(مترجم) صحيفةٌ بريطانيةٌ تنقلُ شهاداتَ نازحي إدلبَ.. لا نخشى الموتَ بل نخشى أنْ نكونَ تحتَ حكمِ الأسدِ مرّةً أخرى
نشرت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية تقريراً حول الأوضاع الإنسانية التي يعيشها النازحون في محافظة إدلب، وذلك بعد تهجيرهم من مدنهم ا لتي احتلّها نظام الأسد في جنوب إدلب، حيث التقت الصحيفة بعددٍ من المدنيين واستمعت إلى رواياتهم، وقد قام فريق الترجمة في شبكة المحرَّر الإعلامية بنشر التقرير مع الترجمة كاملاً:
“لم يتبقَّ شيء الآن”: يخشى السوريون في إدلب اقتراب النهاية
قال “ياسر عبود” وهو ينظر بعيداً على مقتنيات عائلته القليلة المتبقية الملقاة على أرضية الغرفة المفردة والتي تكون جزءاً من منزلهم في مدينة إدلب شمال غرب سوريا: “لم يتبقَّ شيء الآن، لا شيءَ على الإطلاق”.
كانت صرخةَ حسرةٍ على المنزل والمزرعة والوظيفة التي تركها هو وزوجته وأطفاله الثلاثة قبل شهرين هرباً من بلدتهم على بعد 15 كيلومتراً عن الطريق حيث سيطرت عليه قوات النظام بعد معارك شرسة، تمكّن من إنقاذ بعض صفائح الزيتون وبعض السجاد والوسائد والأواني والمقالي ودراجته النارية، باعوا غسالتهم وبعض ذهب زوجته.
الآن كانوا ينتقّلون إلى شقة في منطقة مليئة بالمباني المحطمة بسبب قصف قوات النظام، وسيتشارك هو وزوجته وثلاثة أطفال في المكان مع أكثر من اثني عشر من الأقارب، إنّهم عاطلون عن العمل في مدينة تعجّ بالآلاف من الأشخاص النازحين مثلهم، حيث بالكاد استطاعوا أنْ يبتعدوا عن الخطر.
مدينة إدلب هي آخر مدينة لا تزال تحت سيطرة المعارضة في سوريا، تقع في جيب ثائر يتقلّص في المنطقة الشمالية الغربية التي تحمل الاسم نفسه، تقلّصت الحرب في سوريا التي دخلت عامها العاشر يوم الاثنين في نطاق جغرافي مع التركيز على هذه الزاوية الصغيرة من البلاد، ولكن البؤسَ الذي أحدثه الصراع لم يتضاءل.
هناك مرحلة دموية وربّما أكثر كارثية تلوح في الأفق إذا مضت قواتُ النظام مدعومة من روسيا وإيران قُدماً في التهديدات باستعادة مدينة إدلب وما تبقى من الشمال الذي يسيطر عليه الثوار، والتي تكتظ بأكثر من 3 ملايين شخص، حيث أنّه على مدى الأشهر الثلاثة الماضية سيطرت قوات النظام على ما يقرب من نصف محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها، مما أجبر ما يقرب من مليون شخص على الفرار من منازلهم، نصفهم تقريباً إلى أجزاء أخرى من المحافظة، بما في ذلك مدينة إدلب خلال مراحل التقدّم اقتربت قوات النظام من ضواحي مدينة إدلب، وقصفت أجزاءً منها مجبرةً الآلاف على الفرار إلى الشمال.
وقال “عبود”: “أشعر أنّ كلَّ شيء قد انتهى، وهذه هجرة نهائية وليست نزوحاً، أشعر بالإحباط من العالم”، حيث تمّ إيقاف هجوم قوات النظام مؤقتًاً بموجب اتفاق وقفِ إطلاق نار روسي تركي، مما ترك سكان الجيب الثائر بما في ذلك مدينة إدلب في حالة من الرعب، إنّهم قلقون من أنّ وقفَ إطلاق النار لن يستمرَّ ويدركون جيداً أنّه من المحتمل أنْ يكونوا الهدف التالي لهجوم قوات النظام.
على الرغم من أنّ الغارات الجوية من قبل قوات النظام تضربها بانتظام، عانت المدينة من عنفٍ أقل بكثير من الأماكن الأخرى منذ عام 2015، عندما استولى الثوار عليها من قوات النظام، على مرّ السنين تدفّقت موجات متعدّدة من النازحين من مناطق معارضة أخرى استعادتها قوات النظام جنوباً، والآن أكثر من أجزاء أخرى من إدلب.
سافرت وكالة “أسوشيتد برس” إلى إدلب في رحلة مرتبة عن طريق السلطات التركية، وأثناء القيادة إلى مدينة إدلب شاهد الفريق حجم النزوح، حيث اصطفت عشرات الخيام على الطريق الرئيسي داخل المدينة، تمّ حشر عائلات أخرى في مباني مقصوفة أو في ملعب المدينة أو أبنية غيرِ مكتملة، وانتشرت المتاجر حول الجيب الذي يحمل أسماء مدن وبلدات مختلفة في سوريا، وهي رموز إلى المنازل التي تركوها وراءهم.
تمّ تشكيل المدينة عبر مراحل الصراع المختلفة، العديد من شوارع المدينة نظيفة ومصانة بشكل جيد من قبل إدارة المعارضة، ولكن في شوارع أخرى أصبحت المباني في حالة خراب، بعضها تحطّم في قتال سابق، والبعض الآخر قُصِف خلال الهجوم الأخير، يمكن للسكان أنْ يشيروا إلى المباني ويتذكّروا تاريخ ضربها، تحصل المدينة على ساعتين فقط من الكهرباء يومياً، وقال “عبود”: إنّه فضّل شراء الخبز على المزيد من الطاقة من المولدات.
إذا استأنفت قواتُ النظام هجومها، فإنّ كلَّ شيء هنا سيكون عرضة للخطر
في التطورات السابقة، كان أسلوب قوات النظام هو قصف المدن بلا هوادة، بما في ذلك مع الطائرات الحربية الروسية، استهداف المناطق السكنية وإجبار السكان على الخضوع، حيث عرض على السكان ونشطاء المعارضة والمقاتلين إما البقاء بموجب اتفاقات “المصالحة” أو إجلاءهم إلى الشمال الذي يسيطر عليه الثوار.
في إدلب، يخشى السكان بشكل كبير من العيش تحت حكم قوات النظام ولكن ليس لديهم مكانٌ آخر يهربون إليه، حيث ترفض تركيا فتح جدارها الحدودي لمزيد من اللاجئين، وقال “عبود”: إنّ قبول “المصالحة” أمرٌ غيرُ وارد، وقال وهو يحمل توأميهما البالغان من العمر عامين، إنّ عائلته هربت من مسقط رأسه في سراقب إنّه “لا يخشى الموت بل يخشى أنْ يكونَ تحت حكم الأسد مرّة أخرى”.
شارك “عبود” في المظاهرات المبكرة المناهضة للحكومة عام 2011 واعتقل بسببها، قُتل اثنان من أشقائه برصاص قوات النظام في عام 2012، قُتلت حماته في غارة جويّة في العام نفسه، وقال “عبود”: “إذا استولى الأسد على إدلب، فسوف نهرب إلى تركيا، وسوف ننام تحت الجدار الحدودي، الشيء الأكثر أهمية هو أنّنا لن ندخلَ الأراضي التي تسيطر عليها قوات الأسد”.
وقال “مصطفى برو” وهو قائد فصيل ثوري مدعوم من تركيا من حلب، والذي أرسل الآن قوات إلى إدلب، إنّ مقاتليه لم يفقدوا إيمانهم، وقال: “نحن في وضع أسوأ مما كان عليه في عام 2014، عندما سيطر الثوار على أكثر ما يقارب من نصف سوريا، ولكنّنا في وضع أفضل من عام 2011 عندما لم يكن لديهم أرض يسيطرون عليها، لا يزال لدينا مساحة للعمل من خلالها”.
أدّى التهجير الهائل الذي حدث في الأسابيع الماضية إلى إعاقة تسليم المساعدات الدولية إلى هذه المنطقة، حيث يتلقّى 1.5 مليون شخص المساعدة الغذائية، وقال مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية “كيفين كينيدي” وهو أيضاً منسّق الشؤون الإنسانية الإقليمي لسوريا: إنّه في كانون الثاني وحده تم إرسال 1227 شاحنة عبر الحدود من تركيا، وهو أكبر عددٍ من العمليات عبْرَ الحدود منذ سبع سنوات.
سمحَ وقفُ إطلاق النار بزيادة عمليات التسليم، ولكن كينيدي حذّر من أنّ استئناف الأعمال العدائية في المنطقة الحضرية المكتظة بالسكان يعني المزيد من النزوح، وقال: “الاحتياجات هائلة للغاية، وستظل هناك فجواتٌ للأسف”.
في مستشفى إدلب المركزي، استلقى “عبد الله الحسن” على سرير في ألم شديد، لقد فقدَ ساقيه الأسبوع الماضي عندما عاد إلى قريته آفس لتفقد المنزل الذي فرّ منه حيث داس على لغم مزروع في المنزل، أصيبت يده أيضاً ووجهه امتلئ بالجروح.
حيث تقع بلدة آفس على الطريق السريع الاستراتيجي الذي كان الهدف الرئيسي الأول لقوات النظام في هجومها حيث تمّ تدميرها وتهجير أهلها بشكل كامل، وقد نُهِب منزلُ “عبد الله” حتى أنّه تم تجريده من الأسلاك المعدنية، وقال إنّ المذبحة ستكون مشابهة إذا بدأ الهجوم على مدينة إدلب، فلا يمكن لأحد أنْ يبقى بمجرد أنْ يبدأ مثل هذا الهجوم، يجب أنْ يغادر الجميع، إذا بقي أيُّ شخص فإنّه لن يفلتّ من قبضة قوات النظام”.
في وسط مدينة إدلب لجأت حوالي 90 عائلة نازحة إلى بناء مهجور، فرّوا إلى هنا من معرة النعمان، وهي بلدة رئيسية في إدلب سيطرت عليها قوات النظام في كانون الثاني، وقال “حسام عجاج” وهو عضو الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، والذي كان من بين أول من انتقل مع عائلته: “لم نستطعْ تحمّل الإيجار، فتحنا باب البناء المهجور ودخلنا”.
تعيش العائلات رجالاً ونساءً فوق بعضها البعض في غرف البناء، وهي مقسّمة عبْرَ أغطية معلّقة وبطانيات إلى مناطق للنوم والطهي والاستحمام، والتي لا توفّر أدنى خصوصية، حيث تشارك “فداء” (44 سنة)، وابنتها “هبة” (20 عام) نفس الغرفة مع 11 من أقاربها، في اليوم الذي زارته وكالة “أسوشييتد برس” كانوا يحشون الكوسا والباذنجان في منطقة المعيشة الخاصة بهم، حيث يقومون أيضاً بالطهي والاستحمام، بالتناوب مع المراقبة للتأكّد من عدم تطفّل أحد، فقدَ أخُو “هبة” الصغير قدمَه جرّاء إصابة حرب حيث ينام في غرفة خلف المطبخ، ونام طفل آخر مصاب بمتلازمة داون بجانب طبخ النساء.
لقد قاوموا منذ فترة طويلة الفرّار من ديارهم خارج معرة النعمان في وقت مبكر من الحرب، عندما كانت هبة في الثانية عشرة غادروا لمدّة ستة أشهر لكنّهم عادوا، في وقت سابق من عام 2019 نزحوا لمدّة 20 يوماً ولكنهم عادوا مرّة أخرى، عندما تقدّم النظام على معرة النعمان في كانون الأول انتقلوا إلى الكهوف بجوار منزلهم مباشرة، على أمل أن تكونَ مؤقّتة مرة أخرى.
عندما ضربت غارة جويّة جانب الكهف مباشرة عرفوا أنّه يجب عليهم المغادرة، لقد تخلوا عن مزرعتهم الكبيرة المليئة بالزيتون والعنب ليعيشوا في ازدحام في السجن، وقالت “فداء”: “نحن لا نحب كلمة النزوح”، وأضافت ابنتها: “إنّه أمر مخجل، نحن نحب مدينتنا”، وقالت “هبة”: إنّها “لا تستطيع أنْ تنسى يوماً واحداً منذ عام 2011، كلُّ يوم يتّسم بالعنف والخسارة، كانت قلقة على أطفالها، وهم أطفال يبلغون من العمر 3 أعوام و 2 عام، ولا يمكنها السماحَ لهم بالخروج بسبب الغارات الجوية”، مضيفةً: “نحن ننام في خوف، أنا لا أتخيل أنّه سيكون هناك مستقبل، لا أتخيل أنّنا سننجو من هذه الحرب على قيد الحياة”.