إغلاقُ الحدودِ التركيةِ السوريةِ بسببِ كورونا يحرمُ مرضى السرطانِ في إدلبَ من العلاجِ

مئات الأشخاص الذين اعتمدوا على العبور من محافظة إدلب التي تعرّضت للضرب في شمال غرب سوريا إلى تركيا لتلقّي العلاج الطبي المنقذ للحياة تُركوا لمدّة شهرين بسبب إغلاق الحدود نتيجة فايروس كورونا، وهم غيرُ متأكّدين متى وإذا كان بإمكانهم الحصول على المساعدة مرّة أخرى.

لم يكن الدخول إلى تركيا خيارًا للغالبية العظمى من المدنيين السوريين لسنوات، ولكن تمّ منحُ استثناء للمرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة – مثل السرطان – التي يصعب علاجُها، وغالبًا ما تكون مكلفة في مستشفيات وعيادات إدلب التي دمّرتها الحرب.

يمكن لهؤلاء المرضى عبور الحدود في باب الهوى للحصول على رعاية مجانية في تركيا بإذن من الحكومة التركية، وبحسب الأرقام الصادرة عن السلطات المسؤولة عن الجانب السوري من المعبر، دخل أكثرُ من 500 مريض تركيا لتلقّي العلاج في شباط.

كان ذلك حتى – لاحتواء انتشار فايروس كورونا – أغلقت الحكومة التركية شريان الحياة في منتصف آذار، بعد ثلاثة أيام من تأكيد أنقرة أول حادثة كورونا، وقبلَ أسبوعين من إبلاغ دمشق عن حالاتها الخاصة.

من بين الأشخاص المحاصرين في إدلب الآن فيصل المصطفى البالغ من العمر 43 عامًا والذي يعيش مع زوجته وأطفاله التسعة في مخيم خيام مترامي الأطراف على طول الحدود، قبل ستة أشهر في ذروة قصف نظام الأسد المدعوم من روسيا للمنطقة الشمالية الغربية التي يسيطر عليها المعارضون، قام الأطباء بتشخيص إصابته بسرطان الدماغ.

وكان الهجوم الذي استمر تسعة أشهر قد أوقفه وقفُ إطلاق النار في آذار، ولكن ليس قبل أنْ يضطّرَ مليون شخص إلى الفرار في الأشهر الثلاثة الأخيرة، قُتل أكثر من 1750 مدنيًا، ودُمرت المستشفيات والعيادات في إدلب والمناطق المحيطة بها – التي يقطنها ما يقدّر بثلاثة ملايين شخص.

نجا المصطفى من القصف لكن أنباء عن إصابته بالسرطان كانت بمثابة صدمة، كانت هناك فرصة ضئيلة للعثور على الرعاية المعقّدة التي يحتاجها في إدلب، وحتى لو كان هناك مستشفى قادر على استقباله، لم يكن لديه أيُّ أموال لدفعها، منذ فراره من مسقط رأسه جنوبًا في عام 2014، حيث قضى المصطفى رزقه كمزارع، كان يعيش من خلال اقتراض المال من الأقارب.

مثل مئات الأشخاص في شمال غرب سوريا الذين يعانون من السرطان ومجموعة من الأمراض المزمنة الأخرى، تمّ السماح لمصطفى بدخول مستشفى تركي عبْرَ معبر باب الهوى الحدودي، مع دفع الفاتورة من قِبل الحكومة التركية، بعد عدّة أشهر من العبور ذهابًا وإيابًا للحصول على رعاية طبية مجانية في مستشفى في أنطاكيا في تركيا، بما في ذلك الجراحة والعلاج الكيميائي وإقامة لمدّة ثلاثة أشهر.

قال الأطباء في إدلب إنّه منذ منتصف آذار، حيث تضاعفت حالات كورونا في تركيا وسوريا، لم يُسمح بدخول سوى عددٍ قليل من الحالات الطارئة الأكثر خطورة إلى تركيا، مرضى السرطان ليسوا من بينهم، تمّ الإعلان عن الإغلاق في الأصل لمدّة أسبوعين، ولكن تمّ تمديدُه منذ ذلك الحين، وكان عددُ من المرضى في المستشفيات التركية بالفعل عند إغلاق الحدود ببساطة في تركيا، على حدِّ قول الأطباء، على الرغم من أنّه من غيرِ الواضح عددُهم.

حتى الآن، المصطفى ومئات من الأشخاص الآخرين الذين ذهبوا ذهابًا وإيابًا بين البلدان للعلاج عالقين تقريبًا، في أوائل شهر أيار قال إنّ جسده أصبح أضعف، كتب على الواتساب وهو يعاني من الكثير من الألم.

دمّرت المستشفيات وضربت السنوات التسع الماضية من الحرب القطاع الطبي السوري بشدّة، في أجزاء من البلاد التي يسيطر عليها بشار الأسد، أعاقت العقوبات الاقتصادية استيراد بعض الأدوية، بما في ذلك أدوية علاج السرطان، وجد تقييم أجرته منظمة الصحة العالمية عام 2016 لعلاج الأورام في ثمانية مستشفيات “نقص حاد” في الطاقم المتخصّص والمعدات وأدوية رعاية مرضى السرطان في جميع المرافق.

ومع ذلك ظلّت المستشفيات في دمشق التي يسيطر عليها النظام خيارًا للمرضى عبّرَ خطوط المعركة في سوريا – على الرغم من المخاطر التي ينطوي عليهم الوصول إلى هناك، وبحسب ما وردَ أعلنت السلطات الصحية التابعة لحكومة الأسد في أواخر نيسان أنّها ستؤمّن وسائل النقل لمرضى السرطان من شمال شرق البلاد – التي تديرها الآن الأغلبية الكردية – إلى دمشق، على الرغم من أنّ تفاصيل هذه الخطة غيرُ واضحة.

لكن بالنسبة للمصطفى، كان الذهاب إلى دمشق غيرَ وارد، وأخبر بأنّ قوات الأمن الحكومية اعتقلت اثنين من إخوانه على مدار الحرب لاعتقادهم أنّهم يؤيّدون المعارضة، قال إنّ أحدهم قُتل، والآخر اختفى منذ فترة طويلة في شبكة السجون الواسعة للحكومة.

السفر إلى الشمال الشرقي معقّد ومكلف، والعبورُ إلى المناطق القريبة التي تديرها تركيا في شمال سوريا لا يساعد إلا القليل، وقال الدكتور “ملحم خليل”، طبيب الأورام بالمنطقة لـ “TNH” عبْر الهاتف، إنّ المستشفيات ليست مجهّزة بعد لعلاج معظم مرضى السرطان.

هذا يترك إدلب، حيث قامت قوات النظام وروسيا بضرب العشرات من المرافق الطبية مباشرة خلال الهجوم، مما أدّى إلى قصف العديد من خارج الخدمة، والبعض يواصل عمله بالرغم من التحديات العديدة، والبعض الآخر الآن يجلس ببساطة تحت الأنقاض – أكوام من الأنقاضِ لا يمكن إصلاحها، ومن بين المنشآت التي تعرّضت للقصف تلك التي شاركت إحداثيات “GPS” الخاصة بها مع الأمم المتحدة كجزء من قائمة “عدم التضارب” التي تمّ نشرُها على الأطراف المتحاربة، والذين تمّ ضربُهم على أيِّ حال.

بالنسبة لمرضى مثل المصطفى كان العلاج في تركيا أحد مصادر الأمل في الظروف اليائسة، وتظهر الأرقام التي أفرج عنها الجانب السوري من باب الهوى انخفاض الوافدين من المعابر في شباط، وأظهر رسم بياني رسمي نشر في آذار الشهر الذي أغلق فيه المعبر أنّ 270 مريضاً فقط تمّ نقلهم إلى المستشفيات التركية من سوريا عبر باب الهوى، وهو ما يزيد قليلاً عن نصف المبلغ المعتاد.

قال ممثل عن مديرية صحة إدلب عبّرَ الهاتف إنّ العددَ موثوق، وقال الدكتور “أيهم جامو”، رئيس قسم الأورام بمستشفى إدلب المركزي، إنّ الأرقام التي نشرها مسؤولو باب الهوى تبدو معقولة، وحلول نهاية شهر نيسان أبلغ المعبر عن دخول ما مجموعه صفر من مرضى “البرد” – المصطلح العربي الذي يشمل الأمراض المزمنة مثل السرطان وأمراض القلب – إلى تركيا.

بينما تظل الحدود مفتوحة أمام الشاحنات التي تحمل مساعدات إنسانية، ويمكن للسوريين الذين يختارون العودة من تركيا إلى إدلب أنْ يفعلوا ذلك – طالما أنّهم يدخلون مراكز الحجر الصحي التي تدار محليًا – فإنّ الحركة من سوريا إلى تركيا عند باب الهوى توقّفت تمامًا.

ولا يعرف الأطباء والمسؤولون المشاركون في عمليات النقل الطبي متى سيتغير ذلك؟ قال الدكتور “بشير إسماعيل”، طبيب الأسنان الذي يدير مكتب التنسيق الطبي في معبر باب الهوى: “لا توجد طريقة أخرى لهم (مرضى مثل المصطفى) لدخول تركيا”.

قال “محمود ضاهر”، رئيس الوجود الميداني لمنظمة الصحة العالمية في غازي عنتاب جنوب تركيا: إنّ هيئة الأمم المتحدة على اتصال يومي مع السلطات التركية فيما يتعلّق بالوصول إلى الرعاية الصحية في سوريا، وقال لـ “TNH” إنّه لا يعرف متى سيعاد فتح المعبر لأيِّ شيء بخلاف الإنذار الأحمر فقط “الحالات الطارئة”.

ولم يتسنَّ الاتصال بالمسؤولين الأتراك المسؤولين عن جانبهم من المعبر للتعليق، ورفض المدير التركي لمستشفى عسكري تديره أنقرة في عفرين القريبة، التي تسيطر تركيا منذ عام 2018، التحدّثَ مع TNH” ” بشأن وقفِ التحويلات الطبية.

