صحيفةٌ أمريكيّةٌ توثّقُ مقابرَ سريّةً تضمُّ آلافَ الجثثِ قُتلوا في سجونِ الأسدِ

نشرت صحيفةُ “نيويورك تايمز” الأمريكية تحقيقًا تعاونتْ فيه مع “رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا”، حول مواقعِ المقابر الجماعية في سوريا، ودورها بإثبات وتوثيقِ جرائم الحرب المرتكبة من قِبل نظام الأسد.

وبحسب التحقيق المنشورِ اليوم، الأربعاء 16 من آذار، استطاعت الصحيفةُ تحديدَ موقع مقبرتين جماعيتين من المتوقّع أنَّهما تضمّان آلاف الجثث لسوريين قُتلوا في مراكزِ الاحتجاز التي يديرُها رأسُ النظام، بشارُ الأسد.

وبحسب موقع عنب بلدي المحلي نقلاً عن مؤسس “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا”، دياب سرية، فإنَّ التحقيقَ استندَ إلى مقابلاتٍ أُجريت خلال الأشهر الماضية مع أربعةِ رجالٍ سوريين عملوا في مقابر جماعية سريّة، أو في مواقع قريبة منها، وصورٍ من الأقمار الصناعية، للكشفِ عن موقعين يضمّان آلاف الجثثِ، بحسب الرجال الذين عملوا هناك.

وعملت الرابطةُ على الوصول إلى شهادات لأشخاصٍ عملوا داخلَ المقابر الجماعية، أو مصادرَ مطّلعةٍ، كما أسهمت بتحديدِ موقع المقبرتين، وتقديمِ أدلّةٍ ووثائقَ تثبت موقعهما، وفقَ ما قاله سرية.

وأضاف سرية أنَّ الرابطة لديها معلوماتٌ حول خمسِ مقابر جماعية لم يذكر التقريرُ سوى اثنتين منها، لعدم كفاية المعلومات والأدلّةِ حول المقابر الثلاث الأخرى.

وأوضح سرية أنَّ الكشفَ عن المقابر دون توفّرِ الأدلة الكافية، يمكن أنْ يدفعَ نظامُ الأسد لنقل المقابرِ من مواقعها قبلَ توثيقها بشكلٍ كامل.

ويشكّل الكشفُ عن مواقعِ المقابر الجماعية أهميةً كبيرة بالنسبة لأهالي المعتقلين والمفقودين والمجتمعِ الدولي والمنظمات التي لديها رغبةٌ حقيقيّةٌ بمحاسبة النظام، كما يسهم بتسليط الضوءِ على القضية، ومنعِ التلاعب بهذه المواقع، وفقَ ما قاله سرية.

وأكّدت الصحيفةُ استحالةَ عدّ الجثث في المقابر الجماعية والتعرّف عليها، دون نبشِ المقابر الذي يعوقه وجودُ نظام الأسد واستمرار الدعم الروسي له، مشيرةً إلى أنَّ أهميّة الكشفِ عن المقابر الجماعية تكمن بلفتِ الانتباه إلى الجرائم والانتهاكات في سوريا.

وأحضرت “فرقةُ الطوارئ السورية” أحدَ الرجال الذين قابلتهم الصحيفةُ إلى واشنطن هذا الأسبوع للتحدّثِ مع أعضاء الكونجرس وآخرين حول المقابر الجماعية، للفتِ الانتباه إلى تلك “الفظائع”، وفقَ الصحيفة.

عمل الشهودُ الأربعة الذين تحدّثوا إلى الصحيفة، بشرط عدمِ الكشف عن هويتهم، في مقابر جماعية أو بالقرب منها، قربَ دمشق، وشاهدَ كلٌّ منهم أجزاءَ من جهود نظام الأسد للتخلّص من الجثث، ويقيم اثنان منهم في ألمانيا، وواحدٌ في لبنان والآخرُ في سوريا.

وقال أحدُ الشهود الأربعة، إنّه عملِ قبلَ الحرب لمصلحة (محافظة دمشق)، في الإشراف على مدافن المدنيين إلى أنْ جُنّدَ من قِبل ضبّاط المخابرات في منتصف 2011، للتخلّص من الجثث القادمة من مراكز الاحتجاز عبرَ المستشفيات، واستمر عملُه داخل المقبرتين لنحو ستِّ سنوات.

وعمل الشاهدُ ،الثاني في إحدى المقابر في بلدة نجها، جنوبي دمشق، منذ منتصف 2011 حتى مطلع 2013، حيث أشرف في البداية على عددٍ قليل من العمال الذين دفنوا أعدادًا قليلة من الجثث، ولكن مع تصاعدِ حدّة الصراع، ازدادت الأعدادُ لتتحوّل المقبرةُ إلى “ترس في بيروقراطية الموت الهائلة”، وفقَ تعبيره.

نقلت شاحناتُ التبريد الكبيرة المخصّصة لنقل الطعام الجثثَ التي ظهرت عليها كدماتٌ وآفات وأظافر مفقودة، وبعضها كان متحللًا بشكلٍ جزئي، أي مرَّ وقتٌ طويلٌ على الوفاة، من المستشفيات إلى القبور، وفقَ الشاهد.

وقال إنّه لم يدفن الجثثَ بنفسِه، لكنّه أشرفَ على العمال، وتلقى أوراقًا من المستشفيات توضّح عددَ الجثث التي جاءت من مركز الاحتجاز، مضيفًا أنَّه سجّل هذه الأرقام في دفترٍ بمكتبه، لكنّه تركَ تلك الأوراق وراءَه عندما هرب من سوريا في 2017.

وخلال سنوات عملِ الشاهدِ في المقابر الجماعية، قام فريقُه بتفريغ شاحنتين نحو مرّتين أسبوعيًا، تحمل كلٌّ منهما 150 جثّةً إلى 600 جثّة، كما تلقّى الفريقُ عشراتِ الجثثِ أسبوعيًا.


رجلٌ آخرُ قابلته صحيفةُ “نيويورك تايمز”، كان سائقَ جرّافة عمِلَ في مقبرة “نجها” لمدّة سبعةِ أشهرٍ في عام 2012، قال إنَّ ضبّاط المخابرات المُشرفينَ على الدفن أخبروه بحفر حفرٍ مربعة كبيرة.

وبحسب شاهد عمِلَ سائقًا لجرّافة بإحدى المقابر،، أخبرنا أنَّ الحكومة السورية أنشأت مقبرةً جماعية جديدة بالقرب من قاعدةٍ لقوات الأسد في بلدة القطيفةِ بريف دمشق.

كما أكّد وليد هاشم، وهو جنديٌّ سابقٌ خدمَ في القطيفة قبلَ انشقاقه نهاية عام 2012، وجودَ مقبرةٍ في القطيفة، مشيرًا إلى أنَّ المنطقة كانت تحت حراسةٍ مشدّدة، لكن كلُّ من عمٍلَ في المنطقة لديه اطّلاعٌ على موقع المقبرة.

وخلال السنوات الماضية، أُعلِن عن اكتشافِ عشرات المقابر الجماعية في أماكنَ متفرّقةٍ من مناطق سيطرة نظام الأسد وفصائل المعارضة وتنظيم “داعش”، لكنّ التحرّكات لمعرفة المسؤولين عن المقابرِ الجماعية تعتمد بالدرجة الأولى على إمكانيةِ الوصول الفعلي إلى المقبرةِ وفتحِها، واستخراج الجثثِ بطريقة علميّةٍ لتوثيق المعلومات التي يمكن الوصولُ إليها.

ووثّق فيلمُ “حفّار القبورِ” الصادر عن قناةِ “الجزيرة” والذي عُرِض في مطلعِ العام الحالي، شهاداتٍ من أحدِ الأشخاص الذين تولوا مهمّةِ دفن جثثِ القتلى تحت التعذيب في القبور الجماعية بين عامي 2011 و2018 في سوريا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى