“سمٌّ أسودُ يزحفُ ببطءٍ”.. والموتُ يهدّدُ سكانَ القرى في شمالِ شرقِ سوريا
تطرّقت صحيفةُ “الإندبندنت” البريطانية إلى خطرٍ كبيرٍ يُداهم القرى في شمال شرقي سوريا، متسبّباً بحالات الوفاة ويهلك الثروةَ الحيوانية ويحوّلُ الأراضي الخصبة إلى قاحلة.
وأشارت الصحيفة إلى أنَّ قرية “خراب أبو غالب” في محافظة الحسكة شمالَ شرقي البلاد، شهدتْ وفاة 10 أشخاصٍ العام الماضي، كما تعرّضت الثروة الحيوانية للهلاك وأصبحت الأراضي الزراعية قاحلةً، مشيرةً إلى أنَّ منشأة نفطٍ قريبة من المكان هي من تسبّبت في هذا الدمار الذي حلَّ بالطبيعة، بحسب ما نقلتْ عن سكان المنطقة.
مبيّنةً أنَّ هذه القرية كانت تتميّز بالمراعي الخضراء والطبيعة التي يقصدُها الناسُ للاستجمام، لكنْ في السنوات الأخيرة تغيّرَ لونُ الأرض، وباتت بؤرةً خطيرة لسمّ خطير يزحف ببطء، وذلك بعد أنْ تحوّل مجرى مائي إلى نهر أسود يشقُّ الأراضي الزراعية حاملاً كميات من النفط المتسرّب، والذي يشكّلُ خطراُ على صحة السكان.
ونقلت الصحيفة عن سكان محليين، أنَّ منشأة نفطٍ قريبة من المكان تسبّبتْ في هذا الدمار الذي حلَّ بالطبيعة، ويحمّلون التسريب النفطي وعمليات الحرق في المنشاة مسؤوليةَ ارتفاع عددٍ الوفيات بينهم، بسبب السموم التي تخترق أجواءَ المنطقة.
ويقول المواطن أيمن للصحيفة، إنَّ القرية شهدت وفاةَ 10 أشخاص العام الماضي، وهو عددٌ كبيرٌ كما هلكتْ الثروة الحيوانية وأصبحت الأراضي الزراعية قاحلة، مضيفاً، “لا نعرف سببَ موتهم بالضبط، لكنَّنا نعلم أنَّه مرتبطٌ بهذا التلوّث، الذي يضعف رئاتنا ومناعتنا”.
وتهاجم رائحةُ النفط الكريهة السكان في منازهم، حيث تحرمُهم من تنفّسِ الهواء النقي وتقلق نومَهم، يقول أيمن، “لا نستطيع النوم في الليل بسبب الرائحة، نحن قلقون لأنَّ هذا الأمر يجعلنا أكثرَ عرضةً للإصابة بفيروس كورونا”.
وأشارت الصحيفة إلى أنَّ تدمير مصافي النفط الرسمية وخطّ الأنابيب إلى المصفاة الرئيسية في حمص أدّى إلى ظهور الآلاف من المصافي المؤقّتة، كلٌّ منها يقذف النفايات في الأرض، بما في ذلك المعادن الثقيلة المعروفة بأنَّها مسبّبات للسرطان مثل الزئبق والرصاص والزرنيخ، كما يتمُّ حرقُ الغازات، بما في ذلك ثاني أكسيد الكبريت وأكسيد النيتروجين، والمنتجات الثانوية لإنتاج النفطِ وتكريره، أو إطلاقها في الغلاف الجوي.
وأضافت، أنَّ ما يفاقم المشكلة، أنَّ سوريا مرّت بحالة غيرِ مسبوقة من الجفاف في الآونة الأخيرة، مما أدّى إلى نقصٍ حادٍ في المياه، خاصةً أنَّ خبراءَ حذّروا من أنَّ التسرّب النفطي يهدّدُ المياه الجوفية، والتي في حال اختلطت بالمواد النفطية، لن يتمكّن السكانُ من الاستفادة منها.
ونقلت الصحيفة عن “ويم زويجننبرغ”، من منظمة السلام الهولندية “باكس”، الذي أعدَّ تقريراً يُحذّر فيه من التأثير التراكمي من التلوث النفطي في شمالي شرقي سوريا، إنَّ “التلوث النفطي القادم من منشأة صهاريج تخزين النفط القريبة من كر زيرو، كان تهديداً غيرَ مألوفٍ بالنسبة للسكان المحليين”.
وأضاف أنَّ “إهمالَ البنية التحتية والحصار تسبَبَا بتلوّث بيئي قاس، فحتى بعدَ تهدئة القتال، فإنَّ سكان المنطقة المدنيون لا يزالون يواجهون نوعاً آخر َمن الخطر يتّسمُ بسميّته وزحفِه البطيء”.
وسألت “الإندبندنت” الإدارة الذاتية التابعة لميليشيا “قسد” عن المشكلة، حيث أقرَّ المسؤولون بوجودها، لكنَّهم رفضوا التعليقَ على الطرق التي يتعاملون من خلالها مع هذا الخطر القاتل.
يقول خبراءُ في صناعة النفط للصحيفة إنَّ السلطات والأشخاص الذين يديرون منشآتِ النفط في تلك المناطق، يفتقرون إلى التمويل والموارد والدعم لمواجهة مثل هذه المشكلة المعقّدة، وأنَّهم بحاجة إلى مساعدة دولية.