هيئاتٌ حقوقيّةٌ تكشفُ تفاصيلَ عملياتِ الابتزازِ لأهالي المعتقلينَ في سجونِ نظامِ الأسدِ
أنعش مرسومُ “العفو” الأخير الذي أصدره رأس نظام الأسد أواخر كانون الأول 2022، عملَ شبكات السماسرة التي تستغلٌّ أهالي المعتقلين ماليّاً من خلال الإيهام بقدرتهم على الإفراج عنهم أو الكشفِ عن مصيرهم.
“رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” حذّرت الأهالي من الوقوع بيدِ شبكة “احتيال” جديدة، تنشط في مناطق سيطرة نظام الأسد، يدّعي أعضاؤها بأنَّهم محامون ومحاميات متواجدون في المحافظات السورية، مبيّنةً أنَّ الشبكة تتواصل مع أهالي المعتقلين وتزوّدهم بمعلوماتٍ عن أبنائهم ويعرضون المساعدةَ لإخلاء سبيلهم.
وتابعت الرابطة أنَّه بعد المضي بإجراءات الوكالة، تقوم العصابة بتزويد العائلة بمستندات رسميةٍ صحيحةٍ من حيث الشكل، لكنَّها مزوّرة في المضمون، مرجّحةً أنْ يكونَ من بين أعضاء الشبكة رجالُ أمنٍ وموظفون حكوميون.
ونشرت الرابطة بعض الوثائق المزوّرة بطريقة احترافية، حيث يظهر عليها التواقيعُ والأختام الرسمية، ما يثبت من وجهة نظرِ الرابطة تورّطَ جهات حكومية تابعةٍ لنظام الأسد.
ولفت منسّقُ ومؤسس “رابطة معتقلي سجن صيدنايا” ديابُ سريّة في حديث لموقع “المدن” إلى أنَّ مرسوم “العفو” الأخير، زاد من عملِ هذه الشبكات والعصابات، حيث يدّعي أعضاء الشبكة أنَّ أحدَ المعتقلين المُفرج عنهم حديثاً يمتلك معلوماتٍ جديدة بخصوص المعتقلين، كذلك يدّعي أعضاءُ الشبكة أنَّهم يستطيعون ضمَّ أسماء المعتقلين الى قوائم “العفو”، في حال دفعت عائلةُ المعتقل أو المفقود المبلغ المحدّد، مبيّناً أنَّه “عند دفع العائلة للمبلغ، تُغلق جهة التواصل، ويبقى الأهالي في حسرة”.
ووفقاً لـ”سرية” فإنَّ انتشار هذه الشبكات لا يعدُّ أمراً جديداً، إلا أنَّ الشبكة الجديدة طوّرت أساليبَ الاحتيال، حيث تزوّدُ عائلةَ المعتقل بوثائق وأوراق قانونية مختومة (مصدرُها مؤسسات النظام)، صحيحة في الشكل ومزورة في المضمون، تفيدُ بمكان الاعتقال وبيان الحالة، ما يؤكّد تورّطَ عددٍ كبيرٍ من الموظفين الحكوميين.
وأشار سرية إلى أنَّ “هناك حالة من الفساد المستشري في كلِّ دوائر ومؤسسات نظام الأسد، وزاد من حدّتها تدهورُ الوضع المعيشي وانعدامُ القدرة الشرائية.
بدوره، قال عضو “هيئة القانونين السوريين” المحامي عبد الناصر حوشان، إنَّ مهزلةَ مراسيم “العفو” التي يصدرها رأس نظام الأسد من وقت لآخر، “تكون بصيغة عموميّةٍ أي من دون أنْ تُفصّلَ الجرائم المشمولةَ بها، ما يفتح باب الاستغلال من قِبل بعضِ المحامين والشبكات والموظفين لابتزاز أهالي المعتقلين”.
ويوضّح حوشان أنَّ حاجة الأهالي لمعرفة أيِّ معلومة عن المعتقل، “تدفعهم إلى التعامل مع هذه الشبكات لأكثرَ من مرّةٍ”، وأضاف، “أعرف أكثرَ من عائلة دفعت الكثير للمحتالين، وهي لا زالت على استعداد للدفع.. لا تستطيع أنْ تلومَ عائلة تريد أنْ تعرفَ مصيرَ فردِها المعتقل”.
وتستهدف الشبكات في الدرجة الأولى أهالي المعتقلين في دول اللجوء، كما يؤكّد حوشان، نظراً لصعوبة وصولِ العائلة إلى المحاكم التابعةِ للنظام لمعرفة مصير المعتقلين، وكذلك بسبب الوضعِ المادي الجيد نسبياً لغالبية السوريين في بلدان اللجوء، مقارنةً بأقرانِهم في الداخل.
وأكّد حوشان أنَّ “عشرات العائلات دفعت كلَّ ما تملك للشبكات، ولم تخرج بمعلومة عن مصير ابنها المعتقل، ومن بين الحالات امرأةٌ باعت منزلها ودفعت ثمنَه للسماسرة، حتى تعرفَ مصيرَ ابنها، ولم تعرف حتى مكان قبره بعد أنْ ادعوا وفاته”.
وسبق أنْ أكّدت “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” أنَّ نظامَ الأسد استحوذَ على ما يقارب 900 مليون دولار أميركي منذ عام 2011 وحتى نهاية عام 2020، من خلال عمليات الابتزاز المالي التي تعرّضت لها عائلاتُ المخفيين قسراً والمعتقلين في سجونه.
وتفيد أرقامٌ نشرتها “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” بأن أعداد المعتقلين السوريين يتجاوز الـ154 ألفَ شخصٍ منذ عام 2011، بينهم نحو 112 ألفَ حالةِ اختفاءٍ قسري.