صحيفةُ “الشرقِ الأوسطِ” تكشفُ عن تعاونٍ روسيٍّ ـ تركيٍّ في حلِّ القضايا العالقةِ في الملفِّ السوري
قالت صحيفة “الشرق الأوسط” إنّ الملف السوري شهِد العديد من القضايا التي شكّلت محل خلاف بين تركيا وروسيا وكان بعضها في وقت من الأوقات عاملَ توتّر في العلاقات بينهما، وتشمل نقاط الخلاف الرئيسية: نظام الأسد، والمعارضة السورية، والمجموعات الكردية، والدور الأمريكي.
ولكن وجود قضايا خلافية لم يمنع من التقاء روسيا وتركيا حول نقاط ضمن الملف السوري، وهذا الالتقاء مدفوع بإدراك روسيا بأهمية دور تركيا في إيجاد حلٍّ للأزمة السورية يحقق مصالحها، كما تسعى روسيا إلى كسب تركيا إلى جانبها في الشرق الأوسط لإدراكها أهمية التأثير التركي على الجماعات والفصائل المسلحة.
وتتمثل نقاط الالتقاء بين روسيا وتركيا في ملفّ مكافحة الإرهاب، الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، ووضع نهاية للحرب في سوريا ودفع الحلّ السياسي عبْرَ تشكيل اللجنة الدستورية، والحفاظ على مسار أستانة والعمل ضمن إطار قرارات الأمم المتحدة، وضمان عدم نشوء كيان مستقل للأكراد في شمال شرق سوريا، والاتفاق على تقليص الدعم الروسي للأكراد.
ونجحت تركيا بالفعل في الحصول على موقف روسي مساند عندما تدخّلت عسكرياً في شمال شرقي سوريا في تشرين الأول 2019، عبْرَ اتفاق سوتشي الموقّع في 22 من الشهر ذاته، الذي حقّق لتركيا، مع اتفاق أميركي مماثل إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات ميليشيا قسد، عن حدودها لعمق 30 كيلومتراً، وانسحاب الوحدات الكردية من منبج وتل رفعت، وتسيير دوريات تركية روسية مشتركة في شرق الفرات.
ورأت دوائرُ سياسية في أنقرة في مذكرة تفاهم سوتشي انتصاراً أتاح لتركيا الخروج من العباءة الأمريكية في سوريا واستخدام روسيا كقوة مسيطرة في تحقيق المنطقة الآمنة التي أرادتها، ودفع واشنطن للقبول بها وتقليص دعمها لحليفها الكردي.
ويشكّل ملفُ إدلب ضمن النطاق الأوسع للأزمة السورية، أبرز الأمثلة التي توضح كيف تسير أنقرة وموسكو تفاهماتهما بالطريقة التي تنحي نقاط الاختلاف وتبني على نقاط الاتفاق حتى إذا تعارضت المواقف، فتركيا تدعم المعارضة السورية، وروسيا تدعم نظام الأسد.
ولكن ذلك لم يمنعْ أنْ تستفيدَ تركيا من هذا التعاون في تحقيق أهدافها في شمال سوريا، وإنْ كان بقي ذلك محدوداً دائماً، في رأي العديد من الخبراء والمراقبين، بما سمحت به روسيا في إطار خطتها ومصالحها في سوريا.
لم يتوصّل العسكريون الروس والأتراك، خلال اجتماعهم بشأن إدلب في أنقرة في 16 أيلول الماضي، إلى صيغة موحّدة لتنفيذ الاتفاقيات المتعلّقة بشمال غربي سوريا.
عقد الاجتماع في ظلّ تصعيد ميداني من جانب روسيا ونظام الأسد في إدلب، وهو أحد الاجتماعات في إطار آلية تشاور عسكري مستمر بين أنقرة وموسكو، تمكنتا من خلالها في تجنّب الصدام في أكثر من مرحلة فاصلة، كان الصدام والمواجهة المباشرة هما السيناريو الأقرب لأذهان جميع المتابعين للتطورات في الملف السوري.
وشهد الاجتماع تقديم الوفد الروسي لتخفيض عددِ نقاط المراقبة التركية العسكرية في إدلب، إلا أنّه لم يتمَّ التوصلُ إلى اتفاق بهذا الشأن، فطرح الجانب الروسي تقليص الوجود العسكري في النقاط التي تقع في مناطق يسيطر عليها النظام وسحب الأسلحة الثقيلة منها، بينما طرحت أنقرة في المقابل تسليمها مدينتي منبج وتل رفعت، وهو ما رفضه الروس.
وعقب الاجتماع قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إنّه «لم يكن مثمراً للغاية»، وأضاف: «يحتاج وقفُ إطلاق النار في سوريا إلى الاستمرار والتركيز أكثر قليلاً على المفاوضات السياسية»، مشيراً إلى وجوب وجود هدوء نسبي في إدلب، لأنّه إذا استمرت المعارك، فقد تكون العملية السياسية قد انتهت.
ومع إدراك موسكو أنّها لا تستطيع حلّ النزاع دون حدٍ أدنى من التعاون التركي، فإنّها تظل في موضع قوة تجاه أنقرة وليست في وارد تقديم تنازلات كبيرة، لا سيما بشأن مستقبل نظام الأسد.
كما تدرك تركيا أنّ روسيا يمكن أنْ تشنَّ حملة عسكرية في ظلّ انشغال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية، وتكرر روسيا باستمرار أنّها ستعمل مع نظام الأسد على عودة جميع الأراضي السورية لسيطرته، لكنّ حملتها العسكرية الأخيرة في إدلب لم تلق ارتياحاً من واشنطن.
وترفض تركيا المطالب الروسية فيما يتعلق بإدلب، وتواصل تعزيز وجودها العسكري كضمانة لأمنها القومي ولمنع عملية عسكرية في المنطقة، لا ترغب فيها الولايات المتحدة وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي لا يريد موجة جديدة من اللاجئين.