امرأةٌ سوريةٌ ناجيةٌ من التعذيبِ تأملُ في إقامةِ العدلِ في ألمانيا

حصلت امرأة سورية اعتقلت وعذّبت خلال الحرب الأهلية السورية على الأمل بعد أنْ فتحت ألمانيا أبوابها لها، في خطوة نادرة محاكمات ضدّ اثنين من ضباط أمن الدولة السوريين المتهمين بارتكاب جرائم حرب، نظرت المحاكمات التي بدأت في 23 نيسان في كوبلنز بألمانيا في قضية ضدّ ضابطين سابقين في المخابرات السورية يُدعيا “أنور” و”إياد”، يُزعم أنهم عذبوا سجناء سياسيين محتجزين في السجون السورية.

قالت “أسماء سعد الدين”، ناشطة سورية وناجية من التعذيب، تقيم في المملكة المتحدة، لـ VOA: “كنا ناجين من التعذيب، رأينا لمحة من الأمل لأنّنا اعتقدنا أنّ هؤلاء الأشخاص لن يُحاسبوا أبداً على ما فعلوه بنا، نأمل أنْ تكون هذه هي الخطوة الأولى فقط لتقديم رؤساء الأجهزة الأمنية الذين أشرفوا على تعذيب آلاف الأشخاص إلى العدالة”.

اعتقلتها قوات النظام في كانون الثاني 2012، كانت “سعد الدين”، 39 سنة، مسافرةً مع اثنين من أصدقائها من العاصمة السورية دمشق عندما اعتقلتهم قوات النظام بتهمة تهريب الطعام والأدوية إلى المناطق التي يسيطر عليها الثوار في محافظة درعا المحاصرة في جنوب غرب سوريا، تمّ احتجازُها لعدّة أشهر قادمة حتى نيسان 2013 في سجون النظام، حيث ورد أنّها تعرّضت للترهيب والتعذيب.

“عندما عثروا على الإمدادات الطبية، بدأوا في ضربنا حتى جاءت عربة عسكرية وأخذونا إلى المخابرات العسكرية (الفرع) 251 بقيادة الضابط “وفيق ناصر”، هناك وضعوني في حجرة الاستجواب وأحضروا أحدَ أصدقائي وعذبوه بوحشية، قالت “سعد الدين”: “تعرّضت للضرب والصعق بالكهرباء وأنا معصوبة العينين، كنا 15 امرأة محاصرين في زنزانة صغيرة للغاية وكان علينا أنْ نتناوب في الوقوف والجلوس والنوم، كانت غرفة الاستجواب بجوار زنزانة الفتيات، وكنا نسمع أصوات عذاب وصراخ من يتعرّضون للتعذيب كل ليلة”.

خلال الفترة التي كانت فيها “سعد الدين” محتجزةً للاستجواب في الفرع 251، زُعم أنّ “أنور” كان رئيس فرع تحقيق المخابرات العسكرية، حيث ورد أنّ 4000 سجين على الأقل تعرّضوا للتعذيب، وقالت المحكمة الإقليمية العليا لكوبلينز في بيان نُشر على صفحتها الرسمية على الأقل في حالة واحدة، كان هناك أيضاً اغتصاب واعتداء جنسي شديد.

في عام 2012 بعد شهور من الحرب الأهلية السورية انشق “أنور” و”إياد” عن الحكومة السورية وتقدّموا بطلب لجوء في ألمانيا حيث تمّ اعتقالهم في عام 2019، وقد قام المسؤولون الألمان وفقاً لقانون الخصوصية الوطني في البلاد بإخفاء الهوية الكاملة للمتّهمين، وجاء تحقيق في قضيتيهما بعد سلسلة من الشكاوى المقدّمة من الضحايا من كلا المسؤولين، والتي رفعها المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان (ECCHR)، والتي سوف تساعد الناجين الستة عشر من التعذيب خلال الإجراءات.

منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، قُتل آلاف السوريين أثناء تعرّضهم للتعذيب في الأجهزة الأمنية الحكومية السورية سيئة السمعة، والمعروفة في سوريا باسم المخابرات، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان وهو مراقب للحرب مقره المملكة المتحدة، إنّ هناك حوالي 130 ألف معتقل في سجون الحكومة السورية.

حدّدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR)، وهي منظمة تراقب ضحايا الحرب السورية، نُشرت في تقرير في أواخر عام 2019 ما لا يقلّ عن 72 طريقة للتعذيب تستخدمها الحكومة السورية في مراكز الاعتقال، ووجدت أنّ أكثر من 14298 محتجزًا تعرّضوا للتعذيب حتى الموت على أيدي أطراف مختلفة في سوريا.

في عام 2014، تحرّك مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتقديم الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب السورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكنّ الإجراء فشلَ بعد أنّ استخدمت روسيا والصين حقّ النقض ضدّه، حاول الناجون من التعذيب السوري، وخاصة أولئك الذين لجأوا إلى أوروبا، منذ ذلك الحين رفع قضايا في أنظمة المحاكم في البلدان التي يقيمون فيها حالياً.

قالت “بلقيس جراح”، وهي مستشار أول في هيومن رايتس ووتش: “مع منع سبل العدالة الأخرى في الوقت الحالي، فإنّ القضايا الجنائية في أوروبا هي منارة أمل لضحايا الجرائم في سوريا الذين ليس لديهم مكان آخر يلجئون إليه”، وقالت “جراح” لـ VOA: إنّ “سلطات العدالة الجنائية في عدّة دول أخرى، بما في ذلك السويد وفرنسا وهولندا، بدأت بالتحقيق في الجرائم الخطيرة في سوريا”.

مشيرةً: “إنّ ضمان محاسبة المسؤولين عن الجرائم الخطيرة أمرٌ مهمٌّ في حدّ ذاته وأساسي للحصول على أيِّ سلامٍ دائم ومستقر في سوريا”، منتقدةً التقاعسَ الدولي والإفلات من العقاب على الجرائم ضدّ الإنسانية في سوريا، وأضافت “جراح”: “قد تساعد قضايا الولاية القضائية العالمية في بناء بعض الزخم من أجل العدالة، فضلاً عن إرسال رسالة قوية إلى الضحايا السوريين مفادها أنّ الانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضدّهم لن تمرّ دون إجابة”.

وقالت “سعد الدين” إنّ إجراء أول محاكمة جنائية في ألمانيا من قِبل مدني سوري هي سابقة رئيسية يجب أنْ يستفيد منها الناجون من التعذيب الذين ما زالوا يعانون من الآثار النفسية للانتهاك، حيث كان قد تمّ احتجاز “سعد الدين” في الفرع 215 لمدّة شهرين قبل نقلها إلى سجن عدرا شمال شرق دمشق، أُطلِق سراحها في نيسان 2013 بعد مفاوضات بين الحكومة السورية ومندوبة من بلدتها.

بسبب مواجهة تهديدات بالقتل من موالين للنظام السوري المشتبه بهم، هربت “سعد الدين” إلى الأردن حيث عملت على العنف الجنسي في مناطق النزاع، وانتقلت فيما بعد مع زوجها وابنتيها إلى المملكة المتحدة، وقالت: “سنواصل الدفاع عن العدالة والمساءلة في سوريا، وآمل أنْ يبلٍّغهم جميع المعتقلين الذين يعرفون أسماء الضباط الذين عذّبوهم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى