سوريونَ تعرّضوا للخداعِ ليجدوا أنفسَهم مع ميليشياتِ حفتر
وسطَ تصاعدِ المعارك في ليبيا بين قوات حكومة الوفاق المعترف بها دولياً وميليشيات شرق ليبيا التي يقودها اللواء المتقاعد “خليفة حفتر”، خرجت إلى العلن قضيةُ مقاتلين سوريين تعرّضوا للخداع من قِبل ضباط وقيادات عسكرية في قوات الأسد، ليجدوا أنفسهم في جبهات القتال إلى جانب ميليشيات حفتر، قبل أنْ تبرزَ في الأيام الأخيرة مطالبات من أسر سورية في السويداء وريف دمشق، بإعادة أبنائهم الذين تورّطوا في القتال بعد خداعهم.
مصادر خاصة لـ”العربي الجديد” كشفت عن أنّ ميليشيات حفتر تواجه أزمة شديدة بسبب هذا الملفّ، وأوضحت أنّ هناك محاولات للسيطرة على الأمر قبل وصوله إلى وسائل الإعلام الدولية، مشيرةً إلى أنّ أُسر نحو 250 من الشباب السوريين من مناطق السويداء والقنيطرة وريف دمشق، بدأت بالضغط على عددٍ من الأشخاص، الذين كانوا بمثابة سماسرة، لإعادة أبنائها من ليبيا حيث يقاتلون إلى جانب حفتر، بعد تعرّضهم للخداع.
وعن كيفية وصول هؤلاء الشبان السوريين إلى ليبيا، كشفت المصادر أنّه تمّ جمعُهم في إحدى القواعد العسكرية في منطقة الفرقلس بحمص وسط سوريا، وإخبارهم بأنّ مهمتهم ستكون العملَ ضمن شركة أمنية تشرف عليها مجموعة “فاغنر” الروسية بهدف تأمين آبار النفط مقابل ألف دولار شهرياً للفرد. وبعد وصول هؤلاء الشبان إلى ليبيا، فوجئوا بنقلهم إلى إحدى القواعد العسكرية التي تشرف عليها الإمارات في منطقة المرج شرق ليبيا، وهناك تمّ إبلاغُهم بأنهم سيخضعون لتدريب عسكري متطور ليكونوا جاهزين للمشاركة في عمليات ومعارك عسكرية إلى جانب ميليشيات حفتر.
وأشارت المصادر إلى أنّ هؤلاء الشبان كانوا مغلوبين على أمرهم بعدما تقطعت بهم السبل، قبل أن يتمكّن بعضهم من التواصل مع ذويهم وإبلاغهم بما حدث، مطالبين إياهم بضرورة القيام بأيِّ محاولات لإعادتهم إلى بلادهم.
وذكرت المصادر أنّ عدداً من الشبان الذين اعترضوا ورفضوا المشاركة بعد تعرّضهم للخداع، تمّ وضعُهم في أماكن احتجاز تابعة لميليشيات حفتر، وبعضُهم تمّ التنكيل به لإجباره على المشاركة في القتال، وإلا يتمّ تصويرهم باعتبارهم أسرى تابعين لقوات حكومة الوفاق كمقاتلين مرتزقة يحاربون معها.
وأوضحت المصادر أنّ أهالي عددٍ من الشبان توجّهوا إلى أحد العملاء الذين يعملون مع مخابرات نظام الأسد ويدعى “أبو جعفر ممتنة”، والذي كان قد أشرف على تنسيق انضمام أبنائهم إلى تلك العمليات مقابل نسبة مالية، لمطالبته بإعادتهم.
وأضافت أنّ الأمر تكرّر مع مجموعة أخرى من الأهالي، ولكن هذه المرّة مع قيادات وأعضاء في حزب “الشباب الوطني السوري” المحسوب على نظام الأسد، الذي أشرف أيضاً على عمليات تجنيد للشبان السوريين في عدد من المحافظات السورية الخاضعة لنظام الأسد منذ نهاية العام الماضي، بعدَ تضليلهم كذلك.
وفي السياق، روى الشاب السوري محمد الزمل “29 عاماً” من القنيطرة، تجربته لـ”العربي الجديد”، كاشفاً أنّه سمع بقصة السفر إلى ليبيا نهاية آذار عبْرَ صديقه المتطوّع في ميليشيات “الدفاع الوطني”، وكان الحديث عن سفر للعمل في مجال آبار النفط والمؤسسات المدنية بإشراف الاحتلال الروسي, بعدها بدأ أبو جعفر ممتنة حملةَ التجنيد في القنيطرة وريفها، عبْرَ رجال “المصالحات” ومخاتير القرى، الذين قاموا بإعداد قوائم بأسماء الراغبين في الذهاب إلى ليبيا للتطوع بصفة “مدنية”. وبعدها بأيام، بدأ أبو جعفر الاتصال بالشبان الذين أبدوا رغبتهم في الذهاب إلى ليبيا، واجتمع بهم برفقة ضابط روسي في القنيطرة، وحدّثهم عن هدف الذهاب إلى ليبيا وأنّهم سيكونون بحماية قوات الاحتلال الروسي هناك.
وأضاف الزمل أنّه خلال الجلسة مع الضابط الروسي وُقّعت العقود، وذُكر في كلّ عقد اسم المتطوع والشخص المسؤول عنه وهدف الذهاب إلى ليبيا وهو “حماية المنشآت الأمنية وحراسة حقول النفط بصفة مدنية”، مشيراً إلى أنّ أبا جعفر احتفظ بأغلب العقود التي جرى توقيعها مع الاحتلال الروسي بحجّة حماية حقوق المتطوعين مستقبلاً.
وبعد توقيع العقود بأيام، طُلب من المتطوعين التجمّع في القنيطرة لنقلهم إلى منطقة الفرقلس في حمص، لتجهيزهم للذهاب إلى ليبيا. وأضاف الزمل، أنّه وأفراد المجموعة التي جرى نقلها من القنيطرة باتجاه حمص، لتجهيزها للمغادرة باتجاه ليبيا، جميعهم عادوا إلى قراهم بعد أنْ تبيّن لهم أن الغاية من نقلهم إلى ليبيا ليست حماية المنشآت الأمنية وحقول النفط، كما جاء في العقود التي وقّعوها مع الاحتلال الروسي، وإنّما الهدف الزجّ بهم في جبهات القتال إلى جانب ميليشيات حفتر.
وأشار الزمل إلى أنّه وبقية الشبان الذين كانوا على متن الحافلات والذين قرّروا عدم الذهاب إلى ليبيا، تعرّضوا للمضايقات الكلامية في طريق عودتهم من قِبل ضباط قوات الأسد والضابط الروسي المرافق لهم، كما تعرّضوا للتهديد باعتقالهم في حال لم يعدلوا عن قرارهم. وأوضح أنّ الموقف الشعبي في القنيطرة وقراها هو ضدّ عمليات التجنيد هذه، وأنّهم تعرّضوا للمضايقات من أقاربهم لاختيارهم الذهاب إلى ليبيا.