الأسدُ يراهنُ على الأغنياءِ لاستعادةِ سوريا من الانهيارِ الاقتصادي

منذ بداية أزمة فايروس كورونا، خسرت البلاد أكثرَ من 775 مليون دولار شهرياً أو حوالي 26 مليون دولار يومياً، بينما تنتظر روسيا أنْ يتمّ الدفع لها، بعد أشهر من الإغلاق شبه الكامل عادت الحياة في سوريا تدريجياً إلى وضعها الطبيعي.

سمحت السلطات ببعض التنقل بين المحافظات، واستؤنفت وسائل النقل العام في المدن الكبيرة، وحصلت شركات النسيج التي أفلست تقريباً على تصاريح عمل، وعاد ما يقدر بنحو مليوني ونصف من الموظفين المدنيين إلى العمل إلى حدٍ كبيرٍ.

ويقدر “علي كنعان”، رئيس قسم البنوك والتأمين في جامعة دمشق، أنّ البلاد خسرت أكثر من 775 مليون دولار شهرياً خلال فترة الإصابة بفايروس كورونا، أي حوالي 26 مليون دولارٍ بشكلٍ يومي.

يتوقّع معهد البحوث السوري أنّه مع القيود الحالية التي من المتوقّع أنْ تستمرّ حتى حزيران قد يفلس الاقتصاد السوري بسبب خسائر في الإيرادات من نظام تحصيل الضرائب الذي بالكاد يعمل.

وزِّعتْ المساعدات الحكومية التي تمّ توزيعها على المواطنين الأكثر احتياجاً، بدءاً من آذار حوالي 78 مليون دولار شهرياً وبعيداً عن تلبية الاحتياجات الأساسية، حيث يبلغ متوسط الأجر 38 دولاراً في الشهر، وستة دولارات إضافية، لكنّ التقديرات تشير إلى أنّ الأسرة المتوسطة تحتاج إلى 334 دولاراً للعيش، تاركةً فجوةً كبيرة بين الأجور والاحتياجات الأساسية.

في الأوقات العادية قبل الوباء كان العديد من العاملين في القطاعين العام والخاص يكملون أجورَهم عبْرَ طرُقٍ أخرى، وقد اختفت هذه الفرص حيث إنّ القيود الموضوعة للحد من انتشار الفايروس دفعت 80 في المائة من السكان تحت خطّ الفقر.

في حين احتدمت أزمةُ فايروس كورونا اندلعت قضية رامي مخلوف، ابن خال “بشار الأسد”، تحوّل مخلوف في لحظة من ركيزة الاقتصاد السوري إلى العدو العام رقم واحد، مخلوف الذي جمع ملياراته خلال عقدين من حكم بشار في السلطة، يمتلك شركة سيريتل للهواتف الخلوية، وهو أيضاً واحدٌ من أكبر مستوردي النفط والسلع الاستهلاكية في البلاد ومالك العشرات من الشركات التابعة في الصناعة والتجارة والسياحة.

مخلوف، الذي يقول إنّه لا يملك الأموال، بدأ في نشر مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تدّعي أنّ ممتلكاته قد تمّ حجزُها ويشكو من تضرّر عائلة الأسد من أعماله، لطالما فضلت عائلة الأسد رجال الأعمال الأثرياء أثناء الضغط عليهم لتسليم بعض رؤوس أموالهم لتمويل النظام.

أحدهم الذي ظهر اسمه مؤخراً في العناوين الرئيسية هو سامر فوز، حصل فوز على ثروته من خلال السيطرة على تجارة القمح والنفط في المناطق الكردية وعن طريق السيطرة على البنوك الإسلامية في سوريا، والتي يمكن من خلالها تجاوز العقوبات على البلاد، نشرت سوريا مناقصة دولية لشراء 200 طنِ قمحٍ يبدو أنّها متّجهة لروسيا.

كما أنّ حزام الأمن الاقتصادي الذي أقامه الأسد يموّل أيضًا بعض عمليات الجيش ويساهم في برامج الرعاية الاجتماعية الجديدة التي أعلن عنها النظام قبلَ بضعة أيام، تهدفُ هذه الخططُ إلى تهدئة العاصفة التي تحيط بقضية مخلوف وتعرّضها لفساد النظام.

في بداية الأسبوع سمح النظام للشركات الخاصة باستيراد السماد، وهو منتج تسيطر عليه الحكومة فقط، وخفّض الضرائب الجمركية بنحو النصف على علفِ الحيوانات والبذور، ورفع الحصصَ على واردات الآلات الزراعية من 1000 إلى 5000، والتي يمكن بيعُها للمزارعين للحصول على قروض بشروط مريحة.

في الوقت نفسه، أمر النظام بتأسيس أسواق شعبية حيث يمكن بيع السلع الأساسية بأسعار الجملة، وحتى بخصم 15٪، متجاوزاً حصصَ التجزئة، يهدف طلب آخر إلى تشجيع الإنتاج المحلي من خلال إدراج 67 منتجًا سيفوز مصنعوها بفوائد كبيرة لصنعها محلياً بدلاً من الاعتماد على الواردات.

سيستمتع الطلاب من العائلات الثكلى والعسكريين ببعض الفوائد، وقد أمرت الجامعات والكليات بتقديم منحٍ دراسية كاملة للدراسة والسكن والنقل لنسبة اثنين في المائة من الطلاب، الذين يقعون في هذه الفئات، حتى لو حصلوا على درجات متدنية.

تكاليف هذه الطلبات على خزائن الدولة غير معروفة ومعايير الفوائد غير محدّدة، بناءً على الخبرة السابقة سيتعيّن على الأشخاص المؤهلين إرشاد المسؤولين والمفتشين والتنقّل عبْرَ شبكة معقّدة من الوسطاء للحصول على أيٍّ من المزايا المقدّمة بموجب القانون، حتى قنوات الاستيراد التي تمّ فتحها حديثًا للقطاع الخاص لا تضمن أنْ تتخلّى الحكومة عن نظام فرض رسوم إضافية، وهو ما حاصر جيوب العديد من الأشخاص المقرّبين من النظام، كما ساهم في ارتفاع مذهل في الأسعار، وانحسار الليرة إلى 1500 دولار لم يسبقْ له مثيل.

كان لدى وزير المالية السوري شيء واحد ليقوله للمواطنين الذين يقرؤون أو يسمعون عن حلقة الثروة المحيطة بالرئيس: “المواطنون يكسبون ما يكفي من المال – إذا كانوا يعرفون فقط كيفية إدارته”، أثار هذا التعليق عاصفة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي لدرجة أنّ الوزير اضطر إلى إنكار قوله على الإطلاق، لكن المواطن السوري العادي قد استنفد بالفعل مجموعة أدواته للمناورة حول الفقر والبطالة وفايروس كورونا والحرارة الشديدة مع عدم وجود أيِّ أفْقٍ اقتصادي أمامهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى