مدينةُ حمصَ تفقدُ أحدَ رموزِ ثورتِها, الشيخَ “حامد عسكر الصالح” في مدينةِ البابِ
توفي اليوم الأحد, في مدينة الباب شرقي حلب, الشيخ “حامد عسكر الصالح” أحد أهم رموز الثورة في مدينة حمص, عن عمر ناهز الخمسين عاماً.
ولد الشيخ “حامد بن عسكر الصالح العفنان” في حي “الخالدية” في حمص عام 1965 وفيه نشأ وترعرع ودرس حتى المرحلة الثانوية، ولم يكمل دراسته الجامعية.
بدأت حياته الدينية تتبلور إلى أن تتلمذ على يد الشيخ “محمود جنيد كعكة”، والشيخ “محمد علي طه الدرّة”، والشيخ “أبو السعود” والشيخ “إسماعيل المجذوب”، والشيخ “الغجري” شيخ قرّاء حمص، وعددٍ من المشايخ والعلماء، وأصبح من تلامذتهم المميّزين بالإتقان والعلم الشرعي، ومنهم نهل علمه وفقهه الشافعي الحنفي، وتميّز بتحقيق المسائل، وكان له جهد مميّز في تحقيق وإصدار الكتب العلمية الشرعية.
وكان الشيخ الراحل محبّاً للعلم تعلّماً وتعليماً ولا يشغله عن العلم شيءٌ، فقد دأب على تقديم دروس فقهية في جامع “التقوى” بحي “الخالدية”، واختاره علماء حمص مفتياً في غرفة الإفتاء (غرفة الشيخ طاهر الرئيس) في المسجد الكبير في حمص عام 2004، فكان مرجع الإفتاء وإصلاح ذات البين فيها، وكان له عدد من الدروس العامة في مساجد حمص بالإضافة إلى الدروس الخاصة بعد أن مُنع من التدريس والخطابة.
حاولت أجهزة نظام الأسد الأمنية في ذلك الوقت منعه من الجلوس في غرفة الإفتاء بحجّة أنه لا يملك شهادة أكاديمية، ففتح الشيخ بجانب المسجد مكتبة أسماها “الأنصار”، وكان يعتبر مرجعية لكلّ طلاب العلم ومحبوباً من كلّ الناس على مختلف توجّهاتهم والكل يأتي إليه ويسأله من تجار وأهالي حمص في كلّ ما يعترضهم من أمور دينهم.
مع بداية الثورة كان الشيخ “حامد” يؤدّي مناسك العمرة في الأراضي المقدسة وقرّر العودة إلى حمص فاتصل به أحد أحبابه محذّراً إيّاه من العودة الى المدينة، وأنّ أحد الفروع الأمنية يسأل عنه فأصرَّ على العودة إلى حمص، وبقي فيها حيث نشط في المجال الإغاثي بمدينة حمص عامة وحي “الخالدية” خاصة، وكان أخوه “عبد الرحمن عسكر” من أشجع قادات الفصائل العسكرية في حمص قبل أن يقضي في حي “دير بعلبة” أثناء مواجهته لقوات الأسد، وله أخ “حميد عسكر” قضى تحت التعذيب في معتقلات نظام الأسد، كما قضى ابنه “يحيى” على خط الجبهة في حي “الوعر”.
أسس الشيخ الراحل بعد أن هُجّر من حي “الخالدية” مع بداية حصار حمص القديمة هيئة شرعية في حي “الوعر”، وكان بمثابة مرجعية شرعية لكلّ الفصائل والهيئات في محافظة حمص، إلى جانب مساعي الخير التي دأب على القيام بها في ضبط أمور الحي، وحلّ الإشكالات وتقريب وجهات النظر بين الفعاليات العسكرية خاصة والثورية عامة.
هاجر الشيخ “حامد” مجدّداً مع من هاجر قسراً من المدينة واختار ريف حمص الشمالي وجهةً له، حيث اندمجت الهيئة الشرعية مع هيئة ريف حمص، واستكمل عمله على النحو ذاته إلى أنْ انتقل إلى مدينة “الباب” في ريف حلب مع آخر المهجْرين قسراً من محافظة حمص، وكانت تلك هجرته الثالثة في الثورة، ورفض الخروج من سورية إلا لأداء فريضة الحجّ رغم التسهيلات التي قدّمت له مؤثراً البقاء مع أحبّته وإخوانه وطلابه في الأراضي المحرّرة، واستقر في مدينة “الباب”، وكان له عددٌ من الدروس الشرعية في مسجد “فاطمة”.
بعد عودته من الحج موسم هذا العام 2019 عاد الشيخ “حامد” إلى مدينة “الباب”، وتعرّض فيها لجلطة واحتشاء دماغي أثّرا على مركز التنفس توفي على إثرها بعد دخوله في غيبوبة دامت حوالي أسبوع.