فضائحُ رجلِ أعمالٍ سوريٍّ في قلبِ الطائفةِ العلويةِ الحاكمةِ

عندما توفي حافظ الأسد في عام 2000 بعدَ ثلاثة عقودٍ من حكم القبضة الحديدية، وضع نموذجاً رمزياً للانتماء الطائفي مقلوباً من فضيحة سياسية وتجارية تهزّ الأقلية العلوية في قلبه، جنازة الأسد في قريته القرداحة في الجبال العلوية بالقرب من ساحل البحر الأبيض المتوسط كانت سنية بالكامل، دون إشارة إلى العقيدة الباطنية التي ينتمي إليها.

ترأس رجلُ دين محمي من دمشق، قضى حياته في طاعة الأسد مراسم الجنازة، لم يكن هناك مكانٌ في الجنازة المتلفزة تمّ الكشفُ فيه عن طقوس علوية أو سمع لهجة علوية، على الرغم من أنّ الطائفة سيطرت على الدولة والأجهزة الأمنية منذ أنْ استولى معظم الضباط العلويين على السلطة في انقلاب عام 1963.

لذلك كان الأمر غير معتاد للغاية عندما تحدث رامي مخلوف أغنى رجل في سوريا وابن خال بشار الأسد جزئياً بلكنة علوية في مقاطع فيديو على فيسبوك خلال الأسبوع الماضي كداعم قوي للعلويين، فإنّ سقوطه من النعمة والتهديد الواضح لقاعدة سلطته في سوريا يضرب في قلب الطائفة الحاكمة.

وكسر أحد المحرمات باستخدام المصطلحات الدينية للطائفة في بثٍّ عام، حيث أشار السيد مخلوف إلى أنّ الأجهزة الأمنية كانت تتحرّك ضده لأنه وسع جهوده لمساعدة إخوانه العلويين دون إذن من القمة، وأوضح مخلوف أنّه في السنوات الثماني الماضية كان يسود الإهمال الملحوظ للعلويين العاديين من خلال دعمِ العائلات التي فقدت أعضاء يدافعون عن النظام، قبل ثورة 2011 ضدّ حكم عائلة الأسد كانت الطائفة تضمّ حوالي 10 في المائة من سكان سوريا، والذين كان عددُهم آنذاك 20 إلى 22 مليون.

وقال مصرفيون إقليميون تعاملوا مع مخلوف إنّه كان يموّل رجال الدين العلويين الذين كان الأسد يتعامل معهم بشكلٍ تقليدي بشكٍ لأنّ بعضَهم كان يرفض إظهار الطاعة التامة للعائلة الحاكمة، حيث جاءت ثروة الملياردير إلى حدٍ كبير من الاحتكارات التي منحها الأسد له ووالده على جزء كبير من الاقتصاد، كما يُنظر إلى مخلوف على نطاق واسع على أنّه واجهة لبشار الأسد وشقيقه ماهر، الذي يشرف على الوحدات العلوية المكلفة بالدفاع عن جوهر النظام.

لقد شكّل العلويون معظم طبقة الضباط لعقود، جزئياً نتيجة لترقيتهم في الجيش من قِبلِ المستعمرين الفرنسيين في سوريا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، ومع ذلك خصّص الأسد معدّات عسكرية حسّاسة مثل وحدات المدفعية في متناول القصر الرئاسي في دمشق فقط لأعضاء العشائر العلوية التي تعتبر موالية للغاية.

ويعتقد الآن أنّ مخلوف قد هرب بعيداً عن الأنظار في الجبال العلوية بالقرب من القرداحة، وهي نفس المنطقة الوعرة التي يقف فيها ضريح حافظ الأسد على الطراز السوفيتي، كان الدكتاتور الراحل يخشى أنْ يُدفن، كما هو معتاد بين السكان السنة في دمشق، لأنّه لم يثقْ في أنّ قبره سيترك إلى الأبد.

في عام 2013 اقتربت فصائلُ الثوار من القرداحة قبل صدّها، ولكنْ ليس بعد اجتياح عدّة قرى وقتل أكثر من 100 علوي، وكذلك أخذ عدد مماثل على الأقل كرهائن، حيث اعتبر العديد في المعارضة حتى الشخصيات العلمانية الهجوم انتقاماً جزئياً لمئات الآلاف من المدنيين السنة الذين قتلتهم قوات النظام أو اختفوا منذ ثورة 2011 والحرب الأهلية التي تلت ذلك، ولكن تسوية الحسابات بين الطوائف كانت أيضاً سمة مميّزة للجبال العلوية، وفرّ أفراد الطائفة تقليديًا هناك عندما شعروا أنّ وجودهم على المحك.

عندما توفي حافظ الأسد في تموز 2000، غادرت العديد من العائلات العلوية دمشق إلى جيوبها الجبلية الأصلية، خوفاً من الانتقام السني إذا لم تنجحْ الخلافة، ولعب محمد مخلوف والد رامي دوراً مركزياً وراء الكواليس في ضمان الانتقال بسلاسة، كما فعلت أخته أنيسة وأرملة حافظ الأسد ووالدة بشار.

حاصر حافظ الأسد ابنه بشار بشخصيات سنية قدّمته للعائلات التجارية السنية الحضرية وساعدته على تكييف سلوكياته لتناسب التيار السني، تزوج بشار من عائلة الأخرس وهي عائلة سنية من حمص كانت لها تعاملات تجارية مع النظام، كان بشار الأسد ورامي مخلوف صديقين مقرّبين قبل أن يصبح الأسد رئيساً.

ولكن رامي مخلوف لم يكن محبوباً من قبل الأخوين الأقوياء بشار و باسل الوريث السابق الذي توفي في حادث سيارة في عام 1994، وماهر الذي يقود الفرقة الرابعة الفاخرة في الجيش السوري، ووسع شبكة أعماله في السنوات الثماني الماضية.

أدّت وفاة حافظ الأسد إلى وضعِ رامي مخلوف في دورة ليصبح عضواً في الثلاثي العلوي – بشار وماهر ونفسه، كما ذهبت بعض الغنائم إلى كبار العلويين الذين احتلوا بشكل غيرِ متناسب المستويات العليا للجيش والأمن والدولة، وكذلك زملاؤهم في العمل والمخبرين السنة.

أدّى صعود العلويين من أطراف سوريا إلى السيطرة المطلقة على موارد البلاد على مدى السنوات الـ 57 الماضية إلى تغييرات مجتمعية حادّة، تفاقمت بسبب غنائم الاستيلاء الفعلي على أجزاء كبيرة من لبنان من 1976 إلى 2005 واقتصاد الحرب منذ 2012.

أثناء البحث في كتاب عن سوريا في أواخر التسعينيات، جلس الباحث الفلسطيني “حنا بطاطو” بجوار مجموعة من عملاء المخابرات العلويين في حانة في فندق مملوك للدولة في دمشق، اقترب من المجموعة وبدأ يسأل عن خلفيات الفلاحين فقط ليتمّ الإمساك به وإلقاؤه في السجن، في نهاية المطاف نشر العمل حول الفلاحين السوريين وأحفاد أهلها الريفيين الأقل وسياساتهم.

وذكر أكاديمي سني يعيش في الإمارات العربية المتحدة أنّ عائلته كانت لديها خادمة علوية في منزلها عندما كان يكبر في دمشق، تزوجت الخادمة من أحد عملاء المخابرات واستقالت في أواخر الستينيات، وقال: “جاءت بعد عامين مع حارس مسلح في سيارة مرسيدس سوداء، وطرقت بابنا وأمرت والدتي بتقبيل قدميها، على الرغم من أنّنا عاملناها كأحد أفراد عائلتنا”، فعلت والدته كما قيل لها، وتمّ سجن الآخرين الذين تحدّوا ما وصفوه بأنّه الدولة.

وكان من بينهم الكاتب البارز “ميشيل كيلو”، وهو مسيحي سجن في عام 2006 لمدة ثلاث سنوات بعد أن كتب عن شواهد قبور الضباط في مسقط رأسه في اللاذقية حيث لاحظ أسماء علوية في الغالب، كانت المدينة الساحلية ذات أغلبية سنية ومسيحية حتى اجتذبت المعاملة التفضيلية العلويين من الجبال إلى وظائف أمن الدولة.

أثناء إجراء بحث حول تكوين فئة المديرين في البيروقراطية في عام 2006 أيضاً تمّ اعتقال محامي حقوق الإنسان السوري “أنور البني” وقضى خمس سنوات في السجن كسجين سياسي قبلَ إطلاق سراحه، قال “البني” إنّ البيانات التي جمعها تشير إلى أنّ رتبة المدير كانت علوية تقريباً.

كان لدى النظام بعض المخاوف بشأن معاقبة المنشقّين العلويين، “عارف دليلة” عميد الاقتصاد السابق في جامعة دمشق، انتقد الاحتكارات التي منحت للسيد مخلوف وكان مريضاً جداً عندما أطلق النظام سراحه في عام 2008 بعد سبع سنوات في السجن على افتراض أنّه سيموت قريباً، على الرغم من الصعاب نجا “دليلة” من عملية رئوية ضخمة في دمشق وهو الآن في المنفى في دبي.

“عبد العزيز الخيّر” صديق “عارف دليلة” من القرداحة، بقي في سوريا على الرغم من معارضته للنظام، اختطفتْ قوات الأمن “الخير” في عام 2012 واختفى، ولكن مخلوف هو أحد ضحايا نظام القمع الذي دافع عنه، وكشف سعيه لإبقاء انقسامات اجتماعية واقتصادية داخل العلويين، متحدّياً رواية النظام بأنّ المجتمع متجانس في دعمه للأسد.

وقال محام أوروبي كان لديه تعاملات وثيقة مع مخلوف لـ The National ، إنّ الملياردير يحافظ على الدعم بين نسبة كبيرة من العلويين الذين يعتبرون الأسد أنّهم يعاملونهم كعلف للمدافع، وبين مؤسسة دينية علوية مهملة منذ فترة طويلة، وقال المحامي: “كانت رسالة مخلوف أنّ الأسد خسر لبنان ثم أجزاء كبيرة من سوريا، والآن سيغرق العلويين من خلال استهداف الوصي المالي الوحيد الذي كان يساعد المجتمع”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى