حريقُ ساروجة… النيرانُ تلتهمُ تراثَ دمشقَ

اندلع حريقٌ ضخمٌ، فجرَ الأحد، في منزلٍ عربي وامتدَّ لعددٍ من المنازل والمحال المجاورة في شارع الثورة بحيّ ساروجة الأثري في العاصمة السورية دمشق، وسطَ شكوكٍ في كونه مدبّراً نظراً لتكرّر الحرائق في هذه المنطقةِ التي ينشط وكلاءُ لإيرانَ في شراءِ بيوتها ومحلّاتها.

وتداولت منصّاتُ التواصل الاجتماعي صوراً تُظهر مدى اتساع الحريقِ الذي نشبَ في منزل دمشقي قديم، قبل أنْ ينتشرَ ليشملَ العديدَ من المنازل والمحال التجارية الأخرى في حي العمارة وسوق ساروجة والشيخ مجاهد.

ويرفض العديدُ من أهالي المنطقة تصديقَ روايةِ نظام الأسد حول أسباب اندلاعِ هذه الحرائق بشكلٍ متكرّرٍ في دمشق القديمة ومحيط الجامع الأموي، التي زادت منذ التدخلِ الإيراني في سوريا، بعدَ اندلاع الثورة السورية عام 2011.

واعتبر الأهالي أنَّ هذه المنطقة هي محلُ أطماعِ إيران، واندلع فيها خلال السنوات الماضية عشراتُ الحرائق التي التهمتْ مئاتِ المنازل القديمة والمحلاتِ التجارية، ولفتوا إلى أنَّه على غرارِ حريقِ حي ساروجة، كانت أغلبُ الحرائق الماضية تتمُّ في ساعات الفجر. 

ويرى الأهالي أنَّ هذا الحريق، وما سبقه من حرائقَ مشابهةٍ، قد يكون من فعلِ وكلاء إيران ممن ينشطون لشراء المنازلِ والمحلات التجاريّة في المنطقة، وفي حال امتنع أصحابُها عن البيع يعمدون إلى افتعال حريقٍ ليضطّروا إلى بيعها بأبخسِ الأسعار بعد أنْ تكونَ تحوّلت إلى رماد.

الخسائرُ الحقيقية للحريق

بدوره، كشف الأكاديمي السوري محمد الحسين، الخسائرَ الحقيقية للحريق، مبيّناً أنَّ ما جرى هو عمليةُ طمسٍ لأنساب العائلات العريقة والوثائق التي تثبتُ ملكيتُها لبعض أحياء المدينة التي استولى عليها نظامُ الأسد دون وجهِ حقٍّ.

وقال الحسين، إنَّ دار الوثائق التاريخية التي حُرقت كانت قصرَ رئيس الوزراء السوري “خالد العظم” قبل أنْ تضعَ حكومةُ النظام يدَها عليه لمصلحة المديرية العامة للآثار والمتاحف وتخصّص جزءاً منه لحفظ الوثائقِ التاريخية والمخطوطات. 

ولفت إلى أنَّ هذا الصرح الذي حُرِق مليءٌ بمئات المجلدات العثمانية التي تتنوّعُ ما بين القطع الكبير والقطع الصغير، إضافةً لوثائق المحاكم العسكرية أيام العثمانيين وعقودِ البيوع والإرث والإيجار ووصفٍ لوثائق تخصُّ كلَّ بلدة من ضمنِها ما يثبت أنَّ الدولةَ العثمانية كانت في قضائها تقوم على المذاهب الأربعة.

كما تحوي تلك الدارُ وثائقَ الأنساب للعائلات الدمشقية العريقة وطريقةَ توثيقها، حيث يُذكر الاسم الرباعي وليس الثلاثي ما سهّل على الباحثين أنْ يُلحقوا العوائل التي في دمشق والتي تَغيّر اسمها في الشجرة التي هم منها، وِفق للأكاديمي، لافتاً إلى أنَّ من سمات هذه الوثائق أنَّها تذكر العوائلَ التي لها نسبٌ قُرشي أو أنصاري أو غير ذلك، كما إنَّها جميعاً مكتوبة بخطِّ اليد ما يُعدُّ ثروة عظيمة لا تقدّر بثمن.

ويضيف الحسين، لا يقتصر هذا على الأنساب فقط بل يشمل الأملاكَ التي سيطرت عليها حكومةُ نظام الأسد وحاولت دفنَها، وأراد النظامُ في هذا الحريق طمسَ معالم الطابو العثماني بسبب إثباتِه ملكيةَ عوائل كبيرة في دمشق، لأماكنَ تمَّ سلبُها والسيطرة عليها وقام بإضاعة حقِّ أهلها فيها، مؤكّداً على سبيل المثال أنَّ هناك عائلة في حي المهاجرين تمتلك ساحةَ الأمويين ومكتبةَ الأسد بالإضافة لمبنى الإذاعة والتلفزيون، كما إنَّ بيتَ غفير يملكون قطاعاً كبيراً من جسر فيكتوريا إلى فندق الفورسيزون من الناحية المطلّة على ضفة بردى. 

كما كشف الحسين ما تضمّنته الوثائقُ عن المعاملة مع الدولة الإيرانيّة، مشيراً إلى أنَّهم كانوا يتعاملون معها كدولة عدوّة، وأوضح أنَّ هناك وثيقةً مكتوباً فيها (يُسمح لرعايا الدولة العثمانية السفرُ إلى كلِّ أنحاءِ المعمورة ما عدا إيران).

وشدّد الأكاديمي السوري على أنَّ المصابَ كبيرٌ، ولكن ما هو أكبرُ منه هو السكوتُ عما يجري من طمسٍ لتاريخ دمشقَ ووثائقِها وأرشيفِها، والعبث بنسيجها الاجتماعي، وذلك لأنَّ من يقومون بذلك ليس لهم لا تاريخٌ ولا دينٌ ولا أصلٌ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى