تحقيقٌ صحفيٌّ يكشفُ كيفَ ساعدَ نظامُ الأسدِ
والبنان روسيا بسرقةِ القمحِ الأوكراني
كشفت وكالة “أسوشيتيد برس” وسلسلة “فرونت لاين” عن تفاصيل عمليةِ سرقة القمح والحبوب اﻷوكرانية، ودورِ لبنان ونظام اﻷسد فيها، وهو ما تنكرُه موسكو حتى اﻵن.
وقالت الوكالة إنَّ دبلوماسيين أوكرانيين قالوا عندما رست سفينة الشحن Laodicea في لبنان الصيف الماضي، إنَّها كانت تحمل حبوبًا سرقتها روسيا وحثّوا المسؤولين اللبنانيين على حجزها، فيما وصفت موسكو الادعاء بأنَّه “كاذبٌ ولا أساسَ له” ، و”انحاز المدعي العام اللبناني إلى جانب الكرملين وأعلن أنَّ 10 آلاف طنٍ من دقيق الشعير والقمح لم تُسرق وسمح بتفريغ السفينة”.
ولكنّ “تحقيقًا أجرته الوكالة مع “فرونت لاين” على قناة PBS” وجد أنَّ السفينة المملوكة للنظام، هي جزءٌ من “عملية تهريب متطوّرة تديرها روسيا استخدمت فيها بياناتٍ مزيّفة وحيلةً بحرية لسرقة حبوب أوكرانية بقيمة لا تقلُّ عن 530 مليون دولار”، منوهةً بأنَّ هذه السيولة النقدية ساعدت في تغذية آلةِ الحرب.
وقالت “أسوشيتدس برس” إنّها استخدمت صور الأقمار الصناعية وبياناتِ جهاز الإرسال اللاسلكي البحري لتتبع ثلاثين سفينة تقوم بأكثرَ من 50 رحلةً تحمل الحبوب من المناطق التي تحتلها روسيا في أوكرانيا إلى موانئ في تركيا وسوريا ولبنان ودول أخرى.
وقد “راجع المراسلون بيانات الشحن، وفتّشوا منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، وأجروا مقابلات مع مزارعين وسائقي سيارات شحنٍ ومسؤولين في الشركات للكشف عن تفاصيل عملية التهريب الضخمة”.
وهذه القصة هي “جزء من تحقيق AP / FRONTLINE الذي يمهّد للفيلم الوثائقي القادم “هجوم بوتين على أوكرانيا: توثيقُ جرائم الحرب”، والذي يُعرض لأوّل مرّة خلال الشهر الجاري على PBS. ويقول خبراءُ قانونيون إنَّ السرقة المستمرّة هي جريمة حربٍ محتملة، يقوم بها رجالُ أعمال أثرياءَ وشركات مملوكة للدولة في روسيا وسوريا، وبعضهم يواجه بالفعل عقوباتٍ مالية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
في غضون ذلك، هاجم الجيش الروسي المزارعَ وصوامع الحبوب ومنشآت الشحن التي لا تزال تحت السيطرة الأوكرانية بقصفٍ مدفعي وجوي، مما أدّى إلى تدمير الطعام ورفعِ الأسعار وخفضِ تدفّق الحبوب من بلد يعرف منذ فترة طويلة باسم سلّةِ الخبز في أوروبا.
وتظهر صورة من مقطع فيديو تمَّ رفعُه يوم الجمعة في 29 تموز من عام 2022، سفينةَ الشحن Laodicea راسيةً في ميناء بحري في “طرابلس” بلبنان، وقد رفضَ المسؤولون اللبنانيون الاحتجاجات من أوكرانيا على أنَّ السفينة كانت تحمل 10 آلافِ طنٍّ متري من الحبوب سرقتها روسيا، ومع ذلك، تُظهر صورُ الأقمار الصناعية التي راجعتها الوكالة أنَّ السفينة قد تمَّ تحميلها قبل أسبوعين في شبه جزيرة “القرم”.
كما تُظهر صورةُ القمر الصناعي Planet Labs بعضَ الشاحنات المتجهة إلى شبه جزيرة القرم محمّلةً احتياطيًا لأكثرَ من ميل (أكثر من 1.6 كيلومتر) عند نقطة تفتيش حدودية في تشونهار ، أوكرانيا ، في 17 يونيو 2022، حيث أكّد تحقيقٌ أجرته الوكالةُ وجودَ عملية تهريب جارية تشمل نقلَ الحبوب من المناطق المحتلة في أوكرانيا بالقطار والشاحنات إلى موانئ “القرم”، حيث يتمُّ شحنُها إلى المشترين في الشرق الأوسط. يُذكر أنَّ “لاوديسيا” هي واحدة من ثلاث سفن شحنٍ تديرها شركة “سيريامار” للشحن المحدودة، وهي شركة تابعة لنظام اﻷسد، مشمولةٌ بالعقوبات الأمريكية منذ عام 2015.
ونفى الكرملين سرقة أيّ حبوبٍ، لكنَّ وكالة الأنباء الروسية الحكومية “تاس” ذكرت في 16 يونيو أنَّه تمَّ نقلُ الحبوب الأوكرانية بالشاحنات إلى شبه جزيرة القرم، مما أدّى إلى طوابير طويلة عند نقاط التفتيش الحدودية، وذكرت لاحقًا أنَّ الحبوب من “ميليتوبول” قد وصلت إلى شبه جزيرة القرم وأنَّه من المتوقع وصولِ شحنات إضافية إلى العملاء في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وتُظهر صورةُ القمر الصناعي في 11 تموز سفينة “لاوديسيا” مقيدةً عند رصيف في “فيودوسيا” حيث تمَّ إيقافُ تشغيل جهاز الإرسال والاستقبال اللاسلكي الخاص بالسفينة وفتحُ عنابر حمولتها، وهي ممتلئة بمادة بيضاء من الشاحنات المنتظرة، وبعد أسبوعين، عندما وصلت إلى ميناء “طرابلس” اللبناني، ادّعت أنَّها تحمل الحبوب من ميناء روسي صغير على الجانب الآخر من البحر الأسود.
وزعمت نسخةٌ من بيانات السفينة التي حصلت عليها وكالة “أسوشيتد برس” أنَّ ميناء المنشأ هو “كافكاز” في روسيا، وتمّ إدراجُ حمولتها على أنَّها ما يقرب من 10000 طنٍ متري من “الشعير الروسي والدقيق الروسي في أكياس”، وكان المشتري هو شركة Loyal Agro Co Ltd، ومقرُّها الرئيسي في تركيا. ولم تردّ Agro-Fregat على الأسئلة المرسلة عبر البريد الإلكتروني، ويبدو أنَّه بعد فترة وجيزة من استفسار الوكالة تمّت إزالةُ موقع الشركة من على الويب، وكان رقم الهاتف الذي تمَّ إدراجُه على الموقع خارج الخدمة الأسبوع الماضي.
وقال متحدّثٌ باسم شركة Loyal Agro، إنَّ الشركة تسلّمت 5000 طنٍ من الدقيق وتوجّهت بقيةُ حمولة السفينة إلى “طرطوس” بسوريا، كما قال “محمد جمعة” المتحدّثُ باسم الشركة “توصّلنا لاتفاق مع روسيا .. الطحين جاء من روسيا، لو سُرق الطحين لما سمحت السلطات اللبنانية باستيراده”.
وقال “ديفيد كرين” المدّعي العام المخضرم الذي شارك في العديد من التحقيقات الدولية في جرائم الحرب، إنَّ الروس “عليهم التزامٌ مطلقٌ بضمان رعاية المدنيين وعدم حرمانهم من قدرتهم على كسب الرزق والقدرة على إطعام أنفسهم، إنَّه مجرد نهبٍ محضٍ، وهي أيضًا جريمة قابلةٌ للتنفيذ بموجب القانون العسكري الدولي”.
وتوضّح صورُ القمر الصناعي رسوَّ سفينة الشحن Laodicea في ميناء في فيودوسيا بالقرم ، في 11 تموز 2022، وبعد أسبوعين، عندما وصلت إلى مدينة طرابلس الساحلية اللبنانية ، “ادّعى بيانٌ كاذبٌ أنَّ الشعير ودقيق القمح في عنبرها تمّ تحميلها في ميناء روسي صغير على الجانب الآخر من البحر الأسود”.
ومن المحتمل – وفقاً للتحقيق – أنْ تكونَ الحبوب والدقيق التي تحملها السفينة التي يبلغ طولها 138 مترًا (453 قدمًا) قد بدأت رحلتَها في مدينة “ميليتوبول” بجنوب أوكرانيا، والتي استولت عليها روسيا في الأيام الأولى من الحرب.
ويُظهر مقطعُ فيديو نُشِر على وسائل التواصل الاجتماعي في 9 تموز قطارًا يتّجه نحو “ميليتوبول” حيث توجد منشأة ضخمة لتخزين الحبوب، مع سيارات ذاتِ قادوس أخضر تحمل اسم الشركة الروسية Agro-Fregat LLC بأحرف صفراء كبيرة، إلى جانب شعار مكتوب عليه باللغة الإنجليزية على شكلِ سنبلة قمح.
وعقد مسؤولُ الاحتلال الروسي “أندريه سيغوتا” مؤتمراً صحفياً في مستودع القمح خلال الأسبوع التالي حيث قال إنَّ الحبوب ستوفّر “الأمن الغذائي” للمناطق التي تسيطر عليها روسيا في أوكرانيا، وأنّ إدارته “ستقيمُ الحصاد وتحدّد كم سيكون تخفيض السعر”.
وأثناء حديثه، وقف جندي ملثّم مسلّح ببندقية هجومية حارسًا بينما كانت الشاحنات تفرغ حمولةَ القمح في المنشأة ليتمَّ طحنُها، وقام العمال بتحميل الدقيق في أكياس بيضاء كبيرة مثل تلك التي نقلتها السفينة إلى لبنان بعد ثلاثة أسابيع.
وقد فرضت الحكومة الأمريكية عقوباتٍ على السفينة، إلى جانب أربعة من كبار مسؤولي الاحتلال الروسي، يوم 15 أيلول لإشرافهم على سرقة وتصديرِ الحبوب الأوكرانية.
وقال “إيفان فيدوروف” عمدة “ميليتوبول” لـ”أسوشيتد برس” إنَّ “المحتلين ينقلون كميات هائلة من الحبوب من المنطقة بالقطار والشاحنة إلى موانئ في روسيا وشبه جزيرة القرم الإستراتيجية التي احتلتها روسيا منذ عام 2014، وعلى الرغم من المزاعم الروسية بضمِّ شبه جزيرة القرم، فإنَّ الأمم المتحدة حكمت أنَّ الاستيلاء على الأرض كان غيرَ قانوني أيضًا”. وتُظهر مقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي في الأشهر الأخيرة تدفّقاً مستمرًا لشاحنات نقلِ الحبوب تتحرّك جنوبًا عبر المناطق المحتلة في أوكرانيا مع رسم الحرف “Z” على جوانبها، وهو رمزٌ لحرب روسيا وقواتها العسكرية. وقد تمَّ تسجيل عربات قطار Agro-Fregat وهي تتحرّك عبر ميناء “فيودوسيا” في “القرم”، حيث تُظهر صورُ الأقمار الصناعية شاحنات وقطارات مصطفّة أثناء تحميلِ الحبوب على السفن