إيكونوميست: تركيا كبّدتْ قواتُ الأسدِ خسائرَ فادحةً في إدلبَ
نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريراً تحت عنوان “المعركة من أجل إدلب”، تقول فيه إنّ قوات الأسد كانت جيدة في سرقة الثلاجات لا قتال الفصائل الثورية، لكنّه بعد عقد من الحرب بدا وكأنه قد تعلم أساليب جديدة، فبدلاً من إرسال دبابات بمفردها لتسير في داخل التلال، فإنّ بعض الوحدات التي تقاتل في إدلب عملت معاً، وقاتلت الدبابات المدعومة بقوات المشاة.
ويضيف التقرير، بحسب ما ترجمته “عربي21″، بأنّ “لقطات فيديو بالأسود والأبيض ظهرت في الأيام الأخيرة، وصورت كيف تمّ سحق الدبابات من الجوّ، حيث كان طاقمها عاجزاً عن القتال”.
وتشير المجلة إلى أنّ قوات الأسد تعوّدت في الفترات الماضية على مواجهة مقاتلي المعارضة، الذين تنقصهم المعدّات، إلا أنّه يواجه الآن ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، وبدأت المواجهة في 27 شباط، عندما ضربت غارةٌ جويةٌ قافلةً تركية، وقتلت 36 جندياً تركياً، وهو أكثر هجوم قاتل ضد القوات التركية منذ أكثر من عقدين، ولم يُعرَفُ بعدُ إنْ كان الطيران السوري أو الروسي هو الذي ضرب القافلة، إلا أنّ تركيا قرّرت الردَّ بوابل من الطائرات المسيّرة والقصف المدفعي، ما شكّل أسوأ ضربةً لقوات الأسد منذ سنين، ووضع هذا الهجوم تركيا على شفير المواجهة مع الاحتلال الروسي، الداعم لنظام الأسد.
ويلفت التقرير إلى أنّ قادة كلٍّ من تركيا والاحتلال الروسي عقدوا اجتماعاً، مشيراً إلى أنّ الرئيس رجب طيب أردوغان دخل المفاوضات بموقفٍ أقوى مما كان عليه الأسبوع الماضي، فهو يريد إيقاف نظام الأسد ومنعه من السيطرة على إدلب، ما سيدفع ملايين اللاجئين منها باتجاه الحدود.
وتجد المجلة أنّ فلاديمير بوتين وجدَ نفسه عالقاً بين أردوغان الغاضب ورأس نظام الأسد المتمرّد، وهو بهذه الحالة لا يمكنه تقديمُ الكثير، فربّما اتفق هو وأردوغان حول رسم جديد لفصل القوات التركية عن قوات الأسد، أو على اتفاق معدّل لِما تمّ الاتفاق عليه في سوتشي عام 2018، الذي انهار سريعاً، وقد يؤخَّر أيُّ اتفاق ساعة الحساب، وربّما كان كافياً لوقفِ النزيف الحالي، وربّما نفع التدخل التركي، على المدى البعيد الاحتلال الروسي، حيث سيظهر لنظام الأسد أنّه لن يبقى دون دعمه.
ويقول التقرير إنّ “هذا يجب أنْ يكونَ واضحاً للأسد، مع أنّه لا توجد أرقام حول خسائره، خاصة أنّ لدى كلِّ طرف مصلحةً في المبالغة فيها، مع أنّ الموالين للنظام يتحدّثون عن قتلِ مئات الجنود السوريين جرّاء الغارات التركية، ومن بين القتلى مقاتلون من حزب الله الذي دعم نظام الأسد، بالإضافة للميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران، وتضم مقاتلين من أفغانستان وباكستان، وكشفَ شريط فيديو نشر على منصّات التواصل الاجتماعي عن محاولة يائسة للقوات السورية في سيارة إسعاف (وهذا وحده جريمة حرب) الاختفاء من الغارات الجوية، وتمّ تدميرُ أعداد من الدبابات السورية أو غنمِها”.
وتنوّه المجلة إلى أنّ تركيا ضربت ضربتها من خلال الطائرات المسيّرة، وتحلّق ببطء وعلى ارتفاع منخفض، وهي ليست بمستوى الطائرات الأمريكية “ريبر”، إلا أنّها تحمل كمياتٍ من المتفجرات الكافية لتدمير دبابات نظام الأسد، ولم يكنْ النظام الدفاعي لقوات الأسد قوياً بما فيه الكفاية، وبدا عاجزاً أمام أسراب الطائرات التركية المسيّرة التي كانت تحلّق في الجو، وبعد إسقاط قوات الأسد طائرة مسيّرة تركية قامت طائرة أف-16 بإسقاط مقاتلتين لقوات الأسد.
ويفيد التقريرُ بأنّه “كان بإمكان الأتراك عمل هذا؛ لأنّ الروس وقفوا متفرّجين، وفي 29 شباط طلب أردوغان من الروس (عدم الوقوف في طريقه) في إدلب، ووافق بوتين بشكلٍ مؤقّتٍ، وترك تركيا تنتقم لقتلاها، ولم تقمْ المقاتلات الروسية بأيِّ طلعات جوية خلال العملية التركية، وكان بوتين معنياً بالعلاقات العسكرية والاقتصادية مع تركيا أكثر من اهتمامه بسوريا، وهو يرغب بإخراج تركيا من الناتو والاتحاد الأوروبي، إلا أنّه لا يستطيع تهدئة تركيا للأبد لأنّه لا يريد سقوط الأسد”.
وتشير المجلة إلى أنّ قوات الأسد كان قبل العملية التركية في إدلب في طريقها للسيطرة على كامل سوريا، وحشدَ الاحتلال الإيراني وميليشيا “حزب الله” قواتهما الآن من أجل مساعدة نظام الأسد، ولن يسمحَ بوتين بذبحِ قوات الأسد؛ لأنّ هذا يضرُّ بمصداقية الاحتلال الروسي، وربّما أجبِر الكرملين على إرسال تعزيزات لحماية مكاسب نظام الأسد.
ويلفت التقرير إلى أنّ “بلدة سراقب أصبحت النقطة الرئيسية للمواجهات الأخيرة، وهي تقع على طريق M5، الذي يُعدّ الشريان الرابط لدمشق وحلب، التي كانت يوماً ما عاصمة التجارة في البلاد، وفي خلال الشهر الماضي تبادل نظام الأسد والمعارضة السيطرة عليها، وهي الآن في يد نظام الأسد.
وأعلنت وزارة دفاع الاحتلال الروسي في 2 آذار عن خططٍ لنشر الشرطة العسكرية فيها، التي لن تجدَ من تحرسه، خاصة أنّ سكان سراقب فرّوا منها، إلا أنّ وجود الشرطة العسكرية سيحدُّ من قدرة تركيا على التحرّك، إلا إذا كانت مستعدة لمواجهة مباشرة مع الاحتلال الروسي.
وترى المجلة أنّ هذا غيرُ محتمل، خاصة أنّ الناتو لا يدعم هذا الأمر، فلا هو أو الولايات المتحدة يتطلّعان إلى مواجهة جديدة في الشرق الأوسط.
وتختم “إيكونوميست” تقريرها بالقول إنّ “أردوغان وبوتين يواجهان المعضلة ذاتها، فهما يريدان احتواء النزاع، وترْكَ إدلب منطقة عازلة بين المناطق التي تسيطر عليها تركيا وتلك التابعة لنظام الأسد، ويشير الخبير فلاديمير فرولوف إلى “دونباس” في أوكرانيا بصفتها نموذجاً، ونظام الأسد الطامح لاستعادة آخر شبر من مملكته المحطّمة قد يتراجع اليوم، لكن لا أحد لديه الحلّ الحقيقي لإدلب ولا لملايين الجوعى اليائسين العالقين فيها”.