المسؤولونَ اللبنانيونَ يستثمرونَ اللاجئينَ السوريينَ للحصولِ على الدعمِ
توالت المواقفُ اللبنانيّة، أمس الثلاثاء، المنبّهة إلى تداعيات اللجوء السوري على مختلف الأصعدة اقتصادياً واجتماعياً وأمنيّاً، في محاولة لتضخيم الأحداث، بهدف استغلالها في المحافل الدولية وفرض شروطٍ على الخارج، الذي يرفض دعمَ الدولة اللبنانية ماليّاً بسبب ممارساتها القائمة على الهدر والفساد.
وأبلغ الرئيس اللبناني “ميشال عون” أمس الثلاثاء، الممثَّل الجديد للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان “إياكي إيتو”، خلالَ استقباله له في قصر بعبدا الجمهوري، بأنّ “لبنان وصل إلى مرحلة الإنهاك نتيجةَ التداعيات السلبية للنزوح السوري وإحجام الدول عن تقديم المساعدات بسبب أوضاعها الاقتصادية، ما يفرضَ العملَ بسرعة من أجل تسهيل عودتهم إلى بلادهم بعدما أصبحت هناك مناطق شاسعة في سورية آمنة”.
وشدَّد “عون” على أنَّ “معالجة أزمة النزوح واللجوء باتت ضرورة، ولا سيما أنّ لبنان لا يملك ترفَ انتظار الحلِّ السياسي كشرط لعودة النازحين”.
في السياق نفسه، ألقى رئيس حكومة تصريف الأعمال “حسان دياب” كلمة في مؤتمر بروكسل الافتراضي الخامس حول “دعمِ مستقبل سورية والمنطقة”، تطرّق فيها إلى انعكاسات أزمة اللاجئين السوريين على لبنان، والصعوبات التي تواجه البلادَ دولةً وشعباً، داعياً إلى منحِ “خطَّةِ الحكومة لعودة النازحين السوريين” بشكلٍ تدريجي، التي أقرَّت في 14 تموز 2020، فرصة تحقيق هدفها بمساعدة المجتمع الدولي.
وتقوم الخطة على عدم ربطِ عودة اللاجئين بالحلِّ السياسي، واحترام حقوق الإنسان ومبدأ عدم الإعادة القسرية، وضمان العودة الكريمة والآمنة وغيرِ القسرية للاجئين السوريين إلى وجهات آمنة في سوريا.
وأشار دياب إلى أنّ “كلفة اللجوء السوري على بلدنا بلغت نحو 46.5 مليار دولار، حسبَ تقديرات وزارة الماليّة للفترة الممتدّة بين عامي 2011 و2018. كما أنَّه لا ينفكّ يؤثّر على النسيج الاجتماعي للبنان”.
إلى جانب ذلك، لم يوفّر دياب الفرصة للحديث عن “ملاذ” الرعاية الذي يؤمّنه لبنان للاجئين السوريين، والاستثمار به دعماً دولياً، علماً أنّ هؤلاء اللاجئين يواجهون صعوباتٍ جمّة في ملفّات عدّة، سواء صحيّة أو تعليميّة وتربويّة ومهنيّة، وآخرها مسألة اللقاحات التي حاولت بداية تمييزهم وحصر الحملة باللبنانيين، عدا عن الضغوط التي يتعرّض لها البعض منهم والتي تصل إلى الطردِ الجماعي أحياناً عند حصول أيِّ إشكالٍ أو حادثٍ أمنيّ فردي بين لاجئ سوري ومواطن لبناني في مناطق لبنانيّة، والمشاهد المؤلمة للاجئين يعانونَ من البرد القارس والجوع في المخيّمات التي تفتقد إلى أدنى مقوّمات العيش بكرامة وصمود، وهناك وفيّات تسجّل في هذا الإطار في كلّ موسم شتاء.
وقالت منظمة “أطباء بلا حدود”، في تقارير سابقة، إنّ “اللاجئين السوريين وغيرهم من النازحين في لبنان لا يحصلون على خدمات الرعاية الصحيّة المجانيّة والمأوى المناسب، وإنَّ ظروف عيشهم تبقى متقلّبة للغاية وغيرَ ملائمة، كما أنَّ معظم المآوي لا تحمي سكانها اللاجئين من العوامل الطبيعية، ومن الواضح أنَّ ظروف العيش السيئة تساهم في تدهور حالة اللاجئين الصحيّة”.
وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال، إنّ “استضافةَ لبنان للنازحين السوريّين وُصفت بـ(الاستثنائيّة) و(السخيّة للغاية) و(غير المسبوقة). وما كان ذلك ليتحقّقَ لولا مساعدةُ الشعب اللبناني”.
وأضاف دياب “وانتهزُها فرصةً لأحيّي الشعب اللبناني على قدرته الهائلة على الصمود وعلى حُسن الضيافة المعهودة التي تخطّت حدودَ الممكن، في الوقت الذي يعاني فيه ظروفاً معيشيّة شاقّة وصعوبات كبيرة، ممّا يدلّ على عظمةِ إيمانه بقيمة الإنسان، هؤلاء اللبنانيّون العظماء يستحقّون دعماً قيّماً من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والمجتمع الدولي”.
أما وزير الشؤون الاجتماعية والسياحة في حكومة تصريف الأعمال “رمزي مشرفية”، فتحدّث بدوره خلال جلسة حوار ضمن فعاليّات مؤتمر بروكسل، محذّراً من ارتفاع التوتّرات بين اللاجئين السوريين والمجتمعات اللبنانية المضيفة، وفي طليعتها التنافسُ على فرص العمل.
وقال إنّ تفاقم نسبة الضعف والهشاشة لكل من لبنان المضيف واللاجئين وازدياد الحاجات بشكل كبير يمكن أن يتسبب “بنزوح إضافي في صفوف اللبنانيين والنازحين السوريين”.
وتطرق مشرفية اليوم إلى تحذير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، من أنّ لبنان من ضمن البلدان المهددة بانعدام الأمن الغذائي، علماً أنّ هذا الموضوع مرتبط بسياسة الدعم العشوائية والتهريب الحاصل إلى سوريا بطرق غير شرعية، واحتكار التجار للبضائع والمواد والسلع الغذائية وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء وانعكاسه غلاءً معيشياً وتدهوراً للقدرة الشرائية لدى المواطنين في ظلّ عدم قيام الأجهزة المعنية بدورها الرقابي ووضع حدّ للتفلّت الحاصل.
ودعا مشرفية الجهات المانحة إلى زيادة الاستثمار في مشاريع البنى التحتية والزراعة، لتحقيق التنمية الاقتصادية وفرص عمل مستدامة.
وانتهجت السلطات اللبنانية سياسة “العودة الطوعية” إلى سوريا عبر المديرية العامة للأمن العام اللبناني، الذي خصّص مراكز لاستقبال طلبات اللاجئين الراغبين بالعودة، علماً أنّ هذه السياسة قابلتها مآخذ حقوقية وسياسية.
وكان وزير الدولة اللبناني لشؤون النازحين السابق “معين المرعبي” قد تحدث، عام 2018، عن مخاطر العودة إلى مناطق يسيطر عليها نظام الأسد، وتطرق إلى عمليات قتل تعرض لها عدد من اللاجئين عند عودتهم، واختفاء قسم منهم.
كما تطرق المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “فيليبو غراندي” إلى وجود “قلق جدي” لدى اللاجئين من تعرضهم للعقاب أو التجنيد العسكري في حال عودتهم إلى سوريا.