كيف يمكنُ لترامب إنهاءُ الحربِ في سوريا.. بوتينُ وأردوغان مستعدّانِ أخيراً للتفاوضِ

في صيف 2011 عندما بدأت حركة الاحتجاج السلمي في سوريا والتي تحولت إلى حرب، طلب نشطاء المعارضة السورية من الرئيس الأمريكي باراك أوباما المساعدة في جهودهم للإطاحة بالزعيم الديكتاتوري في البلاد بشار الأسد، تم استقبالُ المنشقّين بدفء كبير وتعاطف من قِبل مسؤولي وزارة الخارجية والمشرعين من كلا الحزبين السياسيين، لكن إدارة أوباما – التي ركّزت بالفعل على منعِ إيران من تطوير أسلحة نووية والتي حرصت على تجنّب مستنقع الصراع الطائفي – رفضت التدخّل.

على مدى السنوات الخمس والنصف القادمة، حيث قتلت الحرب في سوريا مئات الآلاف من الناس وشرّدت الملايين، عرض أوباما الدعم المادي والإنساني للثوار السوريين ولكنّ أكثر من ذلك بقليل، لقد فشل مرارًا في اتخاذ هذا النوع من الإجراءات الحاسمة التي ربّما كانت أنهت حكم الأسد الوحشي أو غيّرت مسار الصراع الدموي.

منذ تولّيه منصبه في عام 2017، واجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتقادات متكرّرة لافتقاره لسياسة خارجية متماسكة وازدراء واضح للدبلوماسية التقليدية، لكن ترامب أظهر نفسه على أنّه قادر على اتخاذ القرار الجريء وغيرُ خائفٍ من المواجهة.

في حالة سوريا على سبيل المثال، ردّ ترامب مرّتين على استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية بضربات جويّة انتقامية فورية – في تناقض صارخ مع سلفه، الذي وصف الأسلحة الكيميائية بـ “الخط الأحمر”، ثم وقف بشكلٍ سلبي عندما استخدمها الأسد ضد المدنيين، على الرغم من أنّ تصريحاته المتناقضة قد تحبط محللي السياسة الخارجية وحلفاء الولايات المتحدة منذ فترة طويلة على حدّ سواء، إلا أنّ نهج ترامب المخصص والتفاعل تجاه التحديات الدولية أثبت في كثير من الأحيان أنّه أكثر فاعلية مما يريد منتقديه الاعتراف به.

حتى قرارات ترامب بإلغاء الصفقة النووية الإيرانية واغتيال قائد فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني – يمكن القول إنّ أكثر خطوات السياسة الخارجية جرأة ومثيرة للجدل في رئاسته – فشلت حتى الآن في تحقيق العواقب الكارثية التي تمّ التنبؤ بها على نطاق واسع في أعقابها مباشرة.

لقد حان الوقت لأن يتصرّف ترامب بجرأة مرّة أخرى عن طريق عقد صفقة كبيرة على سوريا. بفضل مجموعة غير عادية من الظروف الاقتصادية والجيوسياسية والوبائية، تتمتّع إدارة ترامب بفرصة تاريخية لوضعِ حدّ للصراع الذي دمّر البلاد لما يقرب من تسع سنوات.

كان الاقتصاد السوري يتدهور على مدار الحرب الطويلة، ولكن على مدى الأشهر العديدة الماضية دفعت الأزمة المالية في لبنان المجاور البلاد إلى حالة من الانهيار التام، جيش النظام ضعيف للغاية مما جعل الموالين للأسد يتساءلون علانية عن شرعية النظام لأوّل مرّة.

تواجه روسيا وتركيا اللتان تدعمان طرفي النزاع مشاكل اقتصادية داخلية كبيرة خاصة بهما – تفاقمت فجأة الآن بوصول فايروس كورونا الجديد، تنهار ما يسمى بعملية السلام أستانا التي تمّ وضعها في صفقة عام 2017 بين إيران وروسيا وتركيا، حيث تتضاءل إيران بشكل متزايد كمفسد، حتى اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 5 مارس بين روسيا وتركيا في إدلب في آخر معقل للمعارضة المتبقية في سوريا بدأ ينفجر بعد أسابيع فقط من توقيعه، من خلال التصرف بسرعة وتقديم كلا البلدين – وخاصة روسيا – مسارات إنقاذ الوجه من القتال الذي لم يعدْ بوسعهم تحمّلُه، يمكن للولايات المتحدة إنهاء الحرب في سوريا مرّة واحدة وإلى الأبد.

في المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا الاقتصاد في حالة خراب، الوقود وغاز الطهي نادران ونقص السلع الأساسية إلى جانب انخفاض الليرة السورية أدّى إلى ارتفاع الأسعار، للمرّة الأولى منذ عقود يهدّد نقصَ القمح الآن إعانات الخبز الحكومية التي تشكّل دعامة حاسمة لشرعية النظام، في محاولة يائسة لإخفاء عدم قدرتها على تزويد السوريين بما يكفي من الخبز، أطلق النظام أساليب توزيع جديدة “مبتكرة”: توزيع الخبز من الشاحنات بدلاً من المخابز التقليدية وإصدار بطاقات حصص مجهزة بشرائح إلكترونية لكل أسرة، إذا لم يحصل السوريون على الخبز لإطعام عائلاتهم يمكن للنظام الآن أن يجادل بأنّ ذلك لأنّهم لم يركضوا بالسرعة الكافية للقبض على شاحنة الخبز، انقطاع التيار الكهربائي مستمر، وبمجرد أنْ بدأ أنصار النظام بشدّة في انتقاد الأسد وأصدقائه علانية، داعين الفساد المتفشّي الذي دفع الملايين إلى الفقر المدقع.

