علاقاتُ الدولِ العربيةِ مع نظامِ الأسدِ إلى أينَ تسيرُ ؟!

في الواقع تبدو علاقات الأنظمة العربية بنظام الأسد غامضة وضبابية، تتراوح ما بين شدٍّ وجذبٍ، حسب ما تمليه مواقفُ الدول الكبرى، المهيمنة على الأنظمة العربية وقراراتها، هذه العلاقة أشبه ما تكون بالعلاقة مع إسرائيل، المخفي والمستور فيها أكثر من الظاهر والمعلن.
فالسعودية حاولت من قبلُ إعادة نظام الأسد للجامعة العربية، فما الذي أوقفها؟ ولماذا لا تُعلن أغلب الأنظمة العربية علاقاتها بالأسد بطريقة علنية.

نجد أنّه حين اندلعت المواجهة بين نظام الأسد المدعوم من روسيا وتركيا في إدلب بسوريا خلال الأسابيع الماضية الأخيرة، اقتصرت ردودُ أفعال الأنظمة العربية وجامعة الدول العربية الموقّرة، على إصدار بيانات عامة، تدعو إلى توقّف القتال، حفاظاً على أرواح المدنيين، وتشجب الاقتتال، لكنّه يفتقر إلى سلطة تفرضه وتنفّذه، هذه البيانات لا تقدّم شيئاً ولا تؤخّر، إنّها مجرد تسويق للإعلام، وتخدير للمواطن والشارع العربي، الذي لم يعدّ يلقي لبياناتها بالأً، ولا يهتمّ بها، لقلّة وضعف فعالياتها، فقد فقدت دورها في خدمة الإنسان العربي، والاهتمام بمصالحه، ولا نغالي إذا قلنا إنّها أصبحت تراعي مصلحة الدولة العبرية، أكثر من مصالح العرب.

الانصراف العربي عن سوريا خلّف عواقب مؤثّرة تبعث وتخلق أهدافاَ متضاربة لدول المنطقة، مما يعزّز التصوّر السائد عن الجامعة العربية بوصفها منظمة مضطربة، تتّخذُ القرارت بشكل انفعالي، بعيداً عن التخطيط والإستراتيحية المناسبة، هذا التخبّط يتمثّل في محاولة بعض الدول العربية الرئيسية إلى إعادة سوريا لصفوفها، لكنّ مساعيها الدبلوماسية قد ينتهي بها الأمر إلى أنّ تكون محددوةَ الأثر، أو تكون نهايتها الفشل.

الجامعة العربية حاولت في وقت مبكّر أنْ يكون لها دور رئيس وكبير في سوريا،
في البداية وافق النظام السوري على خطةٍ للجامعة العربية تقضي بمنع الجيش السوري من نشرِ آلياته العسكرية في مواجهة المتظاهرين في نوفمبر 2011
تزامنت هذه المرحلة مع فترة التحوّلات الخاصة بالربيع العربي، ومع ذلك، فإنّ دولاً عربية مثل السعودية وقطر شاركت في بداية انطلاقة الثورة السورية تدعمها ، وهي تسعى من خلال هذا الدعم، تحقيق أهداف لها ومصالح،
لكنّها توقّفت عن ذلك في عام 2013، لأنّها اختلفت حول ما إذا كانت ستقبل أم تعارض صعود الإسلاميين.

هناك عوامل حاسمة أخرى أسهمت في إضعاف الموقف العربي في سوريا، ولا سيما بروز ما يسمى بـ “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” في عام 2014، وهو ما فتح الباب أمام تدخّل القوى الأجنبية في البلاد..

بحلول عام 2017، تقلّص التأثير العربي بسوريا إلى حدٍّ كبير، إنْ لم يكنْ قد تبدّد بالكامل

وعندما بدأ نظام الأسد في إعادة فرض سيطرته على المناطق المختلفة في البلاد بدعمٍ من المحتل الروسي والميليشيات الطائفية، كان على الحكومات العربية أنْ تختار بين سياستين سائدتين: الموقفَ الروسي الذي يؤيّد ويحثّ على التعامل مع دمشق، والموقف الأمريكي الذي يدعو إلى مقاطعة نظام الأسد، وإلى فرض عقوبات عليه.

وفي عام 2018، تطوّر نهجٌ تقوده السعودية وتدعمه روسيا يدعو إلى رفع التجميد عن عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، حينذاك بدأت أغلبُ الدول الخليجية الرئيسية تميل شيئاً فشيئاً إلى التقاربِ مع دمشق، لكنّ إدارة ترامب أحبطت تلك المبادرة بالضغط على الدول العربية لئلا تعيدَ علاقاتها مع دمشق

وفي ديسمبر 2018، أعادت الإمارات فتحَ سفارتها في دمشق، وقالت البحرين إنّ سفارتها هناك تعمل بكاملِ طاقتها، ومع ذلك، أوقفت الرياض في عام 2019 أيَّ خطواتٍ لها في اتجاه الاعتراف بنظام الأسد، وذلك بسبب تداعيات مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وبسبب الضغوط الأميركية عليها.

هناك مؤشرات أخرى على تحرّك عربي صوبَ تطبيع العلاقات مع نظام الأسد،
ففي فبراير الماضي، أعلن الرئيس الجزائري قائلاً: إنّ النظام السوري يستحقّ العودة إلى الجامعة العربية، وفي مطلع هذا الشهر زار وزير لبناني وآخر أردني دمشق، والتقيا فيها بمسؤولين من النظام.

أخيراً من المحتمل إن حصلْ خلاف بين موسكو وأنقرة حول إدلب، فإنّ ذلك سيؤدّي إلى إعادة تبديل الأوراق في سوريا من جديد، ومن ثمَّ يتيح فرصةً لبعض دول الخليج أنْ يكونَ لها دورٌ مرّة أخرى في البلاد، وإنْ كان دورُها سيكون محدوداً تحت شروط مسبقة روسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى