طبيبٌ دوليٌّ: معاناةُ نازحي إدلبَ لا مثيلَ لها
نشرت صحيفة إندبندنت البريطانية مقالاً لطبيب مقيم بالولايات المتحدة روى فيه مشاهداته وانطباعاته من زيارته لمخيمات النازحين من الحرب في سوريا.
يقول “زاهر سحلول” إنّه كطبيب شاهد أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، إلا أنّ المآسي التي عايشها في سوريا لم يسبقْ لها مثيل، وقال إنّه سافر من شيكاغو في الولايات المتحدة إلى محافظة إدلب في شمال سوريا لتقديم يد العون للنازحين والتضامن معهم بعد أنْ علّقت الأمم المتحدة مؤقّتاً برنامج مساعداتها لهم.
وانتقد سحلول، وهو رئيس لمنظمة “ميد غلوبال” الطبية الأميركية، تراخي العالم في التعامل مع الأزمة الإنسانية في سوريا، وأشار بهذا الصدد إلى أنّ المجتمع الدولي والأمم المتحدة تركوا على ما يبدو الشعب السوري يواجه مصيرَه بنفسه وهو يكابد معاناة طيلة تسع سنوات مضت.
وأوضح أنّه لاحظ أثناء زيارته لمخيمات النازحين أنّها تفتقر حتى إلى خيام مناسبة وفّرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في السابق لمنح بعض الدفء من برد الشتاء القارس.
ويقول الطبيب, نزح 359 ألف مدني, من بينهم 165 ألف طفلٍ, من ديارهم الشهر الماضي وحده, وتعرّض أكثرُ من ستين مشفى للقصف منذ أيار 2019.
ويبلغ تعداد سكان محافظة إدلب نحو أربعة ملايين نسمة، وبها 1150 مخيماً للنازحين الذين قدموا إليها من مناطق أخرى في سوريا هرباً من المعارك، وأغلقت تركيا -التي تستضيف بالفعل 3.9 ملايين لاجئ- حدودها مع سوريا،
وبحسب “سحلول” لم يعدْ أمام الفارّين من القصف والعنف مكانٌ يلوذون إليه، ووصف إدلب بأنّها تحوّلت إلى ما يشبه “معسكر اعتقال كبيرٍ.
وقال الطبيب إنّه زار مع منظمته مناطق كوارث عديدة بالعالم، مثل اليمن وكولومبيا وقطاع غزة واليونان والعراق ولبنان والأردن، ومخيمات النازحين في بنغلاديش التي تؤوي الروهينغا الفارّين من الاضطهاد في بلدهم ميانمار، من أجل تقديم الرعاية الطبية للاجئين هناك, لكن ما يحدث في إدلب أسوأ بكثير, من كلّ ما يجري في مناطق العالم الأخرى، ومع ذلك فإنّ القانون الدولي الإنساني الذي يضمن حماية المدنيين والمشافي والأطفال يتعرّض للانتهاك كلَّ يومٍ من قبل دولة عضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة “للأسف”.
ويلفت إلى أنّ أطفال إدلب على وجه الخصوص يعانون ويستهدفهم الاحتلال الروسي ونظام الأسد بالقصف، مضيفاً أنّ منظمة “أنقذوا الأطفال” البريطانية سلطت الضوء في تقرير نشرته مؤخّراً بشأن تأثير الأزمة في إدلب على الأطفال، على إحصائيات “مثيرة لقلق بالغ”.
وجاء في التقرير أنّ قصف قوات الأسد والاحتلال الروسي يودي بحياة طفلٍ سوري كلَّ يوم بالمتوسط العام المنصرم. بل إنّ عدد الأطفال الذين استُشهدوا في شهر واحد “وتحديداً في تموز عام 2019” تجاوز عددهم 208.
ويضيف سحلول أنّ المنظمات السورية المحلية غير الحكومية تجد مشقة في التعامل مع الوضع الإنساني بإدلب، في ظلّ غياب وكالات الأمم المتحدة التي أوقفت مؤقتاً تقديم مساعداتها للمدنيين.
ويقول أيضاً إنّهم دعوا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى زيارة النازحين الجدد بإدلب البالغ عددهم 359 ألفاً، إلا أنّهم لم يتلقّوا ردّاً منه حتى الآن.
ويشير في مقاله إلى أنّ استجابة غوتيريش ومنظمته للوضع “المأساوي” بسوريا اتّسم بالبطء، معتبراً أنّ إعراب مكتب أمين عام المنظمة الدولية في نيويورك عن “القلق العميق” ليس كافياً وأنّ عليه زيارة إدلب مثلما زار مناطق الكوارث الأخرى.
واعتبر رئيس “ميد غلوبال” أنّ ما يجري في سوريا وإدلب بوجه خاص “وصمة” في سجل الأمم المتحدة و”فشل ذريع” لنظامها “الصارم الذي عفا عليه الزمن”.
كما نَقل عن منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” أنّ نحو 589 مشفىً في سوريا تعرّض للقصفِ منذ عام 2016، ولقي ما لا يقلّ عن 914 من العاملين بالحقل الطبي مصرعهم.
وفي الختام شدّد المقال على ضرورة أنْ يلتزم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، بجعل سوريا من أولويات أجندته، وممارسة الضغوط الدبلوماسية لإنهاء الأزمة كلياً، وزيادة المساعدات الإنسانية للأطفال السوريين عبر المنظمات غير الحكومية السورية.