بالنسبة لبعض المرضى، جاء التشخيصُ متأخرًا جدًا لدخول تركيا على الإطلاق، حيث تمّ تشخيص لجين وهي طفلة من ريف إدلب بسرطان الدم في نيسان، بحلول ذلك الوقت كانت الحدود مغلقة بالفعل لمدّة أسبوعين، وطبقاً لوالدتها ولاء فقد أخبر الأطباء الفتاة البالغة من العمر عامين، والتي تعيش في بنش – وهي بلدة تعرّضت للقصفِ على مسافة قصيرة بالسيارة شمال شرق مدينة إدلب – بأنّها ستحتاج إلى علاج مكثّف، بما في ذلك العلاج الكيميائي.

قابلتTNH” ” الأم وابنتها في مستشفى للأطفال في مدينة إدلب، حيث تمضي معظم وقتها منذ التشخيص، بدت أمها منهكة حيث جلست لجين إلى جوارها، تبرعَ بالدم للاختبار وتحتضن دمية ميكي ماوس، تبقى لجين الآن في المستشفى بدوام كامل، لكنّها لا تستطيع علاجها في المكان هذا، بدلاً من ذلك تزور عيادة خاصة أصغر في بلدة سلقين، على بعد حوالي 30 كيلومترًا، لجلسات العلاج الكيميائي مع الدكتور “أسامة عبد الواحد”، طبيب الأورام الوحيد للأطفال الذي يعتقد أنّه يعمل في إدلب.

بعد تشخيص لجين قبلَ شهر قال “عبد الواحد” إنّه متفائل أنّها قد تتحسن، وقال إنّ إرسالها إلى تركيا كان سيكون مثاليًا، لكن عائلتها كانت محظوظة بما يكفي للحصول على أدوية العلاج الكيميائي من صيدلية خيرية تتلقى تمويلًا دوليًا وتعطي الدواء مقابل رسوم قليلة أو بدون مقابل، ولكن ليس هناك ما يضمن أنّ الصيدلية ستستمر في تخزين الأدوية، وابنة ولاء أمامها أشهر من العلاج، قالت ولاء: “لا أملك المال لمواصلة دفعِ ثمنِ دوائها”.

تقع مستشفى إدلب المركزية على بعد خطوات قليلة من مستشفى الأطفال، والتي تمولها الجمعية الطبية السورية الأمريكية “سامز” وهي جمعية خيرية مقرّها الولايات المتحدة، حيث فيها مرفقٌ يحتوي على جناح متخصّص في علم الأورام، هناك يأتي مئات المرضى إلى علاج السرطان كلّ شهر، وفقًا لمدير الأورام بالمستشفى “جامو”.

قال الدكتور “فادي حكيم”، مسؤول في مكتب سامز في تركيا: “إنّه المركز الوحيد في إدلب الذي يقدّم علاج السرطان مجانًا”، وقال “حكيم” لـ “TNH” عبْرَ الهاتف: “سرطان الثدي، سرطان الغدد الليمفاوية، سرطان القولون: علاجات هذه السرطانات متاحة ومجانية في مركز سامز الذي تديره، ولكنْ بسبب نقص التمويل والقيود المفروضة على الحصول على بعض الأدوية، يتعيّن على حوالي ثلث المرضى شراء أدويتهم من الصيدليات المحلية التي تديرها العيادة – ولا يستطيع الكثير أو يكافحون للحصول عليها، ولا يستطيع المستشفى علاج الجميع، تمّ نقل الأشخاص الذين يعانون من أمراض أكثر تعقيدًا، مثل سرطان الدم وسرطان الدماغ سابقًا إلى تركيا للعلاج، وقد توقّف ذلك مؤقتًا بسبب وضع كورونا”.

“حكيم” قلق بشكل خاص بشأن هؤلاء المرضى، الذين لا يستطيعون فعل الكثير من أجلهم، وقال: حتى الآن إنّ خمسة مرضى مصابين بالسرطان المتقدّم من مستشفاه لم يتمكّنوا من الوصول إلى تركيا، مما جعل أيامهم الأخيرة أكثرَ صعوبة مما كانوا عليه”.

تبدو “ولاء” خائفة، توفيت الأخت الكبرى لـ “لجين” بسبب مرض لم يتمّ تشخيصُه قبلَ أكثر من عام، قالت “ولاء” متحدّثة من كرسيها في مستشفى الأطفال: “لا أريد أنْ أفقد ابنتي الأخرى”.

في خيمته في مخيم النزوح الحدودي، يشعر “المصطفى” بالقلق بشكل متزايد، ولم يطلب العلاج الطبي بعد إغلاق الحدود، مع تفاقم حالته يقول إنّه قد يحاول زيارة صيدلية خيرية لمعرفة ما إذا كانت هناك أيِّ أدوية مجانية يمكن أنْ تساعده، ولكن مع عدم وجود دخل في المخيم وتسعة أطفال لرعايتهم، قال “المصطفى”: إنّ “مخاوفه الأكبر تتجاوز ورم دماغه، الأشياء التي أخشى أكثر منها هي سبل عيش أطفالي وعائلتي وأحبائي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى