صحيفةٌ أمريكيةٌ: “سوريا” في كتابِ “بولتون” هي القصةُ الأكثرُ تراجيديةً

قال المعلّق “جوش روغين” في مقال له بصحيفة “واشنطن بوست” إنّ أكثرَ القصص تراجيدية في كتاب مستشار الأمن القومي السابق “جون بولتون” هي (سوريا)، فمن بين القصص التي ذكرها عن السلوك السيّئ لـ “ترامب” في مجال السياسة الخارجية تكشف سوريا عن عجز وفساد أخلاقي وجهل صارخ بما يحدث في هذا البلد.

ويضيف “روغين” أنّنا نعرف الملامح الأساسية لقصة “ترامب” في سوريا، ونعرف أنّ الرئيس وصف سوريا بأنّها رملٌ وموت، وكان يريد سحب 2000 جندي منذ اليوم الأول الذي دخل فيه البيت الأبيض، ونعرف أنّه كان يريد إعلان النصر على تنظيم داعش، وتسليم المكان لمن يرغب، ويعلن أنّه تمّ تحقيق الأهداف من الحملة على التنظيم.

ويعلّق “روغين” أنّ الكتاب لا يقدّم فقط تفاصيل مروعة عن سوء فهم “ترامب”، والطريقة السيّئة التي تعامل بها مع ملف سوريا بل والعجز الكامل داخل فريقه، ولا يتضمّن كتاب “بولتون” حديثاً عن جهود حقيقية من “ترامب” لحلّ الأزمة السورية أو حماية المدنيين، ومن خلال كلام الرئيس نفسه لو كان دقيقاً ما أورده “بولتون”، فإنّه لم يكن يفهم سوريا بل ويعكس كلامه احتقاراً لها.

وقد قام “ترامب” بوقفِ مساعدات بـ 200 مليون دولار في جهود تحقيق الاستقرار في المناطق التي خرج منها تنظيم داعش، وقال: “أريد بناء بلدنا لا بلاد الآخرين”، ولم يكن الرئيس مهتماً بمحاربة التنظيم على الإطلاق، حيث قال: “نقوم بقتل عناصر تنظيم داعش لصالح دول هي عدوة لنا”.

وفي أحاديثه الخاصة كشف عن مشاعره الحقيقية تجاه سوريا، وقال: “لا أحب الأكراد وهربوا من العراقيين وهربوا من الأتراك والمرّة الوحيدة التي لم يهربوا فيها هي عندما نقصفهم بمقاتلات إف-16″، وتزامنَ قرار “ترامب” توجيه ضربة ثانية لنظام الأسد عقاباً له على استخدام السلاح الكيماوي مع الأسبوع الأول لـ “بولتون” في مجلس الأمن القومي.

ويصف “بولتون” تلك الإجراءات بـ “المرتبكة والمشتّتة”، حيث اتهم وزير الدفاع “جيمس ماتيس” باستخدام الإجراءات البيروقراطية لكي يجبرَ “ترامب” على عملية ضيقة، وكانت كما يقول “بولتون” غيرَ كافية لردع رأس النظام “بشار الأسد” ومنعِه من استخدام السلاح الكيماوي.

وحاول ترامب التراجعَ في اللحظة الأخيرة بعدما انضم حلفاء للعملية، وعلّق “لا نضرب شيئاً”، معترفاً أنّ الغارات ليست سوى وخزة دبوس، وكان قرار “ترامب” في كانون الأول 2018 لسحب كامل القوات الأمريكية من سوريا، واتصاله مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو الجزء الأهم من رواية “بولتون”.

وقال: “كانت أزمة شخصية بالنسبة لي”، ولا علاقة هذا بسوريا فـ “الصورة الأكبر هي وقفُ إيران”، ويقول “بولتون”: “أخبرني السفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرمر أنّ هذا أسوأ يوم عاشه في إدارة ترامب”، وكان اتصال “ترامب” مع “أردوغان” عبارة عن رسائل مربكة وافتراضات ساذجة، حيث كان يعتقد أنّ الأتراك سيقومون بمواصلة مهمة قتال تنظيم داعش ولكنهم ضربوا الأكراد.

ولأنّ “بولتون” معادٍ لتركيا في كتابه، فقد اتهم “جيمس جيفري”، المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا بدعم تركيا، وحاول “جيفري” رسمَ المناطق التي يسيطر عليها الأتراك والأكراد في سوريا، وهي جهود عبثية تجاهلها الأتراك، وينسب “بولتون” الفضل لنفسه ولرئيس هيئة الأركان الجنرال “جوزيف دانفورد” بأنّهما أقنعا ترامب الحفاظ على مئات من الجنود الأمريكيين في شمال سوريا، وعدم التخلي عن قاعدة التنف في جنوب سوريا، والتي يعمل فيها 200 جندي أمريكي، وعندما أعلن ترامب مرّة أخرى انسحاباً كاملاً من سوريا في تشرين الأول 2019 كان “بولتون” قد ذهب، وتراجع “ترامب” عن قراره في النهاية خالقاً فوضى بيروقراطية ودبلوماسية.

واعتقد “ترامب” أنّ الدول الأوروبية ستقوم بإرسال قوات جديدة إلى سوريا لو سحبت الولايات المتحدة قواتها، وهذا افتراض لم يكن صحيحاً، ويقول “بولتون” إنّ “ترامب” أراد وبشكل دائم التفاوضَ مع الأسد للإفراج عن 6 أمريكيين في سجنٍ لنظام الأسد، ولكن “الأسد” رفض استقبال المكالمة، وظلّ “ترامب” يتحدث مراراً وتكراراً عن حملته وقاعدته الانتخابية كمبرر للانسحاب من سوريا التي تساءل عن سبب وجود الأمريكيين فيها.

وينتقد “روغين” بأنّ “بولتون” كان مهووساً في حديثه عن سوريا بأمرين وهما مواجهة تنظيم داعش وإيران، وغير ذلك فلم يتحدّثْ عن إدلب التي تعرضت لهجوم روسي إيراني مع قوات الأسد أثناء فترته كمستشار للأمن القومي، كما وتجاهل “بولتون” سجون الأسد والاعتقالات الجماعية والتعذيبَ وقتلَ مئات الألاف من المدنيين السوريين، والتي وصفها سفير جرائم الحرب في وزارة الخارجية بأنها أسوأ آلة قتل وحشي منذ النازية.

وعندما شجع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” “بولتون” تبنّي الدبلوماسية لحلّ الأزمة السورية (بناءً على الشروط الروسية) ردَّ مستشار الأمن القومي السابق: “نحن لا نقاتل في الحرب الأهلية السورية وسياستنا هي إيران”، وتجاهل “بولتون” ذكرَ أيِّ جهود للدبلوماسية وحلّ الأزمة السورية.

فما يكشفه كتاب “بولتون” هو عدم وجود شخص في الطبقة البارزة من القيادة الأمريكية كان يعتقد بضرورة أنْ تقود الولايات المتحدة الجهود في الأزمة السورية، حيث لم يهتمَّ الجميعُ بالشعب السوري، وهذه تراجيديا مستمرة في سياسة “ترامب” المتعلّقة بسوريا ولا تزال حتى اليوم، وطالما لم يحصل الشعب السوري على الكرامة والعدالة وتوفّر لهم الاستقرار فلن تتوقف الحرب، بل وسيزداد التطرّف والتوسع الإيراني والتأثير الروسي.

ولخص “بولتون” الشأن السوري بالقول: “من منظورنا فسوريا هي عرض إستراتيجي جانبي”، وهذا الرأي القاسي وغير الصحيح سبّبَ في استمرار معاناة الملايين، وربّما تكتشف الإدارة الأمريكية المقبلة أهمية الموضوع السوري وتفعل أمراً من أجله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى