إسرائيلُ تنقذُ مقاتلي حزبِ اللهِ لتفاديِ الحربِ

كان شريط الفيديو المسجّل لاستهداف إسرائيل سيارة شيروكي سوداء تابعة لحزب الله اللبناني، حيث خرج ثلاثة من عناصر حزب الله من السيارة قبل الاستهداف، وبعد ذلك بوقت بدا أنّهم يعرفون أن لديهم الوقت، عادوا للحصول على حقائبهم، وذهبوا بعيداً قبل أنْ يأتيَ صاروخ ثانٍ ليستهدف السيارة مباشرة”، الشيء اللافت هو أنّه لم يُقتل أو يُجرح أحد في الهجوم الإسرائيلي على فريق حزب الله في سوريا الأسبوع الماضي.

وبحسب عددٍ من المسؤولين الإسرائيليين والشرق أوسطيين الحاليين والسابقين، تبنّت إسرائيل سياسة تحذير عناصر حزب الله في سوريا قبل قصفِ قوافلهم لتجنّبِ قتلهم والمخاطرةِ بحرب مدمّرة في لبنان، وكشفَ الهجوم الذي تمّ تصويرُه عن تغير في قواعد الاشتباك غير الرسمية بين إسرائيل وحزب الله (الجماعة المسلحة اللبنانية)، في الوقت الذي يستعد فيه كلا الجانبين لما يمكن أنْ يكون الحرب الكبرى التالية بينما يحاولون تجنّبها.

وتعكس سياسة إسرائيل التحذيرات قبلَ الضربة في سوريا، والتي لم يتمّ الإبلاغ عنها من قبل، خوفَها من إشراك ترسانة الصواريخ الضخمة لحزب الله حتى عندما تحاول رسم خط أحمر لمنع حزب الله من الحصول على صواريخ موجّهة بدقّة وتطويرها، وهو ما تراه كتهديد إستراتيجي.

لقد امتد الصراع المستمر منذ عقود بين إسرائيل وحزب الله الذي تدعمه إيران وتلتزم بتدمير الدولة اليهودية، عبْر منطقة أوسع من الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، حيث كثّف حزب الله من تدخّله في سوريا والعراق وأماكن أخرى، واستمرت إسرائيل في تتبعه.

وبينما لم تتردّد إسرائيل في قتلِ الإيرانيين في سوريا، حيث سمحت فوضى الحرب التي استمرت تسع سنوات لمجموعة من القوى بالعمل، امتنعت إلى حدٍ كبير عن قتلِ أعضاء في حزب الله، وقال مسؤول من التحالف الإقليمي المؤيد لإيران إنّ عناصر حزب الله في سوريا تلقّوا مكالمات هاتفية مفاجئة من المسؤولين الإسرائيليين تحذّرهم من إخلاء السيارة قبلَ قصفِها.

وقال مسؤول استخبارات إنّ أول صاروخ أُطلق على جيب حزب الله الأسبوع الماضي كان خطأً متعمداً، وهي طلقة تحذيرية تهدف إلى إجبار الرجال على الفرار، ولكنّ المسؤول الكبير في المخابرات الشرق أوسطية قال إنّ الفكرة هي إخبار حزب الله “يمكننا رؤيتك حتى لو لم نقتلك”.

كما امتنع حزب الله، على الرغم من خطابه الساخن حول تدمير الدولة اليهودية، عن قتلِ الإسرائيليين في السنوات الأخيرة، على ما يبدو خوفاً من حربٍ يمكن أنْ تدمّرَ الكثير من لبنان.

“أمين حطيط”، عميد متقاعد في الجيش اللبناني ومقرّب من حزب الله، قال إنّ هذه البادرة هي طريقة لحزب الله لإرسال رسالة غيرِ فتّاكة إلى إسرائيل، وتثبت أنّ عناصرها يمكن أنْ يعبروا الحدود إذا اختاروا، وقال الجنرال “حطيط” إنّه بما أنّ الضربة الإسرائيلية لم تسفرْ عن مقتل أحدٍ، فإنّ ردّ حزب الله جاء دون وقوع إصابات.

وقالت “رندة سليم”، زميلة كبيرة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: “هذه هي الحربُ الجديدة، سيكون هناك استهداف دقيق للأفراد والنشطاء الرئيسيين فيما تعتبره إسرائيل تهديدًا وجوديًا لأمنِها، وهو الصواريخ الموجّهة الدقيقة لدى حزب الله”، ولكنّها أضافت أنّ أسلوب الطلقات التحذيرية والجهود المبذولة لضربِ المعدّات بدلاً من الناس قد تصل إلى إسرائيل حتى الآن فقط، أما إذا كان مشروع الصواريخ الموجّهة بدقّة يسير بالمعدل الذي يقوله الإسرائيليون، فسيبدؤون في النهاية بقتلِ هؤلاء الناس”.

يمتلك حزب الله ترسانة من الأسلحة تزيد على 100000 صاروخ يمكن أنْ تصلَ إلى جميع أنحاء إسرائيل، ويقول المسؤولون إنّ نظام الدفاع الصاروخي بالقبة الحديدية الإسرائيلية لن يكونَ قادرًا على إسقاط مجموعة كبيرة من الصواريخ التي يتمّ إطلاقها في وقت واحد، ويعتمد دفاع إسرائيل جزئيًا على حقيقة أنّ الصواريخ ليست دقيقة للغاية.

ولكن إسرائيل تؤكّد أنّ حزب الله يحاول بناءَ صواريخ موجّهة، والتي يمكن أنْ تستهدفَ المنشآت الرئيسية مثل القواعد العسكرية والمباني الحكومية أو محطات الطاقة، وسيكون من شبه المستحيل صدّها ، وشنّت إسرائيل العديد من الغارات الجوية في سوريا، على ما قالت إنّها قوافل أسلحة متّجهة إلى حزب الله، من أجل دفعِها إلى التراجع ولإخبارها بأنّ إسرائيل لن تقبلَ أسطولاً من الصواريخ الذكية على حدودها.

في آب الماضي أرسلت إسرائيل طائرة مسيّرةً مفخّخة إلى قلبِ حيّ يسيطر عليه حزب الله في بيروت لتدمير ما وصفه المسؤولون الإسرائيليون بأنّه آلة حيوية لجهود إنتاج الصواريخ الدقيقة، وقال المسؤول الشرق أوسطيين إنّه من أجل تجنّب قتلِ أعضاء حزب الله، حيث وقعَ الهجوم قبل الفجر عندما لم يكن هناك أحدٌ.

إنّ أسلوب التحذير امتداد لإحدى الطرقِ التي ابتدعتها إسرائيل في غزّة، عندما أراد الجيش الإسرائيلي تدمير مخابئ الأسلحة المخبّأة في منزلٍ مدني، فإنّه سيسقط متفجّرات غيرَ متفجّرة أو منخفضة الطاقةِ على السطح لتحذير السكان بالمغادرة قبل قصف المبنى، ويُعرف هذا التكتيك بـ “الطرق على السطح”.

ومع دخول حزب الله إلى سوريا، أولاً لتعزيز قوات بشار الأسد ضدّ المعارضة، وثانياً لتوسيع الجهاز العسكري للجماعة الموجّه إلى إسرائيل، بدأت إسرائيل باستخدام التقنية هناك أيضاً، عند تطبيقه على المركباتِ مثل غارة الطائراتِ بدون طيار الأسبوع الماضي، كانت جيب شيروكي التي ضُرِبَتْ الأسبوعَ الماضي قد عبرت للتّو من لبنان إلى سوريا على الرغم من إغلاق الحدود بسببِ جائحة الفيروس التاجي، وليس لديها لوحاتُ ترخيص.

كان عضوٌ كبير في حزب الله “عماد كريمي” في السيارة، وفقاً لعضو التحالف الإقليمي المؤيد لإيران والمسؤول الكبير في الشرق الأوسط الذي تحدّث مثل المسؤولين الآخرين الذين تمّت مقابلتهم في هذا المقال بشرط عدم الكشفِ عن اسمه لمناقشة مسائل المخابرات، وقال مسؤول المخابرات إنّ السيد “كريمي” يعمل مع وحدة تابعة لحزب الله مسؤولة عن تهريب أسلحة متطوّرة.

قتلت الغاراتُ الجوية الإسرائيلية في سوريا في السنوات الأخيرة مئات الإيرانيين والسوريين والميليشيات المدعومة من إيران من العراق وأماكن أخرى، لكنّ هذه الضربات قتلت ما لا يقل عن 16 من عناصر حزب الله منذ عام 2013، وفقاً لعضو المحور السوري المؤيّد لإيران في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى