السوريونَ العالقونَ في مخيّمِ الركبانِ يشكُونَ قلّةَ الاختباراتِ لفايروسِ كورونا

يأمل السوريون في مخيم الركبان بالقرب من الحدود الأردنية ألا يصلَ فايروس كورونا إلى منطقتهم المعزولة حيث لا يوجدُ لديهم معدّات اختبار للفايروس، كما لا يمكنهم عبور الحدود إلى الأردن للحصول على أيِّ نوعٍ آخر من الرعاية الطبية ما لم يكونوا قد خضعوا لهذا الاختبار وأثبتوا أنّهم سلبيون.

في قطاع بعيد من الأراضي على طول الحدود الأردنية السورية على بعد أميال من القاعدة العسكرية الأمريكية، يستعدٌ الآلاف من المدنيين المحاصرين لتفشّي فايروس كورونا، حيث يخشون أنْ يشلوا مجتمعهم المعزول، وقالت “أم محمد” قابلة في مخيم الركبان في جنوب شرق سوريا: “ستكون كارثة، وستكون نهاية الناس الذين يعيشون في الركبان”.

وطلبت “أم محمد” الوصول إليها عبْرَ الهاتف من المونيتور باستخدام اسم مستعار لأسباب أمنية، وقالت: “ليس لدينا الدواءُ المناسب أو المكانُ المناسب لحجْر المرضى، ولا يوجد شيء يمكن أنْ نقدّمه لهم”، في الأسابيع الأخيرة قامت “أم محمد” ومنظمات أخرى في المخيم بحملة توعية، محذرةً مواطني الركبان من أنّ سوء النظافة يمكن أنْ يسرع من انتشار المرض، تمّ إخبار الأطفال بعدمِ اللعب في الوحل وتمّ تحذيرُ البالغين من التقبيل والمصافحة.

ولكنّ “أم محمد” ليست لديها طريقةٌ لمعرفة ما إذا كانت حملتها ناجحة، لا توجد اختبارات في المخيم، “لا يتوفّر اختبارٌ داخل المخيم، قالت المتحدّثة باسم منظمة الصحة العالمية “ياها بوزو” للمونيتور: إنّ عيّنات اختبار COVID-19 من الركبان، وكذلك جميع أنحاء البلاد الأخرى، يجب إحالتُها إلى المختبر المركزي للصحة العامة (CPHL) في دمشق، وأشارت “بوزو” إلى أنّ الوصول إلى الركبان أمرٌ صعب ويتطلب التنسيقَ المسبق وحلَّ الخلافُ بين أطراف النزاع”.

ولتحقيق هذه الغاية تقول الأمم المتحدة إنّ منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة في حكومة النظام والهلال الأحمر العربي السوري تعمل على إجراء اختبارات للفايروس عند نقطة تبعد 34 ميلاً على حافة منطقة خفضِ النزاعات التي أنشأتها القواتُ الأمريكية القريبة من المخيم في منطقة التنف.

وكتبت الأمم المتحدة أنّ إمدادات اختبار COVID-19 مخصّصة لأولئك الذين يغادرون المخيمَ لضمان سلامتهم وسلامةِ مجتمعاتهم قبل الانتقالِ إلى الملجأ الجماعي في حمص في الأراضي التي يسيطر عليها النظام في سوريا، وقالت محلّلة ومؤلفة في تاريخ سوريا “إيما بيلز”: “هذا يعني بحكم تعريفه أنّ أولئك الذين يصلون إلى الاختبارات يجب أنّ يعودوا إلى مناطق سيطرة النظام من أجل القيام بذلك”، وقالت “بيلز”: “إنّ مغادرة المخيم للوصول إلى الاختبارات على حافة منطقة التنف سيعرّض هؤلاء السكان للخطر، غالبية الذين ما زالوا يعيشون في الركبان إنّهم لا يرغبون في العودة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام في البلاد لأنّ لديهم مخاوفُ أمنية”.

معظم سكان الركبان هم في الأصل من محافظة حمص، التي تمتد من الحدود اللبنانية إلى منطقة الصحراء الشرقية في سوريا، وهربوا إلى المخيم بعد أنْ فرّوا من عنف تنظيم داعش، وقد اختار ما يقدّر بـ 12000 الذين بقوا في المخيم الحياة في حالة من الفوضى التامة على خطر التجنيد العسكري الانتقامي والانتقام من النظام الذي قدّم ممرّاً لأولئك الذين يرغبون في العودة إلى ديارهم.

قال “أبو سعيد” أحدُ سكان الركبان والذي فرّ من محافظة حمص عام 2015: “ستكون وسيلة للسجن، وليس إلى المنزل، إذا ذهبت إلى النظام لإجراء اختبار، فلن أتمكن من العودة إلى هنا”، حيث كان الوضع في الركبان مروّعاً قبلَ أنْ يبدأ انتشار فايروس كورونا الجديد في سوريا، ووصل عددٌ قليل من قوافل المساعدات الإنسانية إلى المخيم في السنوات الأخيرة وكان آخرُها في شباط 2019.
“لا أحدٌ يدخل المخيم”، قال “معاذ مصطفى”، المدير التنفيذي لقوة الطوارئ السورية، وهي منظمة غيرُ ربحية مقرُّها واشنطن، وقال: “الأشخاص الوحيدون الذين يأتون هم دمشق (الهلال الأحمر العربي السوري) ومكاتب الأمم المتحدة التي يعتبرها سكان الركبان عملاء استخبارات للنظام”.

بدون وجود مرفق طبي مناسب يعمل فيه طبيبُ المخيم يمكن للأمراض التي يمكن علاجُها في مكان آخر

أنْ تهدّد الحياة في الركبان، حيث غالبية السكان من النساء والأطفال، في العام الماضي توفي ما لا يقلُّ عن اثني عشر طفلاً في المخيم من انخفاض درجة حرارة الجسم، بما في ذلك خمسة حديثي الولادة، ولكي يتمكّن السكان من الوصول إلى العيادة الصحية التي تدعمها الأمم المتحدة على الجانب الأردني من الحدود، تطلبُ السلطاتُ الآن أنْ يثبتوا أنّهم تمّ فحصُهم لأوّل مرّة بحثاً عن COVID-19، لا يعني أيّ اختبار في المخيم عدم الوصول إلى العيادة التي تشتدّ الحاجة إليها.

إنّ الأزمة الإنسانية التي دامت سنوات في الركبان هي من صنع الإنسان، لن تتحمّل الأردن التي أغلقت حدودها بعد تفجير انتحاري في عام 2016، ولا حكومة بشار الأسد وحليفتها روسيا مسؤولية إطعامَ المخيم، وعلى بعد أكثرَ من 10 أميال على الطريق تدير القوات الأمريكية قاعدة عسكرية صغيرة حيث يدرّبون شركاءها السوريين المحلّيين، “مغاوير الثورة” على التصدّي لتنظيم داعش والنفوذ الإيراني في المنطقة، وعلى الرغم من قربِها فلم تتدخّلْ الولايات المتحدة لتقديم المساعدة الإنسانية للمدنيين في الركبان، والعديد منهم من عائلات القوات الشريكة لها، وقد أعرب المسؤولون الأمريكيون عن مخاوفهم من أنّ القيام بذلك سيفتحُ الباب أمام التزام طويل الأمد.

“أفهم أنّ هناك خوفاً من أنّنا إذا قمنا بإطعامهم مرّة واحدة، فإنّنا نمتلكهم”، قال “مصطفى”: “هذا ببساطة غيرُ صحيح، يستخدم الروس ونظام الأسد وتنظيم داعش الوضعَ الإنساني الرهيب في الركبان لتقويض وجود الولايات المتحدة في التنف لأنّهم يريدون رؤيتنا نغادر”.، وفي الشهر الماضي فقط أصدر ما يسمى بمركز المصالحة بين روسيا وسوريا بياناً اتّهم فيه الأمريكيين باستخدام الركبان كخطِ تجميعٍ لتدريب المتطرفين، بينما يُمنع المدنيون هناك في الوقت نفسه من تلقّي علاج لفايروس كورونا.

النازحون الذين يعيشون في مخيمات في جميع أنحاء سوريا، والذين يفتقرون إلى رفاهية التباعد الاجتماعي والصابون والماء اللازمين لممارسات النظافة الصحية الآمنة، هم من بين الأكثرِ عرضةً لتفشّي الفايروس، ففي محافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضةُ وهي موطنٌ لأكثرَ من مليون نازح سوري لا يوجد سوى جهاز واحد لفحص الفيروس.

كما أفادت المناطق الخاضعة لسيطرة النظام عن 33 حالة وفيات مرتبطة بالفايروس، بينما تشير تقارير أنّ الأرقام أعلى بكثير مما يعرفه النظام أو يعترف به، دون استخدام المطهّرات لجأ سكان الركبان إلى استخدام خلّ الكلور وخلّ التفاح لتنظيف خيامهم أثناء الصلاة من أجل أنْ يمنع عزْلهم الشديد الفايروس من الوصول إليهم، وقال “أبو سعيد”: “نحن بعيدون عن الناس وعن العالم الخارجي ومحرومون من كلّ شيء، لا أحدٌ يهتمّ بنا أو حتى يفكرَ فينا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى