الخارجيةُ الأميركيةُ: العقوباتُ ستلاحقُ الحكوماتِ الساعيةِ لمصالحةِ نظامِ الأسدِ

يدخل قانون “قيصر” الأميركي، أو قانون “سيزر”، الهادفُ إلى محاصرة نظام الأسد مالياً واقتصادياً، في غضون أقلّ من شهرٍ حيّز التنفيذ، بعد إقراره في الكونغرس الأميركي بصيغته النهاية، وتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليه نهاية العام الماضي.

ومن المتوقّع أنْ يزيد هذا القانون من حصار نظام الأسد، إلى درجة فرض تطويقه بالكامل اقتصادياً وعسكرياً، ما سيجعل إمكانية رضوخ هذا النظام للحلّ السياسي مرغَماً، أمراً وارداً، هذا إنْ لم يتسبّب القانون بالقضاء على نظام الأسد بشكل “أوتوماتيكي”، لما سيسبّبه من شللٍ في منظومته الاقتصادية، بالإضافة إلى فرض قطع تواصل نظام الأسد مع حلفائه وغيرهم، بما يخص الدعم والتبادل، وحتى الإسناد في العديد من المجالات.

ولم تستبعدْ متحدّثةٌ باسم وزارة الخارجية الأميركية, أنْ تصبحَ حكومات الدول التي تسعى للمصالحة مع نظام الأسد، عرضةً للعقوبات.

وأكّد المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري، يوم الجمعة الماضي، على تفعيل قانون “قيصر” في موعدِه، في شهر حزيران المقبل، ما سيجعل نظام الأسد والمتعاونين معه أكثرَ عرضةً للملاحقة والعقوبات.

وتعقيباً على ذلك، لمحت المتحدّثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأميركية، جيرالدين غريفيث، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أنّ الحكومات التي ستسعى إلى المصالحة وإعادة العلاقات مع نظام الأسد، ستكون عرضةً للعقوبات، وأنّ عملية إعادة الإعمار في سوريا مرتبطةٌ بالتسوية السياسية.

وحول الآلية التي ستتبعها واشنطن لزيادة الضغط على نظام الأسد من خلال قانون “قيصر”، أشارت غريفيث إلى أنّ هذا القانون “يوفر للولايات المتحدة الوسيلة للمساعدة في إنهاء الصراع المروّع والمستمرّ في سوريا، من خلال تعزيز المساءلة لنظام الأسد. كما أنّه يدعم مبدأ محاسبة أولئك المسؤولين عن وفاة المدنيين على نطاقٍ واسع، وعن وقوع العديد من الفظائع، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية والبربرية الأخرى”.

وأوضحت المتحدّثةُ الأميركية أنّ “قانون قيصر يضمّ عدداً من البنود الرئيسية التي تفرض عقوبات على نظام الأسد وحلفائه، من خلال معاقبة أولئك الذين يساعدونه في الحصول على السلع والخدمات والتقنيات غيرِ العسكرية التي تستخدم لتعزيز قدراته العسكرية”.

وحذّرت غريفيث من أنّه “إذا سعتْ أيُّ حكومة إلى المصالحة مع نظام الأسد، فإنّ العقوبات الإلزامية الأميركية سوف تشكّل مخاطرَ شديدة لأيٍّ من شركاتها، التي قد تفكّر في المشاركة في إعادة الإعمار أو مشاريع أخرى مع هذا النظام”.

ولفتت إلى أنّ القانون “ينصّ على عقوبات وقيودٍ على السفر لمن يقدّمون العونَ لأعضاء نظام الأسد وداعميه السوريين والدوليين، سواء أكانوا من المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سورية، أو المتواطئين معهم على ارتكابها”.

وردّاً على سؤال يتعلق بخيارات واشنطن في حال تجاوز نظام الأسد حدود القانون والحصار الذي سيفرضه عليه، في ما إذا كان من بينها خيارات عسكرية، أو تنفيذ ضربات ردعٍ خاطفة، كما فعلتْ واشنطن في السابق، أوضحتْ المتحدّثة أنّ “السياسة الأميركية في سوريا، تركّز على إيجادِ حلّ سياسي تفاوضي للصراع، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254 وضمانِ الهزيمة الدائمة لتنظيم داعش ومواجهةِ النفوذ الإيراني الخبيث وتحقيق العدالة لضحايا انتهاكات نظام الأسد لحقوق الإنسان، بما في ذلك استخدامه للأسلحة الكيميائية. وقد حقّقنا، بإشراف من وزير الخارجية مايك بومبيو، نجاحاتٍ كبيرة في سوريا، على جبهات متعدّدة”.

وأشارت إلى أنّ “الإدارة الأميركية الحالية حشدت الإجماع الدولي الداعم لسياسة الولايات المتحدة المتعلّقة بضرورة التوصّل إلى حلّ سياسي سلمي للصراع السوري، بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254. وشاركنا في المفاوضات الناجحة التي أدّت إلى إنشاء اللجنة الدستورية السورية في جنيف، وعملنا مع شركائنا في المجموعة المصغّرة حول سوريا على محاسبة نظام الأسد على انتهاكه لحقوق الإنسان، ورفعنا من جهودنا لمحاسبة نظام الأسد، ووثّقنا استمرار استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية، كما واصلنا تنفيذ العقوبات على نظام الأسد ومموليه أشدّ من أيِّ وقتٍ مضى، في سعيٍ لمتابعة الضغط عليه لوقفِ انتهاكاته لحقوق الإنسان”.

وردّت المتحدّثة على الاستفهام المتعلّق بالتسريبات التي خرجت عن مصادر مقرّبة من مصنع القرار الروسي بأنّ موسكو وواشنطن قد توصلتا إلى توافق لتنحية الأسد عن الحكم، معربةً عن أمل بلادها في أنْ “يحذو حلفاؤنا حذونا فيما يتعلّق بتوسيع إطار عقوباتهم. وبينما نمضي قدماً، سنتابع مشاوراتنا وتنسيقنا المستمرّ مع الحكومات ذات التفكير المماثل. وستواصل الولايات المتحدة تعزيزَ جهود المساءلة مثل قانون قيصر، علماً أنّ عملنا هو استجابة لدعوات الشعب السوري لحلّ سياسي دائم للصراع السوري بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254”.

وقالت غريفيث في هذ الإطار، إنّ “سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا كانت واضحة دائماً. فنحن نريد حلّاً سياسياً عن طريق التفاوض، ونعتقد أنّ الأعمال المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها روسيا والنظام الإيراني ونظام الأسد تمنع وقف إطلاق النار وتقف في وجه الحلّ السياسي. وبالنسبة لنا، تظلّ العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة الوسيلة الوحيدة القابلة للتطبيق لحلّ النزاع في سوريا، وهو ما يشمل الإصلاح الدستوري والانتخابات التي تشرف عليها الأمم المتحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. ونحن في ذلك ننضمّ إلى الأمم المتحدة في المطالبة بإنهاء العنفِ الوحشي من قِبَل نظام الأسد والقوات الروسية والإيرانية ضدّ الشعب السوري”.

وأصدر الأسبوع الماضي, “المجلس الروسي للشؤون الدولية” (مؤسسة بحثية) تحليلاً عن السيناريو المستقبلي للأوضاع في سوريا، تنبّأ فيه بتوافقٍ تركي -أميركي -روسي -إيراني، على تنحية بشار الأسد ووقف إطلاق النار، مقابل تشكيل حكومة انتقالية تشمل المعارضة ونظام الأسد و”قسد”.

و”سيزر” أو “قيصر” هو الاسم الحركي لضابط منشّق عن نظام الأسد، كان قد سرّب آلاف الصور للانتهاكات المرتكبة بحقّ المعتقلين في سجون ومعتقلات وأفرع أمن نظام الأسد، والذي تمّت صياغة القانون باسمه، تحت عنوان “قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية لعام 2019”. وتعرّض القانون لعددٍ من التعديلات قبلَ التصويت عليه من قِبَلِ الكونغرس الأميركي، كان آخرُها في حزيران الماضي، قبل تمريرِه في مجلسي النواب والشيوخ وتوقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليه نهاية العام الماضي.

وينصّ القانون على فرض عقوبات على الأجانب المتورّطين ببعض المعاملات المالية أو التقنية مع مؤسسات حكومة نظام الأسد، والمتعاقدين العسكريين والمرتزقة الذين يحاربون بالنيابة عن نظام الأسد أو الاحتلالين الروسي و الإيراني، بالإضافة إلى عددٍ من العقوبات التي تشلّ قدراتِ نظام الأسد سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى