تقريرٌ: سوريا رهينةٌ لأسوأ قضايا المساعداتِ الإنسانيّةِ في العالمِ

لم يتوانَ أمين عام الأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” عن التحذير من أنَّ “الوضع اليوم أسوأ من أيِّ وقتٍ مضى منذ بدء الصراع” في سوريا وسط تفاقم الأزمة الاقتصادية وانسدادِ أفق الحلِّ السياسي منذ اندلاع النزاع عام 2011.

ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، فإنَّ نحو 13.4 مليون شخصٍ بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، كما أنَّ 12.4 مليون شخصٍ يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

وفتحَ قرارُ مجلس الأمن الدولي الأخير بشأن التمديد لستة أشهر آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود التساؤلاتِ بشأن توفير المساعدات لباقي المناطق السورية.

ويقول “ألكسندر أنجلوا”، وهو محلّل فرنسي للسياسة الخارجية يركّز على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إنَّ سوريا ستظلُّ واحدة من أسوأ قضايا إيصال المساعدات الإنسانية في العالم في المستقبل المنظور، وذلك لأنَّ السياسة الدولية والإقليمية في هذا الشأن تفوق المصالح والاحتياجات الأساسية للشعب السوري.

ويوضح “أنجلوا” في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأميركية أنَّ مجلس الأمن الدولي تمكّن من تمديد تفويض آلية إيصال المساعدات عبرَ الحدود للملايين من السوريين في 9 تموز، قبل يوم واحد من انتهاء سريانها وكان ذلك بمثابة مفاجأة للعديد من المراقبين نظراً لرفض روسيا المشاركة في المناقشة في الأيام التي سبقت التصويت، بحسب ما نقلت صحيفة العرب

وأنهى التصويت على التجديد سلسلة طويلة من المناقشات التي أجرتها القوى العالمية في مجلس الأمن.

وأشارت روسيا لسنوات إلى ازدرائها لآلية إيصال المساعدات عبرَ الحدود المبيّنة أصلاً في عام 2014 ضمن قرار مجلس الأمن رقم 2165، ثم في القرار رقم 2533 لعام 2020.

ولم يشاركْ الوفد الروسي لدى الأمم المتحدة في المفاوضات التي سبقت الاتفاق، وهي إشارة جعلت العديد من المراقبين يتوقّعون استخدامَ حقِّ النقض (الفيتو)، الذي وعدتْ به موسكو أساساً منذ عام.

وبدلاً من ذلك، وبعد اجتماعات سفراء الدول لدى الأمم المتحدة، صوّتَ مجلس الأمن بالإجماع على تجديد آلية المساعدات عبرَ الحدود عند معبر باب الهوى الحدودي بين سوريا وتركيا في 9 تموز لمدّة ستة أشهر بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2585.

والأهم من ذلك، أنَّ المعبر سيكون مفتوحاً لمدّة ستة أشهر إضافية بعد إصدار الأمين العام “تقريراً موضوعياً” يحدّد “شفافية” العمليات والتقدّم المحرِز في “الوصول عبرَ الخطوط”، مما يعني تطوير آلية لإيصال المساعدات داخل سوريا تعبر خطوط النزاع، من أجل العمليات الإنسانية.

ويقول “أنجلوا” إنَّ اللغة المتعلّقة بالأشهر الستة الأخيرة غامضة، وسلّط طرفا النقاش الضوء على الروايات المتضاربة حول الطول الحقيقي للتمديد.

ومن الناحية الواقعية، يمكن لموسكو أنْ تحاولَ استخدام حقِّ النقض (الفيتو) مرّة أخرى في غضون ستة أشهر، على الرغم من أنَّ ذلك غير مضمون ويمكن أنْ يقعَ خارج لغة القرار، مما يؤدّي إلى نقاش جدّي في المستقبل.

وبغضّ النظر عن ذلك، يضمن التجديد استمرار عملية المساعدات الإنسانية التي تقودها الأمم المتحدة من تركيا، مما يحرم نظام الأسد من تحقيق نصرٍ على الجبهة الإنسانية كان سيسمح له بتحويل المساعدات عبرَ دمشق.

وهو ما ثبت بالفعل أنَّه آلية غيرُ فعّالة وغير واقعية ستضرُّ فقط بوصول المساعدات الإنسانية للملايين من السوريين في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة.

وحتى مع هذا الانتصار المحدود، لم تتمكّن الولايات المتحدة وحلفاؤها من تأمين توسيع قرار مجلس الأمن رقم 2533 إلى شمالِ شرق سوريا عند معبر اليعربية على طول الحدود السورية العراقية.

وكان من شأن ذلك أنْ يوفّر مساعدات أساسية للسوريين والأكراد الذين يعيشون تحت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وميليشيا “قسد”. وعبّرت واشنطن عن تأييدها للتوسّع.

وفي نهاية المطاف، فإنَّ تصويت مجلس الأمن هو فوز لشمال غرب سوريا ولكنَّه خسارة كبيرة أخرى لشمال شرقها، وفقاً للعديد من المنظّمات الإنسانية.

وربّما يدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنَّ زيادة المساعدات لسوريا لا تزال تفيد استقرارَ حليفه الأسد، لاسيما في ضوء الوضع الرهيب لاقتصاد النظام.

ويقترن هذا الفهم على الأرجح بحقيقة أنَّ روسيا تمتلك ورقة مساومة قويّة في مجال وصول المساعدات الإنسانية، وهو أمر يمكنها استخدامه، بل وتستخدمه بالفعل، للحصول على تنازلات بشأن الملفّ السوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى