أزمةُ خبزِ في سوريةَ .. نظامُ الأسدِ يمهّدُ لرفعِ الدعمِ؟
تفاقمت أزمةُحادةٌ بنقص الخبز في مناطق سيطرة نظام الأسد ما أدّى إلى ارتفاع سعر ربطة الخبز في الأسواق (أقل من 2 كلغ) من 50 إلى 1000 ليرة سورية، وذلك بعدَ تراجع مخزون الدقيق في مخازن وزارة التجارة الداخلية التابعة للنظام، بحسب ما أكّدت مصادر خاصة من دمشق لـ”العربي الجديد”.
وأضافت المصادر، أنّ “أزمة الخبز مستمرّة منذ أيام، بعد إعلان حكومة نظام الأسد فشلِها في حلِّ المشكلة”، مبيّنةً أنّ بعض المناطق والمدن السورية لم يصلْ إليها الخبز منذ يومين، ومنها الغزلانية بريف دمشق ومدينة درعا جنوبي سورية.
وأكّدت المصادر أنّه نتيجة قلّة عرض الخبز من الأفران الحكومية والخاصة وتراجع الإنتاج إلى أكثر من النصف، شاعت تجارة رغيف الخبز في الشوارع وحتى أمام الأفران، ما قفزَ بسعر الخبز إلى مستويات قياسية.
وأوضحت المصادر أنّ السبب الأول الذي زاد من أزمة الخبز وارتفاع سعره يعود إلى تأخّر وصول القمح الذي تعاقدت عليه حكومة نظام الأسد مع الاحتلال الروسي بتوريد 200 ألف طن، وتأخر مناقصة من الدول الأوروبية بالكمية نفسها، ما دفع المؤسسة العامة للحبوب في سورية إلى إعلان حاجتها، وبالسرعة الكلية، إلى توريد كمية 15 ألف طن بسعر 230 دولاراً للطن على ظهر الباخرة إلى المرافئ السورية، على أنّ تتكفّل الحكومة بالتخليص والإدخال والتوزيع.
أما السبب الثاني، بحسب المصادر، فيتمثل في تراجع إنتاج القمح في سورية من نحو 4 ملايين طن إلى أقلّ من 1.5 مليون طن واستلام نظام الأسد نحو 500 ألف طن فقط من الإنتاج، ما دفع نظام الأسد منذ الربيع الماضي إلى توزيع الخبز عبْرَ البطاقة الذكية بمعدل أربع ربطات للأسرة الواحدة، ويدرس الآن تخفيض الكمية إلى النصف.
وزعم المدير العام للمؤسسة السورية للمخابز التابعة لنظام الأسد زياد هزاع أنّ سببَ الازدحام الحاصل على الأفران إلى توقّف بعض مخابز القطاع الخاص عن العمل نتيجة أعمال الصيانة واستجرار الدقيق بطرقٍ غير مشروعة، وبالتالي التوجّه إلى المخابز العاملة الأخرى.
وأضاف خلال تصريحات صحافية أمس الأحد، أنّ اعتماد بعض المطاحن على القمح القاسي يؤدّي إلى توقف بعض الخطوط نتيجة واقع الكهرباء وتذبذبها.
وبحسب العامل السابق في محافظة دمشق، المهندس “محمد شباط”، فإنّ هذه “ذرائع واهية”، وأكّد أنّ السبب الحقيقي نقص القمح والطحين وانتشار الفوضى وبيع الطحين في الأسواق بأضعاف سعره.
وكشف “شباط” أنّ وزارة التجارة الداخلية عاجزةٌ عن تأمين مخصّصات الأفران، ما خلق سوقاً موازياً للخبز وبيع “الربطة بألف ليرة” على مرأى ومسمع دوريات التموين أمام أفران ابن العميد بمنطقة ركن الدين في دمشق.
وأضاف أنّ هناك دراسة في محافظة دمشق الآن لتخفيض مخصّصات الأسرة من الخبز إلى النصف وتخفيض بيعه لمن لا يحمل بطاقة ذكية وفصل بطاقات الريف عن المدينة بعدَ اعتماد موزعين وإعطائهم هامش ربح 10 ليرات للربطة الواحدة.
ويعاني معظم السوريين من ضعف القدرة على الوصول إلى المواد الغذائية، بعد ارتفاع الأسعار بنحو 13 ضعفاً خلال سنوات الثورة ووصول متوسط إنفاق الأسرة إلى نحو 450 ألف ليرة، بحسب مركز قاسيون للأبحاث من دمشق، في حين لا يزيد متوسط الأجور عن 50 ألف ليرة.
وكان مايك روبسون، ممثل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة في سورية قد أكّد أخيراً أنّ “ثمة أدلّة بالفعل على أنّ الناس بدؤوا يستغنون عن وجبات”، مضيفاً: “إذا ظلت العملة تحت ضغط فسيكون من الصعب الحصول على الواردات، وربما تشهد الشهور التي تسبق محصول القمح لعام 2021 نقصاً حقيقياً”.
وتشير بيانات برنامج الأغذية العالمي إلى أنّ عدد الذين “لا يشعرون بالأمن الغذائي” في سورية ارتفع من 7.9 ملايين فردٍ إلى 9.3 ملايين فردٍ عام 2020.
ويرى الاقتصادي السوري، “محمود حسين”، أنَّ الغلاء وقلة العرض، على صعيد الخبز خاصة، والذي رفع نظام الأسد سعره ثلاث مرات منذ الثورة عام 2011، إنّما هو مقدمة لسحب حكومة النظام دعمها لهذه المادة، بعد أنْ أدخلتها منذ أشهر في مقدّمة التوزيع المقنن عبْرَ البطاقة الذكية، إلى ما دون حاجة الأسرة السورية.
وأضاف أنّ استيراد القمح بالعملات الأجنبية كشف عن الأزمة المالية الخانقة لنظام الأسد، بعد تبديد الاحتياطي الدولاري من المصرف المركزي والذي كان يزيد عن 18 ملياراً عام 2011، والأرجح أنّ يُتركَ تأمينُ القمح والدقيق للتجار بعد أنْ طبّق هذه التجربة على المشتقات النفطية.
وحوْلَ توقعِ ارتفاع الأسعار إنْ سحبت حكومة نظام الأسد الدعم عن الخبز، يتوقّع الاقتصادي السوري أنْ يرتفع سعره بنسب تهاوي سعر الليرة، كما حدث للمواد التي سحبت الدولة عنها الدعم، مثل السكر والأرز.