21 طائرةً إسرائيليةً لم تشفعْ لعميدٍ سوريٍّ سخرَ من حصانِ ابنِ “حافظِ الأسدِ”
كشف تقرير تفصيلي عن زوايا مخفية تكشف أدقّ الأسرار عن نظام الأسد الداخلي، وخاصة أجهزة الاستخبارات ودورها في سوريا، ومن تلك التفاصيل سنتحدث لكم اليوم عن قضية العميد الركن “عصام غالب أبو عجيب” رئيس أركان فرقة الدفاع الجوي الجنوبية في الجيش السوري، والذي تمّ اعتقاله في العام 1989.
حيث إنّ العميد “أبو عجيب” من مواليد بلدة القدموس في منطقة بانياس عام 1945، كما أنّه يحتفظ بالعديد من أوراقه التي دوّن فيها شهادته بعد نقله إلى سجن صيدنايا العسكري ربيع عام 1992، وقبل وفاته متأثّراً بظروف الاعتقال الوحشية التي تعرّض لها في زنزانته الانفرادية بمقرّ المخابرات الجوية، ولأنّه لا مجال لسرد قصة العميد “أبو عجيب”، سنذكر فقط ما ذكره “نزار نيوف” في مقالة له حول هذه القضية.
ولكن قبل ذلك من المفيد الإشارة هنا إلى أنّ “العميد أبو عجيب” اعتقل بأمر من رئيس النظام السوري السابق “حافظ الأسد”، بعد أنّ أبدى في أحد الاجتماعات العسكرية عالية المستوى احتجاجه واستنكاره من “حافظ الأسد” ذاته، وكشف عن اختراق أجنبي خطير لأمن سلاح الجو، والذي أدّى إلى هرب النقيب الطيار “بسام العدل”.
وحين صدر أمر الاعتقال بعد تقرير رفعه فيه اللواء “إبراهيم حويجة” و”علي مملوك” لـ “حافظ الأسد”، لم يقمْ “علي مملوك” بإرسال عناصره لاعتقال العميد “أبو عجيب”، بل ذهب هو شخصياً، وحين اقتاده من منزله في الطابق الرابع من البناية التي كان يسكنها في حي البرامكة (خلف مقر نادي تشرين الرياضي)، رفض السماح له حتى بتبديل ملابس نومه.
وطيلة وجوده في فرع التحقيق بمطار المزة (قبل نقله لمقرّ المخابرات الجوية)، مارس “علي مملوك” أبشع أشكال التعذيب الجسدي والنفسي على العميد “أبو عجيب”، وليس أقلّها إعطاء الأوامر للمجرمين الذين يعملون تحت إمرته بنتف شعره وشعر شاربيه بخيوط من النايلون، وصب الماء البارد عليه، وتبول بعضهم فوق فراشه من فتحة في سقف زنزانته.
العميد “عصام غالب أبو عجيب” هو ذاته الضابط الذي أبلى في حرب تشرين بلاء عزّ نظيره، والمثقف الذي يحمل إجازتين جامعيتين، والشاعر المبدع المرهف، والموسيقار الذي يجيد الإبداع على العديد من الآلات الموسيقية الشرقية والغربية.
وحين توفي عمدت أسرته إلى تشييعه في يوم الجمعة، كي لا يتسنى لأيٍّ من أركان النظام المشاركة في جنازته، فقام وزير الدفاع “مصطفى طلاس” بالاتصال بزوجته السيدة “زهراء الأصفهاني” معاتباً إياها لأنّها لم تخبر القيادة بوفاة زوجها لكي تقوم بواجب التكريم، مضيفاً بأنّ زوجها يحمل وسام بطل الجمهورية، وهو فقيد كبير للوطن، وتقتضي الأصول أنْ يشيّع بمراسم عسكرية تليق به، ولكن زوجة “أبو عجيب” التي أذهلتها هذه الوقاحة، لم تملك من أمرها إلا أن أغلقت سماعة الهاتف بوجهه، وأخذت تجهش بالبكاء على رفيق حياتها الذي وصل الفجور بهم إلى حدّ قتله والمطالبة بتشييعه بمراسم عسكرية.
وبالعودة إلى السيرة الذاتية للعميد “عصام غالب أبو عجيب”، والذي يعتبر أحد أشهر ضباط صواريخ الدفاع الجوي في سوريا، كما أنّه يحمل وسام بطل الجمهورية على إسقاطه 43 طائرة إسرائيلية في حرب تشرين 1973 ، حسب إحصاءات الخبراء السوفييت، و21 طائرة حسب إحصاءات الجيش السوري.
إذ لم تكن كتائب الدفاع الجوي قد زودت بعد بتلك الأجهزة التي تحدّد بدقة أيَّ كتيبة أو سرية هي التي أصابت الأهداف، وقد كان رئيساً لأركان فرقة الدفاع الجوي المسؤولة عن حماية سماء جنوب سوريا حين اعتقل بأمر من حافظ الأسد شخصياً، وبطلب عاجل من قائد المخابرات الجوية في حينه اللواء “إبراهيم حويجة”، وذلك بعد هرب النقيب الطيار “بسام العدل”.
وقد نفّذ أمر الاعتقال العميد “علي مملوك” رئيس فرع التحقيق في الجهاز الأمني المذكور، حين اقتاد العميد “أبو عجيب” وهو لا يزال في ملابس النوم، من مكان إقامته في منزل أهل زوجته “آل الأصفهاني” في البرامكة في دمشق، إذ لم يكن ذاك الضابط الشريف يملك منزلاً خاصاً به حتى حينها.
وكان كلُّ ما تحدّث به العميد “أبو عجيب” في اجتماع عسكري قيادي كبير هو الحديث عن ظروف وملابسات هرب النقيب الطيار “بسام العدل” وعلاقة أحد الضباط الرفيعي المستوى في جهاز المخابرات بذلك، فضلاً عن حديثه المنتقد للرئيس “حافظ الأسد”.
حيث كان قد قال حينها: “لا يمكن لجيشٍ قائدُه يشتري لابنه حصانا بـ 14 ألف دولار من مخصّصات لقمة الجنود، لكي يمارس نزواته الرياضية، أنْ ينتصر في أيِّ معركة أو حرب، حتى لو جاءت ملائكة بدر وقاتلت في صفوفه كما قاتلت في جيش محمد قبل 14 قرناً”، مشيراً في حديثه إلى حصان “باسل الأسد”.
كما أفاد بأنّ النقيب الطيار “بسام العدل” قد هرب بتواطؤ مع ضابط كبير جداً في أعلى هرم النظام السوري وهو اللواء “علي مملوك”، الذي كان على صلة بالمخابرات الأمريكية، والذي كان صديقاً لـ “بسام العدل”، ويلعب معه القمار في شقق خاصة بالدعارة والقمار بحي المزرعة في دمشق.
حيث إنّ “بسام العدل” كان قد جرى تجنيده في الخارج من قبل سيدة أجنبية، حين كان في دورة تدريبية للتحويل من قيادة ميغ 21 إلى ميغ 23، وقد تبعته هذه السيدة إلى سوريا، وقد تمّ اكتشافُ أمرِها من قبلِ المخابرات الجوية السورية، وتمّ اعتقالها، إلا أنّه أفرج عنها بعد عدّة أيام بتدخل من حكومة بلادها.
وبعد أيام قليلة من الإفراج عنها، هرب النقيب الطيار “بسام العدل” بطائرته، وكان العميد “أبو عجيب” قد أخبر القيادة السورية بأمر هذه السيدة والدور المسند إليها، وطلب منهم اعتقال “بسام العدل”، وثم عاد وأثار هذا الموضوع مع أعلى المستويات، خصوصاً حين اكتشف أنّ أوامر من جهة معينة في أعلى هرم النظام السوري قد أعطيت لضباط الرمي في ألوية وكتائب الدفاع الجوي التابعة لفرقته في المنطقة الجنوبية بعدم إطلاق النار عليه حين اكتشفت الطائرة التي يهرب بها “العدل” من قِبل الرادارات، رغم طيرانه على مستوى منخفض جداً فيما بين الجبال والوديان باتجاه إسرائيل، ورغم أنّه كان يطير منفرداً دون سربه.
وكان العميد “أبو عجيب” قد أطلق سراحه في العام 1995 بعد انهيار وضعه الصحي الناجم عن اعتقاله في زنزانة انفرادية، وتوفي في مثل هذه الأيام من العام 2000، بعد أنْ انفجر قلبه بسبب المعاملة الإجرامية التي لجأ إليها النظام السوري في إذلاله وإهانته،
الجدير بالذكر أنّ العميد “عصام غالب أبو عجيب” كان قد أبدع خلال حرب تشرين، حين كان برتبة نقيب وقائداً لكتيبة كفادرات (سام 6 المحمولة على مدرعات)، وله نظرية في علم رمي الصواريخ أرض ـ جو، حيث إنّها ما تزال تدرّس في أكاديمية فرونزا العسكرية الروسية وكليات غربية أخرى، وطبقاً لاختصاصيين غربيين درسوا التكتيكات العربية في الحرب المذكورة، فإنّ العميد “أبو عجيب” في سوريا والفريق “محمد علي فهمي” قائد الدفاع الجوي المصري آنذاك، يعتبران الضابطين الأكثر تميّزاً في أداء سلاح الدفاع الجوي منذ الحرب العالمية الثانية.
و لكم في تاريخ تلك الطائفة عبرة، فلم يكن يدري الضباط الناصريون شركاء الضباط البعثين في حركة 8 آذار أنّهم سيعدمون على يد رفاقهم في الثورة، ولم يكن يدري “محمد عمران” رئيس اللجنة العسكرية البعثية (عدس) في حركة 8 آذار أنه سيتم إقصاؤه في 1966 ومن ثم اغتياله على يد رفاقه باقي أعضاء اللجنة (صلاح جديد – حافظ الأسد – سليم حاطوم – عبد الكريم الجندي).
ولم يكن يدري “سليم حاطوم” أنّه سيعذب حتى الموت على يد باقي الرفاق عام 1968، أما “عبد الكريم الجندي” فقد أدرك أنّه سيلقى نفسَ مصير “سليم حاطوم” عندما حاول “صلاح جديد” و”حافظ الأسد” إلقاء القبضَ عليه فانتحر فوراً، و “صلاح جديد” لم يدرِ في خلده يوماً أنّه سيموت مع “يوسف زعين” (رئيس الوزراء) و”نور الدين الأتاسي” (رئيس الدولة) في سجن “حافظ الأسد” الذي انقلب عليهم في عام 1970.
“صلاح الدين البيطار” و”أكرم الحوراني” و”ميشل عفلق” مؤسسو حزب البعث لم يدروا أنّه سيتمّ إقصاؤهم بعد الثورة مباشرة واغتيال الأولين من قبل اللجنة العسكرية البعثية (عدس)، بينما هرب رفيقهم الثالث الى العراق.
و”جمال الأتاسي” (عضو قيادة قطرية في حزب البعث عام 1970 – انشقّ و أسس حزباً مسقلّاً منتدى الأتاسي عام 1973)، لم يكن يدري أنّ زبانية ابن “حافظ الأسد” سيعتقلون ابنته “سهير” (الناشطة في مجال حقوق الإنسان) فقط لأنّها طالبت بالحرية.
ولا يسعنا الحديث عن آلاف الضباط والرفاق البعثين الذين كانوا من صناع حركة 8 آذار 1963 وانقلاب 1970، الذين أعدموا أو قتلوا أو زجّ بهم في السجون في محطة من محطات الغدر التي قادها “حافظ الأسد” وما أكثرها، وختاماً نقول لكم: لا تغدر فيغدر بك، ولا تظلم فتظلم، ولا تسكت عن الظالم فيظلمك فيما بعد، ولا تسكت عن القاتل فيقتلك فيما بعد.