المناطقُ المحرّرةُ تستعدُّ لموجةِ فيروس “كورونا” قد تجتاحُ المنطقةَ بدونِ صابونٍ ولا مياهٍ ولا عزلٍٍ اجتماعيٍّ
إدلب – سوريا (CNN)، إنّ كلَّ ما تحتاجُه “فاطمة أم علي” لحماية نفسها وعائلتها من فيروس كورونا الجديد هو شيء بَعيدَ المنال، لا توجد مياه، والصابون مكلّف ومعقم اليدين رفاهية لا يمكن تحمّلها، لا يمكنها حتى أنْ تتخيّل كيف سيبدو العزلُ الاجتماعي لعائلتها المكوّنة من 16 فرداً في الخيام الثلاث التي تشترك فيها في مخيّمٍ مؤقّت بالقرب من الحدود التركية السورية.
وقالت “أم علي” لشبكة CNN: “نحاول بقدراتنا المحدودة الحفاظ على النظافة، كلُّ هؤلاء المطهرات ومواد التنظيف التي تتحدّثون عنها لا يمكننا الحصول عليها”، تعيش في أحد المخيمات العديدة التي نشأت في الحقول وبساتين الزيتون والتلال المتدرجة في محافظة إدلب السورية التي يسيطر عليها الثوار، ويعاني معظمُ الأطفال من سيلان الأنف بسبب التعرّض لظروف معيشية قاسية.
هربت الأسرة من الموت عدّةَ مرّاتٍ على مدار النزاع المستمر منذ تسعِ سنوات في سوريا، فرّوا من هجوم النظام في محافظة حماة عندما بدأت الحرب في عام 2011، وانتقلوا من بلدة إلى أخرى مع استمرار القتال، لقد هربت عائلة “فاطمة أم علي” من الخطر طيلة حربِ سوريا التي استمرت تسع سنوات، ولكنّها بالكاد تستطيع الحصول على الماء أو مواد النظافة، فإنّهم يكافحون من أجل إبعاد فيروس كورونا الجديد، لكنّهم لا يستطيعون الهربَ من الوباء العالمي “كورونا”، والذي يتّجه نحو المدينة التي مزّقتها الحرب مثل تسونامي بطيء الحركة، كما تقول منظمة الصحة العالمية ويمكن أنْ يوديَ بحياة عشرات الآلاف، ويعتبر عددُ سكان إدلب البالغ عددهم 3 ملايين نسمة والذين يعانون من النقص الحادّ في الأدوية، أحد أكثر سكان العالم دفاعاً ضدّ الفيروس.
تعرّضت المرافق الطبية في إدلب للدمار في غاراتٍ جويّةٍ استهدفتها على مرِّ السنين، الأطباء مثقلون بالعمل وأسرّة المستشفيات قليلة، أضاف هجوم قوات النظام الوحشي – الذي دعمته روسيا وإيران – والذي بدأ في كانون الأول ساهم في المزيد من الضغط على مرافق الرعاية الصحية المتداعية، كما أدّت سلسلة الهجمات الأخيرة إلى تشريد ما يقرب من مليون شخصٍ، مما أدّى إلى ازدحام التدفّق المتزايد للأسر إلى مخيمات مترامية الأطراف بدون بنية تحتية وظروف غيرِ صحية بشكلٍ متزايد.
يقول الدكتور “منذر خليل” من مديرية صحة إدلب (IHD) التي تسيطر عليها المعارضة إنّ الأزمة الإنسانية يمكن أنْ تُتوّجَ بأزمة صحية لا مثيلَ لها عندما يصل COVID-19 إلى شمال غرب سوريا، ويقول: “لا نعرفُ ما إذا كان لدينا فيروس كورونا بعدُ، لكنّنا نتوقّع تسونامي مع ارتفاعٍ لعدد القتلى بسبب نقص البنية التحتية الطبية”، يعمل الأطباء على رفعِ مستوى الوعي حول متطلبات النظافة الصحية، ولكن من الصعب شراءها من قبل السكان الذين يعانون من آثار الحرب، وقال خليل: “لقد عانوا القصف وتجمّدوا حتى الموت وهجمات كيماوية، لذا فلم يعودوا يكترثون بالموت”.
يوجد في إدلب 1.4 طبيباً فقط لكل 10 آلاف شخص، تعمل المستشفيات بالفعل بأكثرَ من طاقتها، بمتوسط إشغال بنسبة 150 ٪، لا يوجد سوى حوالي 100 من أجهزة التهوية البالغة في الأجزاء التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا، والتي تشمل إدلب وأجزاء من ريف المحافظات المجاورة، وأقلّ من 200 سرير لوحدة العناية المركزة.
الدكتور “محمد شهم مكي” هو الشخص الوحيد في الأراضي التي يسيطر عليها الثوار في سوريا والذي يمكنه إجراءَ الاختبارات، عندما ينتشر COVID-19 في منطقة المعارضة، يمكن أنْ يموتَ أكثرُ من 100.000 شخص وفقاً لـ “خليل”، وتقولُ شبكة الإنذار المبكّر والاستجابة للإنذار (EWARN)، وهي مجموعة مراقبة الأمراض الوحيدة التي تعمل في هذا الجزء من سوريا أنّ ما بين 40 و 70٪ من السكان يمكن أنْ يصابوا بالعدوى، بناءً على معدلات الانتقال العالمية.
وفقاً لهذه التقديرات يمكن أنْ يصاب 1.2 مليون شخص على الأقلّ في إدلب بـ COVID19، كما يوضّح الدكتور “ناصر مهاوش” منسّق المراقبة في EWARN، كان اختبار فيروس كورونا وهو عامل رئيسي آخر في المعركة ضدّ انتشار الوباء بطيئاً في البدء، في كلّ سوريا التي تسيطر عليها المعارضة يمكن لطبيب واحد وجهاز واحد فقط إجراء اختبارات للفيروس، بعد أسابيع من الانتظار وصل 300 اختبار تمّ شراؤها من قِبل EWARN بشكلٍ خاص من مصنع تركي إلى مختبر مستشفى إدلب المركزي يوم الأربعاء، وقد قاموا حتى الآن باختبار أربع حالات مشتبه بها – وتبيّنَ أنّ جميعها سلبي.
وقالت منظمة الصحة العالمية إنّها ستقدّم أيضاً بعض مجموعات الاختبار لسوريا في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة حتى الآن، والتي لم تصلْ بعدُ بحسب أخصائيين طبيين في المنطقة، وتعرّضت المنظمة لانتقادات بسبب ردّها البطيء على احتمال إصابة الوباء للمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، في حين قامت بتسليم الاختبارات إلى دمشق.
يقول “خليل”: “مع فيروس كورونا وبدونه – ستستمر المعاناة في هذه المنطقة ولن يفعلَ أحدٌ ما عليه فعله لوقفِ هذه الكارثة، بشكل عام نعتقد أنّ منظمة الصحة العالمية وبعض الجهات المانحة لا يهتمون كثيراً لهذا الأمر”، فلقد أدّت الحرب الأهلية المستمرة في البلاد إلى عرقلة الاستجابة الصحية الطارئة وفقاً لمدير الطوارئ الإقليمي بالإنابة في منظمة الصحة العالمية “ريك برينان”، يقول “برينان”: “إنّ التأخير في توريد مجموعات الاختبار إلى شمال غرب سوريا لا يعني أيَّ تفضيل لجانب من النزاع على الآخر، حيث قد يختار البعض تفسيره”.
حتى في الأجزاء التي تسيطر عليها قوات النظام في سوريا لا تزال القدرة على الاختبار منخفضة، أبلغ النظام عن خمس حالات مؤكّدة فقط لكنّ الخبراء يتوقّعون انتشاراً أكبر، تلقت دمشق 1200 مجموعة اختبار من منظمة الصحة العالمية، وبحسب ممثل المنظمة في دمشق “د. نعمة سعيد عبيد” فقد تمّ استخدام 300 من هؤلاء، وتعتبر منظمة الصحة العالمية كلَّ سوريا دولة شديدة الخطورة في حالة تفشّي الوباء، ولديها أكبرُ عددٍ من النازحين في العالم وحربها وجّهت ضربة قوية لقطاعها الصحي.
إنّ مجموعة الخوذ البيضاء المعروفة رسمياً باسم الدفاع المدني السوري أصبحت على الخطوط الأمامية مرّة أخرى، اعتاد رجال الإنقاذ الآن على ارتداء سترات الخطر، وهم معتادون على سحب الناس من تحت الأنقاض مع قصفِ الضربات الجويّة على البلدات، يقول “ليث عبد الله” متطوع في الخوذ البيضاء: “هذا الوباء يجعلني مشغولاً طوال الوقت، وقد تغيّر عملنا الآن وهذا شيء لم نعتدْ على القيام به”.
قامت المجموعة بإعادة تدريب المتطوّعين لمكافحة مهاجم جديد غيرِ مرئي، يقوم المتطوّعون من ذوي الخوذ البيضاء بتطهير المدارس وملاجئ النازحين والمخيمات كإجراء وقائي ضدّ انتشار الفيروس، كما ساعدوا في إنشاء مرافق الحَجر الصحي بموارد محدودة، ويقول “أحمد أبو النور” متطوعٌ آخر: “إنّني قلق الآن بسبب إمكانية تشتيت قدرتنا بينما نواجه فيروس كورونا وعملية النظام المحتملة في نفس الوقت”.
تتمثل أحد الجهود الإنسانية الرئيسية في إدلب في رفع مستوى الوعي حول الإجراءات الوقائية لاحتواء انتشار الفيروس، تتنقلُ منظمة الإغاثة التركية (IHH) من خيمة إلى خيمة لتوضيح تدابير احتواء فيروس كورونا، وتقوم منظماتٌ غيرُ حكومية محلية أخرى بعمل مماثل، ولكن دون البنية التحتية الأساسية، لا يوجد الكثير الذي يمكن أنْ تقومَ به المنشورات التي تشدّد على أهمية غسل اليدين.
بالعودة إلى المخيم المؤقّت تخرج “فاطمة أم علي” من خيمتها وتشير إلى برميل بلاستيكي أزرق فارغ، إنّه تخصيص أسرتها للمياه، من المفترض أنْ تأتي شاحنة مياه إلى المخيم مرّةً في اليوم لتوزيع المياه، ولكنّ ناقلة المياه لم تصلْ اليوم والبرميل فارغ، “عندما يمر شخصُ ما بكلِّ ما مررْنا به من النزوح إلى القصف، هل تعتقد أنّ الفيروس سيحدث هذا الفارق؟”، تقول “أم علي”، استسلمتْ إلى مصيرها وقرّرتْ التمسّكَ بإيمانها، وتقول: “أخشى أنْ نمرضَ مثل أيِّ شخص آخر في العالم، ولكنّني لستُ خائفة لأنّني أثق بالله”.