الشبكةُ السوريةُ تصدرُ تقريرَها السنويَّ السادسَ لانتهاكاتِ القواتِ الروسيّةِ منذُ بدءِ تدخّلِها العسكري في سوريا

مع اتمام الاحتلال الروسي عامَه السادس في دخولِه العسكري المباشر إلى سورية إلى جانب نظام الأسد ضدَّ الشعب السوري، أصدرتْ “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، تقريرَها السنوي السادس عن انتهاكات القوات الروسية منذ بدءِ تدخلها العسكري في سوريا في 30 أيلول 2015، وقالت فيه إنَّ بعضاً من تلك الانتهاكات ترقى إلى جرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم حربٍ، مشيرة إلى أنَّ التدخل العسكري الروسي غير شرعي وتسبَّب في مقتل 6910 مدنياً بينهم 2030 طفلاً و1231 حادثةَ اعتداء على مراكز حيوية.

و قال التقرير بعدم مشروعية التدخّل العسكري الروسي في النزاع المسلّح الداخلي في سوريا، وأشار إلى أنَّها تبني شرعية تدخّلها على سببين اثنين، أولاً أنَّ تدخّلها كان بناءً على دعوة من النظام السوري، وأنَّه نظام شرعي ويتحدَّث باسم الدولة، ثم أضافت إلى ذلك، أنَّها تستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 2249 -الصادر بعد شهرين من تدخّلها العسكري-، الذي دعا “الدول الأعضاء التي لديها القدرة المطلوبة لاتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنعِ وقمعِ الأعمال الإرهابية على الأراضي الواقعة تحت سيطرة داعش في سوريا والعراق”.
وعزا التقرير عدمَ المشروعية لعدّة أسباب أساسية، أبرزها أنَّه لا يكفي لصحة التدخل عن طريق الدعوة موافقة الدولة، بل لا بدَّ من أنْ تكونَ السلطة التي قامت بالدعوة شرعية، وإنَّ النظام السوري استولى على السلطة عبرَ انتخابات تحت تهديد قمع وإرهاب الأجهزة الأمنيّة، ولم تحصل انتخابات حرّة ونزيهة، ولم يُكتب دستور بشكل قانوني، كما إنّه متورّط في ارتكاب جرائم ضدَّ الإنسانية بحقِّ الشعب السوري.
كما أنَّ التدخّل العسكري الروسي قد انتهك التزامات روسيا أمام القانون الدولي، فهي عبرَ تدخّلها إلى جانب نظام متورّطة في ارتكاب جرائم ضدَّ الإنسانية، تنتهك العديد من قواعد القانون الدولي الآمرة، بل ويجعل منها شريكة في الانتهاكات التي يمارسها النظام السوري، وأنَّ القوات الروسية نفسها تورطت في ارتكاب آلاف الانتهاكات الفظيعة في سوريا، التي يُشكّل بعضُها جرائم ضدَّ الإنسانية، ويُشكل بعضها جرائم حربٍ.

وأشار التقرير -الذي جاء في 45 صفحة- إلى أنَّ دعمَ روسيا للنظام السوري قد بدأ منذ الأيام الأولى للحراك الشعبي في آذار/ 2011 ضدَّ النظام السوري، عبرَ إمداده بالخبرات والاستشارات والأسلحة، وعبرَ استخدام الفيتو مراراً وتكراراً في مجلس الأمن – 16 فيتو روسي لصالح النظام السوري-، وعبرَ التصويت الدائم في مجلس حقوق الإنسان ضدَّ القرارات التي تدين عنفَ ووحشيةَ النظام السوري، بل وحشد الدول الحليفة لروسيا للتصويت لصالح النظام السوري.
ثم امتدَّ هذا الدعم ليشملَ مختلف المجالات، بما في ذلك تبرير استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية، والتشكيك في تقارير منظّمة حظر الأسلحة الكيميائية، واستغلال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود، وتسخير وسائل الإعلام في البروباغندا لصالح النظام السوري، وتحسين صورة انتهاكاتها.

يقول فضلُ عبد الغني مديرُ الشبكة السورية لحقوق الإنسان: “لقد أخطأت روسيا بوقوفها إلى جانب نظام فئوي استبدادي قمعي، وتورّطت في دعمِه وفي الدفاع عنه، بل وارتكبت قواتها انتهاكات تصلُ إلى جرائم ضدَّ الإنسانية، يجب على روسيا مراجعة تدخّلها العسكري اللاشرعي في سوريا، وفتحُ تحقيقات في الانتهاكات التي قامت بها، وتعويض الضحايا، ولن يكون هناك أيُّ استقرار في سوريا وعودة للاجئين مع بقاء النظام السوري الحالي، لذا يجب التوقّفُ عن دعمه، والضغط عليه للوصول إلى انتقال سياسي حقيقي”.
استعرض التقرير تحديثاً لحصيلة أبرز انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها القوات الروسيّة منذ تدخّلها العسكري في سوريا في 30/ أيلول/ 2015 حتى 30/ أيلول/ 2021، واعتمد التقرير في إسناد مسؤولية هجمات بعينها إلى القوات الروسية على تقاطع عددٍ كبير من المعلومات وتصريحات لمسؤولين روس، إضافة إلى عددٍ كبيرٍ من الروايات، لا سيما الروايات التي يعود معظُمها إلى عمّال الإشارة المركزية.
لفتَ التقرير إلى أنَّ النظام الروسي أعلن مرّات عدّة أنَّ سوريا ساحةٌ لاختبار الأسلحة الروسية، ورصدَ في العام السادس من التدخّل استمرار القوات الروسية في استقدام أسلحة جديدة، واستعرض بشيء من التفصيل قذيفة الكراسنوبول الروسية كنموذج من الأسلحة الجديدة التي رصدَ استخدامَها بشكلٍ مكثَّف وواسعٍ في غضون العام الأخير، وفي الحملة العسكرية الأخيرة على منطقة جبل الزاوية وجوارها على وجه الخصوص.

و أوردَ التقرير تحليلاً لحصيلة أبرز الانتهاكات التي ارتكبتها القواتُ الروسية منذ تدخّلها العسكري في سوريا في 30/ أيلول/ 2015 حتى 30/ أيلول/ 2021، بالاستناد إلى قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وفي هذا السياق سجّل التقرير مقتلَ 6910 مدنيين بينهم 2030 طفلاً و974 سيدةً (أنثى بالغة)، وما لا يقلُ عن 357 مجزرةً، وأظهر تحليل البيانات أن العام الأول للتدخّل الروسي قد شهد الحصيلة الأعلى من الضحايا (قرابة 52 % من الحصيلة الإجمالية)، تلاه العامُ الثاني (قرابة 23 %). فيما شهدت محافظة حلب الحصيلة الأعلى من الضحايا (قرابة 42 %)، تلتها إدلب (38 %).
كما وثّق التقرير قتلَ القوات الروسية 70 من الكوادر الطبيّة، بينهم 12 سيدةً، إضافةً إلى مقتل 44 من كوادر الدفاع المدني. وسجّل مقتل 24 من الكوادر الإعلامية جميعُهم قتلوا في محافظتي حلب وإدلب.
وطبقاً للتقرير فقد ارتكبت القوات الروسية منذ تدخّلها العسكري حتى 30 أيلول 2021 ما لا يقلُّ عن 1231 حادثةَ اعتداءٍ على مراكز حيوية مدنيَّة، بينها 222 مدرسةً، و207 منشآت طبيّة، و60 سوقاً، وبحسب الرسوم البيانية التي أوردها التقرير فقد شهد العام الأول للتدخّل الروسي 452 حادثةَ اعتداء على مراكز حيوية مدنيّة. كما شهدت محافظة إدلب الحصيلة الأعلى من حوادث الاعتداء بـ 616 حادثةً، أي ما نسبته 51 % من الحصيلة الإجمالية لحوادث الاعتداء.
كما سجّل التقرير ما لا يقلّ عن 237 هجوماً بذخائر عنقودية، إضافةً إلى ما لا يقلُّ عن 125 هجوماً بأسلحة حارقة، شنَّتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا في 30/ أيلول/ 2015.
وجاء في التقرير أنَّ حجم العنف المتصاعد، الذي مارسته القوات الروسية كان له الأثرُ الأكبر في حركة النُّزوح والتَّشريد القسري، وساهمت هجماتها بالتوازي مع الهجمات التي شنَّها الحلف السوري الإيراني في تشريد قرابة 4.7 مليون نسمة، معظمُ هؤلاء المدنيين تعرّضوا للنزوح غيرَ مرّة.
طبقاً للتقرير فإنَّ التدخّل العسكري الروسي لصالح النظام السوري وقتلَ وتشريدَ مئات آلاف السوريين ساعد النظام السوري على استعادة قرابة 65 % من الأراضي التي كانت قد خرجت عن سيطرته قبل َعام 2015، وعرضَ التقرير خرائط توضّح واقع تغيّر سيطرة النظام السوري في ضوء سنوات التدخّل العسكري الروسي.
وأوضحَ التقرير أنَّ العام السادس للتدخل شهد تراجعاً ملحوظاً في حدّة العمليات العسكرية، الأمر الذي انعكسَ على حصيلة الانتهاكات المرتكبة، ولفتَ إلى أنَّ روسيا قد كثَّفت جهودها في العام السادس لتدخلها العسكري على الترويج لقضية عودة اللاجئين، من أجل البدء بعمليات إعادة الإعمار، ولكنَّ التقرير أكّد على أنَّ النظام السوري لا يرغب فعلياً بعودة اللاجئين أو النازحين فهو يعتبرهم معارضين له، بل يحاول الإبقاء عليهم خارج مناطق سيطرته سواء عبرَ الاعتقالات المستمرّة للعائدين أو تجنيدهم قسرياً في صفوف قواته أو مصادرة ممتلكات الغائبين، كما أنَّ شروط العودة الآمنة الطوعية التي وضعتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لم تتحقّق بعد، كما شدَّد على أنها لن تتحقق طالما أنَّ نظام بشار الأسد والأجهزة الأمنيّة المتورط في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ما زال يحكم مناطق واسعة من سوريا.
استنتج التقرير أنَّ النظام الروسي تورّط في دعمِ النظام السوري الذي ارتكب جرائم ضدَّ الإنسانية بحقّ الشعب السوري، عبرَ تزويده بالسلاح والخبرات العسكرية، وعبرَ التدخّل العسكري المباشر إلى جانبه، أوضح التقرير أنَّ روسيا استخدمت الفيتو مرّات عديدة على الرغم من أنَّها طرف في النزاع السوري، وهذا مخالف لميثاق الأمم المتحدة، كما أنَّ هذه الاستخدامات قد وظَّفها النظامُ للإفلات من العقاب. كما أكَّد أنَّ السلطات الروسية لم تَقم بأيّة تحقيقات جدّية عن أيٍ من الهجمات الواردة فيه أو في تقارير سابقة، وحمّل التقرير القيادة الروسية سواءً العسكرية منها أو السياسية المسؤولية عن هذه الهجمات استناداً إلى مبدأ مسؤولية القيادة في القانون الدولي الإنساني.
طالب التقرير مجلس الأمن الدولي بإحالة الملفّ السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورّطين، وأوصى المجتمع الدولي بزيادة جرعات الدعم المقدَّمة على الصَّعيد الإغاثي. والسَّعي إلى ممارسة الولاية القضائية العالمية بشأن هذه الجرائم أمام المحاكم الوطنية، في محاكمات عادلة لجميع الأشخاص المتورّطين. ودعم ِعملية الانتقال السياسي والضغط لإلزام الأطراف بتطبيق الانتقال السياسي ضمن مدّة زمنية لا تتجاوز ستةَ أشهر.
كما أوصى بتشكيل تحالف دولي حضاري خارج نطاق مجلس الأمن يهدف إلى حماية المدنيين في سوريا من الهجمات الروسية وهجمات النظام السوري. وتوسيع العقوبات السياسية والاقتصادية ضدَّ النظام الروسي بسبب ارتكابه جرائمَ حربٍ في سوريا، واستمراره في خرقِ العقوبات المفروضة على النظام السوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى