مركزُ السياسةِ العالميةِ: الخلافاتُ بين روسيا وتركيا في سوريا ممكنٌ أنْ تتحوّل إلى معركةٍ
يتزايد التوترُ في العلاقات الروسية التركية على مختلف الجبهات سواء في سوريا أو ليبيا، وإنْ حاول كلٌّ من الرئيسين الروسي “فلاديمير بوتين” والتركي “رجب طيب أردوغان” التظاهر بغير ذلك.
ويتوقّع مركز السياسة العالمية أنْ يتجدّد القتال في المستقبل القريب بين الدولتين وحلفائهما في سوريا، مؤكّداً أنّ الاتفاقات الروسية والتركية والتي كان آخرها إنشاء دوريات مشتركة في شمال شرق سوريا ما هي إلا ضمادة مؤقّتة.
ويرى المركز أنّ الأهداف الروسية والتركية غيرُ متوافقة، فتركيا تريد إنشاء منطقة عازلة كبيرة شمالي سوريا تحت رعايتها تسمح للاجئين بالعودة، وتمنع أكراد سوريا من الارتباط بأكراد تركيا.
على عكس رغبة تركيا في منطقة عازلة، تهدف روسيا إلى بسط سيطرة “بشار الأسد” قدر الإمكان في جميع أنحاء سوريا، على الرغم من أنّ النظام يواجه حالياً العديد من العقبات.
يتزامن هذا مع توتّر العلاقات بين دمشق وموسكو، فروسيا ليست سعيدة بسياسات “الأسد” غيرِ المرنة، وهو الذي يصرّ على استعادة سلطته دون أيِّ مصالحة سياسية مع أي فصيل، هذه التصرفات دفعت روسيا إلى انتقاده علناً، وإنْ كان ذلك عبر وسائل إعلامها وليس عبْرَ القنوات الرسمية.
كما تشهد روسيا أيضاً انقسامات بين صانعي السياسة لديها، وتتحدّث تقارير عن وجود خلاف بين وزارة الدفاع وأجهزة المخابرات العسكرية مع وزارة الخارجية ومراكز البحوث التابعة لها حول كيفية مواصلة التعامل مع الصراع في سوريا.
ويُظهر النقد العلني لـ “بشار الأسد” أنّ عناصر الحكومة الروسية الذين خاب أملهم منه حصلوا على غطاء سياسي للتعبير عن آرائهم حول عدم مرونته وفساده علناً لتحذيره من أنّ دعمه في موسكو قد لا يكون ثابتاً.
لا يزال هدف موسكو الأول هو الحدّ من العمليات التركية في شمال سوريا، لذلك تقوم بإنشاء قاعدة جوية جديدة لطائرات الهليكوبتر في محافظة الرقة، وهو تحذير مستتر من أنّ روسيا لن تسمح ببساطة لتركيا بتوسيع تدخلها العسكري في المنطقة.
ويعتقد المركز أنّ كلاً من موسكو وأنقرة لا يستطيع تحمل التصادم مباشرة مع بعضها البعض، مشيراً إلى أنّ الاشتباكات التي وقعت في شباط وآذار أظهرت أنّ القوات التركية لا تزال قادرة على إلحاق الضرر بالقوات الروسية من خلال ضربات الطائرات بدون طيار، على الرغم من خسارة تركيا 10 طائرات مسيّرة على مدى ثلاثة أيام خلال القتال.
ويأتي جزء من تفوق تركيا في سوريا بسبب قدرتها على التهديد بإغلاق المضيق التركي أمام السفن التجارية أو العسكرية الروسية، وستضطر حينها القوات الروسية في سوريا أنْ تعتمدَ على الأجواء العراقية أو الإيرانية، لأنّ تركيا لن تسمح بذلك.
وقد استخدم أردوغان هذا التكتيك خلال الأزمة الأخيرة، مهدّداً بإغلاق المضيق أمام السفن الروسية في محاولة لإجبار موسكو على اتخاذ قرار التفاوض، حيث ردّت موسكو بإرسال خمس فرقاطات وسفينة هبوط برمائية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.
ويعتقد بعض المراقبين أنّ التفوق العسكري الشامل لروسيا على تركيا في سوريا، لا يُترجم إلى قوة متفوقة على الأرض في شمال غرب سوريا، إضافة إلى أنّ الاشتباك المباشر في سوريا ليس له نتائج مضمونة من وجهة نظر موسكو أو أنقرة.
من خلال حساب كلّ هذه العوامل، بالإضافة إلى وجود القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا، وتصميم إسرائيل القوي على منعِ أيِّ حشد إيراني في سوريا، يصبح من الواضح أنّ نهاية الحرب ليست في الأفق، كما تظهر أنّ الصراع ليس مجرد حرب أهلية، بل هي حرب بالوكالة للقوى العالمية والإقليمية الكبرى، وربّما ستبقى كذلك على المدى الطويل.