فورين بوليسي: الكلفةُ البشريةُ للتطبيعِ مع نظامِ الأسدِ كبيرةٌ
ذكرت مجلة “فورين بوليسي” في تقريرٍ أنَّ الكلفة البشرية للتطبيع مع نظامِ الأسد ستكون كبيرةً، كما أنَّ السوريين سيصبحون الثمنَ الذي يجب أنْ يُدفع لتسوية الأزمة السورية.
واستندت المجلة في تقريرِها، إلى تقريرين صدرا مؤخّراً عن منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، حيث أكّدا أنَّ من يعودُ من اللاجئين يصبحُ عرضةً للاعتقال التعسّفي والتعذيب والاغتصاب والإخفاء القسري والقتل بلا محاكمةٍ.
المجلةُ أشارتْ إلى أنَّ بعض الدول الأوروبية بدأت التفكيرَ في إعادة اللاجئين السوريين بعد أنْ أصبحَ نظامُ الأسد يسيطر على نحو 70% من الأراضي السورية، ومع انحسارِ القتال في البلاد، وتقول الباحثةُ “سارة كيالي”، “إنَّهم يريدون أنْ يقلبوا الصفحةَ وأن يتظاهروا بأنَّ ما جرى في العقد الماضي لم يحدثْ”.
حيث جرّدتْ الدنمارك اللاجئين الذين تعود أصولهم إلى دمشق أو ريفها من وضعِ “الإقامة المؤقّتة”، حتى بعد توثيق العشرات من الحالات التي سُجّلتْ فيها انتهاكات لحقوق الإنسان بالقرب من العاصمة دمشق.
إلا أنَّ أحداً لم يسرْ على خُطا الدنمارك حتى الآن، تقول “كيالي” للمجلة، ولكنَّ “بعض الدول تنظر إلى النموذج الدنماركي وتتساءل إنْ كان بوسعها أنْ تفعلَ مثلها”.
ونقلت المجلة عن “بسام بربندي” وهو دبلوماسي سوري سابقٌ توقعاتِه بأنَّ المجتمع الدولي لن يغيّرَ موقفه تجاه اللاجئين في الوقت الحالي، لكنَّه يتوقّع أنْ تصبحَ قضية إعادة اللاجئين مركزية بالنسبة لأيّ اتفاقية دولية يتمُّ توقيعها مستقبلاً لإنهاءِ الحرب السورية.
قائلاً، “لم يحن الوقت بعد” بالنسبة لغالبية الدول حتى تحاول أنْ تعيدَ اللاجئين إلى سوريا، “ولكنَّ اللاجئين السوريين سيصبحون الثمنَ الذي يجب أنْ يُدفعَ لتسوية الأزمة السورية”.
ووفقاً لـ”بربندي” فإنَّ العلاقة الوثيقةَ التي تربط بين نظام الأسد وإيران تعقّدُ أمورَ عودة اللاجئين، إذ في حال عودة اللاجئين وغالبيتُهم من السنة إلى بلدهم، عندئذ ستعقّد الديمغرافية السورية الأمورَ أمام الطموحات الإقليمية لإيران التي ترتكزُ على القوة الشيعية.
موضّحاً أنَّ إيران “ترغب في أنْ يكونَ لديها نفوذٌ كبيرٌ في مستقبل سوريا، إلا أنَّ وجودَ غالبية سنيّة عربية في سوريا يجعل ذلك ضرباً من المستحيل، ولهذا لا تتطرّقٌ إيران لمشكلة اللاجئين على الإطلاق”.
ويرى “بربندي” أنَّ الدولَ العربية ترحّب بعودة نظام الأسد إلى حظيرتِها لتقفَ في وجه النفوذ الإيراني، رغم أنَّ لكلّ دولة من تلك الدول مصالحَ مختلفة، إذ تسعى الإمارات لتحقيق نفوذ دبلوماسي كونها توجّهتْ لإيران أيضاً، في حين تسعى الأردن لتحقيق مكاسبَ اقتصادية.
وأشار الدبلوماسي السابق إلى البعض يعتقد بأنَّ حلفاء الولايات المتحدة لا يمكن أنْ يتصرّفوا من تلقاء أنفسهم دون موافقةٍ ضمنيّةٍ من قِبل واشنطن، مضيفاً “عندما حملتْ الإماراتُ والأردنُ أسبابَها الخاصة للأميركيين، لم يعدْ لدى الولايات المتحدة أيُّ مبرّرٍ للرفض، فالأميركيون لا يريدون لنظام الأسد أنْ ينهارَ، وذلك درسٌ من الدروس التي تعلّموها من العراق”.
قد يبقى الأسد في السلطة، لكنّه سيحكم بلداً مدمّراً، كما زاد وضعٌ الاقتصاد السوري سوءاً بعد تعرّضه للدمار بسبب الفساد والحرب التي امتدت لعقدٍ من الزمان، وذلك مع تفشّي الجائحة وفرضِ عقوبات جديدة على البلاد، وظهور أزمة موازيةٍ في الجارة لبنان (بما أنَّ معظم أموال الأغنياء السوريين أصبحت محتجزةً في المصارف اللبنانية)، ناهيك عن هبوط الليرة السورية بطريقة السقوطِ الحرِّ، وتعرّض أكثرَ من 12 مليون سوري من أصل 18 مليون ظلّوا في البلد، للجوع. كما ارتفعت أسعارُ السلع الأساسية بنسبةِ 236% ووصلت أسعارٌ النفط إلى 500% خلال عام 2020.
وبالرغم من أنَّ نظامَ الأسد قد لا يتمنّى عودةَ اللاجئين المعارضين لحكمه، لكنَّه يرغب في المساعدات التي تأتي بالدولار والاستثماراتِ التي ترافقها بحسب ما ذكره “بربندي” و”كيالي” للمجلة.
وتقول “كيالي”، “تبنّى نظامُ الأسد إطاراً قانونياً للسياسة التي فصّلت لاستغلال المساعدات وتجييرها لمصلحتها، وعليه فإنَّ أيَّ مساعدة تدخل البلاد يستفيد منها النظامُ وتدخل في مشاريعه وخططه، وذلك على حساب الشعب المحتاجِ على الأرض وعلى حساب التزاماتِ حقوق الإنسان في البلاد “.
تقرير المجلة أشار إلى أنَّ الديناميات الجيوسياسية الأوسع أصبحت خارجَ سيطرة اللاجئين الذين يكافحون ليعيشوا يوماً بيوم، إلا أنَّهم من يدفع ثمنَ تلك التغييرات التي تحدث على الأرض. إذ بعدما أصبح بعضُهم يعاني بين مطرقة الأوضاع المتردّية وسندان زيادة تردّي الأوضاع بشكلٍ أكبرَ، قرّر هؤلاء المخاطرةَ بالعودة إلى مناطق سيطرة نظام الأسد، إلا أنَّ عودةَ أكثرَ من نصفهم إلى لبنان خيرُ دليل على ما شهدوه من تجارب مروّعة.
في تحقيق استقصائي شملَ السوريين أجرته الأمم المتحدة تبيّن بأنَّ 70% منهم عبّروا عن رغبتهم بالعودة إلى بلدهم في يوم من الأيام، إلا أنَّ 9 من بين كلّ عشرة أشخاص شملهم البحثُ ذكروا بأنّهم لا يخطّطون للعودة خلال السنة المقبلة، حتى ولو لم يكن بمقدورهم تأمينُ المتطلبات الأساسية في الدول المضيفة.
وبصرف النظرِ عن مدى سوء الظروف التي يعيشونها، فقد ذكرَ معظمُ اللاجئين بأنَّ الظروف في بلدهم هي التي ستحدّد رأيَهم بالنسبة لفكرة العودة.
وتؤكّد “سارة كيالي” أنَّه “بدون إصلاحات جدّية يقوم بها نظام الأسد وأجهزته من غير المرجّح تهيئةُ الظروف لعودة اللاجئين بشكلٍ آمنٍ وبصورة طوعيّة”.