حيطانُ إدلبَ تحكي من جديدٍ حكايةَ ألمٍ في زمنِ الكورونا
في زمن الكورونا، وداخل أرياف إدلب السورية لا مكانَ لعبارة “خليك في البيت”، للوقاية من تفشّي الفيروس . ولعلّها “خليك بالخيمة” هي الرسالة التوعوية الأقربُ إلى حال أناسٍ هُجّروا من بيوتهم وباتوا في العراء من دونِ مأوى منذ سنة، إثرَ الهجمات الشرسة التي يشنها نظام الأسد على المنطقة.
لكنْ من بين الركام في إدلب، شمال غربي سوريا، يحاكي رسام الغرافيتي “عزيز الأسمر” برسوماته الفيروس الفتّاك، الذي ما فتئ يعاند البشرية الساعية إلى التخلّص منه، فعلى الجدران المهدّمة بثّ رساءله الملونة عبْرَ فرشاته اللاذعة، يحضُّ الناس على التأمل والانتباه من الـ كورونا المستجِد.
يظهر الفيروس بإحدى الرسوم بوجه أخضر وأصفر قاسٍ يمسك بكلتا يديه الناس وهم أموات، وكتبَ بجانبها “كورونا التي لا تعجبك بتعطبك”.
وسخّر في رسائله تلك شخصيات كرتونية لطالما عرفها الأطفال في مسلسلاتهم، كعجوز المكنسة أو مصاص الدماء. ومن بينها، رسم لشرشبيل، من مسلسل “السنافر”، وهو يطبخ كورونا في موقدِه، ويصرخ فرحاً “كورونوا بحياتكم”.
يؤكّد الأسمر الذي رسم ما يزيد على عشر لوحات، “أردتُ أنْ أقولَ لدول العالم إنّنا في إدلب لسنا إرهابيين ولا بقعة سوداء، بل لدينا مخزونٌ من الفن والرياضة والشعر والرسم والأدب، ونتفاعل مع قضايا الشعوب الإنسانية”.
تعمّد الفنان اختيار البيوت والمدارس المهدّمة لإيصال رسالته عما كانت تحوي هذه الأماكن من حياة نابضة، لا سيما توجيه رسومات توعوية هدفُها أنْ يحتاطَ الناس ويأخذوا بأسباب الوقاية وألا يستهتروا، حيث أظهرت إحدى الرسومات الفيروس وهو مطبقُ الوجه ويعضُّ على أسنانه وينطق “سوريا ليست آمنة”، ويشكو الأسمر من غياب التدخّل الكافي من المنظمات الصحية الدولية، لتزويد مدينته بالمعدّات والمختبرات اللازمة.
ربما يتذمرُ معظمُ البشر في مختلف أصقاع الأرض لمكوثهم مدّةً طويلة في بيوتهم، في المقابل تتشوق عائلات في ريف إدلب الجنوبي، على سبيل المثال، لمشاهدة جدران منازلها من دون جدوى، وقد تبدّدت كلُّ أحلامهم بالحَجْر المنزلي في بيوت لا يملكونها أو في خيمٍ لا تقي بردَ الشتاء ولا قيظَ الصيف.
في ذلك الوقت تركت ألوان الغرافيتي أصداءً في نفوس من شاهدها وسط منطقة اتشحت بالسواد طوال الفترة السابقة، وعبّر الفنان المسرحي وليد أبو راشد لـ “اندبندنت عربية” عن إكباره لما يفعله الأسمر، الذي “يوجّه أنظار العالم بأسْرِه في رسمه إلى أكثر الفيروسات صعوبة، في وقت لا تزال بقعة محاصرة في هذا الكوكب تعاني”.
فلا يتوانى غرافيتي إدلب عن زرع الابتسامة على كثير من الجدران المهدمة، ولا يكتفي بتناول مواضيع التحذير بطريقته الكاريكاتورية أو الكرتونية، بل من الملفت أنّ في رسومه تضامناً مع الشعوب التي أصابها الوباء.
لم ينسَ الأسمر أنّ الحضارات لا حدود لها، عاكفاً على إبداع لوحات تضامنت مع دول أوروبية ضربَها الوباءُ بقسوة.
على جدران إدلب، يمكن مشاهدة شابةً إيطالية تعزف من شرفتها داخل حَجْرها المنزلي، ولوحةً تعبيرية للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ويقول “رسمت ميركل بعدما تبيّنَ عدم إصابتها بالفيروس، وتضامنتُ مع الشعب الألماني الذي أكرم اللاجئين السوريين”.
الهجرة القسرية لمئات الآلاف من الأشخاص والعائلات جاءت هرباً من معركة استعرَ وطيسُها منذ قرابة العام، في أواخر أبريل (نيسان)، مع انطلاق صراع بين قوات الأسد بدعم روسي لإعادة السيطرة على محافظة إدلب وريفها من أيدي فصائل المعارضة المسلحة المناوئة لها.
وطقوس الذعر والهلع التي يعيشها العالم اليوم خَبِرَها أهالي إدلب جيداً وبشكل دموي منذ سنوات، لكن هذا لم يدفعْ أهالي المحافظة السورية إلى اليأس أو فقدان أمل العودةِ إلى بيوته