت بتسليمها لأوّلِ مرّة إلى الحكومة السورية منذ أكثر من شهر، وقال أطباء إنّ التأخير ربّما سمح للفيروس بالانتشار دون اكتشافه لأسابيع في بيئة خطرة بشكلٍ خاص جداً.
وقال الدكتور “محمد غالب تناري” الذي يدير مستشفيات الجمعية الطبية السورية الأمريكية في المنطقة: “لدينا حاليًا حالاتٌ متشابهة، ولدينا أشخاص ماتوا”، “ولكن لسوء الحظ لأنّنا لا نمتلك الاختبار، لا يمكننا تأكيد أنّ هذه الحالات سببُها فيروس كورونا أم لا”، مضيفاً: “ربّما تكون قد رأيت دولًا مثل إيطاليا والصين – دولاً لديها نظام حَجر صحي، وحتى أنّها لم تستطعْ التعامل مع ضغوط كلِّ هذه الحالات”، “تخيّل بعد ذلك – نحن في حالة حرب وليس لدينا نظامُ رعاية صحية مناسب”.
وقال الدكتور “ناصر المهاوش” منسّق المراقبة في شبكة الإنذار المبكّر والاستجابة في وحدة تنسيق المساعدة، وهي مجموعة مستقلة، في مدينة إدلب، إنّ مختبراً في مستشفى إدلب المركزي جاهزٌ لاختبار فيروس كورونا ولكنّه يفتقر إلى مجموعات الاختبار، حيث طلب الأطباء السوريون المزيد من المعدات الواقية، مثل الأقنعة والقفازات، لكنّ أول شحنة جديدة من منظمة الصحة العالمية وصلت الثلاثاء فقط.
وعندما قمنا بزيارة محافظة إدلب بعد العبور من تركيا الأسبوع الماضي، لم نرَ أيَّ نقاط فحص للفيروس، واصطفت المخيمات غير الرسمية على الطريق من الحدود إلى بلدة معرة مصرين، وهي بلدة صغيرة تقع في الحقول الزراعية وعلى سفوح التلال. في مستشفى البلدة، عمل الأطباء في غرف العمليات في الطابق السفلي، بينما انتظر جمعٌ من الناس أعلاه.
وقال “عبد الرزاق زقزوق” مساعد إعلامي للجمعية الطبية السورية الأمريكية في المستشفى: “لسوء الحظ، ليس لدينا مناطقٌ للحجر الصحي في شمال سوريا”، “إذا كان هناك أيُّ حالة إصابة بفيروس كورونا في شمال سوريا، فإنّ الوضع سيكون مأساوياً”.
ويقدّرُ الأطباء في المنطقة أنّ مليون شخص في محافظة إدلب يمكن أنّ يُصابوا بالفيروس، وأن 100.000 إلى 120.000 يمكن أنْ يموتوا، وأن 10000 سيحتاجون إلى مساعدة من أجهزة التنفس الصناعي. يوجد 153 أماكن تهوية في المحافظة الآن.
قال “هيدن هالدورسون” المتحدّث باسم منظمة الصحة العالمية عبْرَ الحدود في جنوب تركيا، يوم الأربعاء إنّ منظمة الصحة العالمية تتوقع وصول معدات الاختبار إلى إدلب الأسبوع المقبل، وقال إنّه لا يعرف عددَ المجموعات التي سيتم إرسالها أو متى ستصل بالضبط، وقال إنّه يمكن إرسال عينات إلى المعامل في تركيا في غضون ذلك، كما إنّه بالنظر إلى العوائق التي تحول دون توصيل الإمدادات إلى منطقة النزاع فإنّ التأخير لمدّة شهرٍ ليس سيئاً، وقال أيضاً إنّ نقاط تفتيش فحص الحدود ستقام قريباً وسيتمّ تسليم المزيد من معدات الحماية، على الرغم من أنّه ليس لديه علمٌ عن الكمية وتوقيت وصولها.
وقالت مديرية صحة إدلب يوم الأحد إنّ هناك “احتمالية كبيرة لانتشار الوباء في المناطق المحرّرة في المستقبل القريب، إذا لم يكن قد انتشر بالفعل”، وأصدرت توصيات، بما في ذلك إغلاق المدارس والجامعات التي لا تزال مفتوحة، وإغلاق المقاهي والمطاعم ووقفِ الصلوات الجماعية، والزيارات الاجتماعية والسفر غيرِ الضروري، وتقديم المشورة حول كيفية العطس والسعال وغسل اليدين، لكنْ معظم هذه التوصيات مستحيلة في المخيمات.
وقال “ميشيل أوليفييه لاشاريتي” منسّق الأزمات لأطباء بلا حدود: “إذا كان هناك أيُّ شخص مريض، لا أستطيع استيعاب كيف سيقوم بالحَجر على نفسه”، ففي مخيمات أطمة الواقعة على الحدود التركية على بعد 30 ميلاً شمال مدينة إدلب، تجري المجاري بشكلٍ مفتوحٍ في الطرق ولا توجد شاحنات قمامة منتظمة.
وقالت “أمينة القعيد” التي تعيش هناك مع زوجها ووالديها وابنتها البالغة من العمر 10 أشهر، إنّ زوجها قام ببناء حمام لمنزلهم الصغير، لكن في الجوار، يستخدم 40 شخصًا تقريبًا خمسة مراحيض بدون مكان لغسل أيديهم، تتجمّع النساء كلّ يوم لملء أباريق الماء من الخزان والحصول على الخبز، وقالت: “وهذا الخبز ملفوف في كيس”. “يمكن أنْ تحمل هذه الحقيبة الفيروس. ثم ينتقل الفيروس إلى هؤلاء الناس”.
حيث أنّ عيادة المخيم صغيرة ومكتظة ومثقلة بالأعباء، وقالت إنّ عمال الإغاثة الذين جاءوا لتعليم سكان المخيم لم يرتدوا أقنعة أو قفازات ولم يقوموا بتعقيم أيديهم، وقالت: “يمكن لهذا الفيروس أنْ يقتل المزيد من الأشخاص في شهر واحد هنا في شمال سوريا أكثر مما قتل النظام في السنوات العشر الماضية”.
وقال الخبراء إنّ هذه الظروف ستجعل انتقال الفيروس أسهل بكثير، وقال السيد “لاشاريتي” إنّه مع وجود ضغوط على المستشفيات والعيادات بالفعل بسبب سنوات من الصراع، فإنّ معدل الوفيات من المرجّح أنْ يكون أعلى بكثير من ذلك الذي في البلدان المجهزة بشكل أفضل.
هذا الأسبوع، عقدت مجموعة الإغاثة السورية “بنفسج” دورات تدريبية لحوالي 40 ممرضة وسائق سيارة إسعاف سيكونون على الخط الأمامي للاستجابة للحالات التي ممكن أنّ تحصل في إدلب، تخطّط منظمة بنفسج لتنظيمها في فريقين: أولئك الذين سيقدّمون النصائح والسلال بالصابون والكتيبات ومعقم اليدين، والذين ينقلون الأشخاص المشتبه في إصابتهم بالفيروس، وقال “فؤاد عيسى” مؤسس “بنفسج”: إنّ “الطلب العالمي على المطهرات جعل بنفسج غير قادرة على شراء الكثير”، إذا بدأت الحالات، كما هو متوقّع، في التوسّع بشكل كبير، فسوف تطغى وتنتشر بسرعة.
ويخشى العاملون في مجال الإغاثة والإغاثة الطبية أنّه حتى عند وصول مجموعات الاختبار ومعدات الحماية أخيراً، فقد يكون الوقت متأخراً جداً، وقال السيد “مساهر” من مؤسسة مرام: “إذا لا سمحَ الله دخل فيروس كورونا إلى منطقتنا، فستكون أكبر مأساة”.
ويتجمّع حوالي ثلاثة ملايين شخص في محافظة إدلب، التي تقع خارج سيطرة حكومة الرئيس بشار الأسد منذ عام 2012، وهي آخر جيب في البلاد يسيطر عليه الثوار، وبدأت قوات الأسد وحلفاؤهم الروس حملة أخيرة لاستعادة المنطقة في الربيع الماضي، وأدّى الهجوم المتجدّد في أوائل ديسمبر / كانون الأول إلى طردِ ما يقرب من مليون شخص من منازلهم.
وتقدّر الأمم المتحدة أنّ حوالي ثلثهم يعيشون في مخيمات كبيرة أو خيام. والبقية ينامون على جوانب الطرق، ويجلسون في مبانٍ غير مكتملة أو مهجورة، أو يتشاركون الأحياء مع عائلات أخرى، استمر وقفُ إطلاق النار لمدّة أسبوعين، لكن لا أحد يتوقع استمراره، وتعهّد الأسد بمواصلة الهجوم في حين تعهّد الثوار في المحافظة بالمقاومة.
في جميع أنحاء المحافظة، تعرّضت المستشفيات والمرافق الطبية للدمار بسبب ثماني سنوات من الحرب، قصفت قوات النظام والطائرات الحربية الروسية مراراً وتكراراً المستشفيات والعيادات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة طوال النزاع، مما أسفر عن مقتل المئات من العاملين في مجال الرعاية الصحية، منذ بدءِ هجوم كانون الأول تضررت أكثر من 84 مستشفى ومنشأة طبية في الشمال الغربي أو دمّرت أو أجبرت على الإغلاق، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، وتلك التي لا تزال تعمل تفتقر إلى الإمدادات اللازمة.