أصبحت القوات الجوية للأسد الآن ضعيفة للغاية حيث تمكّنت تركيا في فبراير من فرض حظر جوي على إدلب باستخدام طائرتين مقاتلتين فقط من طراز F-16 إلى جانب أسطول من الطائرات بدون طيار، آخر مرّة اشترت فيها سوريا طائرات عسكرية بكميات كبيرة كانت في عام 1983 (على الرغم من أنّها حصلت على عددٍ صغير في عام 1996).

في الوقت الحاضر لدى الأسد حوالي 30 طائرة عاملة فقط وتفتقر حكومته إلى قطع الغيار لإصلاحها عندما تنهار، جيش النظام أيضاً منهك معنوياً بعد أشهر من التحضير لمعركة أخيرة لتحرير منطقة إدلب الشمالية الغربية، صُدم الجنود عندما توقّف تقدمُهم قبلَ الأوان بوقف إطلاق النار في 5 مارس بين روسيا وتركيا – اتفاق لوقف إطلاق النار يتعلّق بالأراضي السورية، ومع ذلك اختتم دون أيّ تدخل من رأس النظام، بالنسبة للعديد من الجنود فإنّ معرفة أنّ زعيمهم قد استُبعد من مناقشات وقف إطلاق النار كانت لحظة مروّعة كشفت الحقيقة حول خضوع زعيمهم لروسيا.

على الرغم من أنّ الحرب في سوريا هي واحدة من أكثر الحالات تعقيدًا في العصر الحديث، فإنّ أسباب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدخولها في سبتمبر 2015 كانت واضحة نسبيًا، أعرب بوتين عن أمله في رفع مكانة روسيا وصقل سمعته الدولية، من خلال جعل روسيا لا غنى عنها في الحملة ضدّ الدولة الإسلامية (أو داعش)، كان بوتين يأمل في جعل بلاده شريكًا متساوياً مع الغرب في الحرب ضد الإرهاب، تمامًا مثل الاتحاد السوفيتي مع الحلفاء لهزيمة النازية.

وقد أوضح بوتين هذه الرؤية بشكل صريحٍ عندما أشاد في خطاب ألقاه في الأمم المتحدة قبل وقت قصير من التدخّل الروسي في سوريا بمؤتمر يالطا بعد الحرب العالمية الثانية لإرساء “أساس متين للنظام العالمي بعد الحرب”، ليس من السهل أنْ نقول أنّ بوتين كان يأمل من خلال إشراك روسيا في الحرب في سوريا، أنْ يجدَ نفسه في وقتٍ لاحق في موقع ستالين في يالطا، ويلتقي بقادة القوى العظمى الأخرى في العالم ويعيد تنظيم العالم في مجالات التأثير.

ولكن الأمور لم تسرْ على هذا النحو لقد وصلت روسيا الآن إلى الحدّ المطلق لما يمكن أنْ تحقّقه في سوريا، سواء لأغراض بيع الأسلحة أو تلميع سمعتها أمام المجتمع الدولي، يهّدد المزيد من الانخراط في سوريا الآن بإلحاق الضررِ بصورة روسيا من خلال الكشف عن فشلِ أسلحتها ضدّ ترسانة تركيا المتفوقة، يعتمد جيشُ النظام بشكلٍ كامل على دعم روسيا غيرِ المشروط، وهناك دلائل واضحة على أنّ الروس يفقدون صبرهم على الأسد ويتساءلون عن حكمة الاستمرار في مساعدة نظامه.

في الأسبوع الماضي أطلقت وكالة أنباء روسية مملوكة لحليف بوتين مقرّب هجومًا عنيفًا على ضعف الأسد وفساده، الأنباء التي تفيد بأنّ الأسد أنفق مؤخراً 30 مليون دولار على لوحة ديفيد هوكني كهدية لزوجته أسماء، تمّ نشرُها لأوّل مرّة في منفذ روسي أيضًا، لكن أكثر ما يضرّ بالنظام كان مقالًا حديثًا للسفير الروسي السابق في سوريا، ألكسندر أكسينوك، حيث جادل بأنّ الأسد مهووس بالنصر العسكري، ومنفصل بشكلٍ متزايد عن الواقع، وغيرُ قادر على إعادة بناء سوريا بعد الحرب وتحويلها إلى دولة وظيفية مرّة أخرى.

مع وصول أسعار النفط إلى مستويات منخفضة جديدة، يحتاج بوتين بشدّة إلى مصادر جديدة للإيرادات، إنّ اتفاق السلام الذي مكّن من إطلاق مشاريع إعادة الإعمار سيتيح لروسيا فرصةً لاسترداد بعض الأموال التي أنفقتها لدعم الأسد – من خلال تزويد الشركات الروسية بتيار من العقود المربحة المتعلّقة بإعادة الإعمار – ومنح بوتين أيضًا انتصارًا سياسيًا دوليًا، لن يتخلّى بوتين عن فكرة الدور القيادي لروسيا في سوريا ما بعد الحرب، لكنّه سيتخلّى عن الأسد بنفسه كوسيلة لتحقيق هذه الغاية.

يجب أنّ تركز إدارة ترامب، أولاً وقبل كلّ شيء، على جلبِ روسيا إلى طاولة المفاوضات، لكنّ تركيا أيضا بحاجة ماسّة إلى صفقة، الوضع الاقتصادي المحلي في تدهور، والتوترات داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم في ازدياد، بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أصبحت الخسائر البشرية والمالية للتدخّل السوري غير مستدامة، لا يمكن لتركيا أنْ تنجح في سوريا بدون دعم الناتو، ويخشى أردوغان من انسحاب أمريكي مفاجئ من شمال شرق سوريا، منذ وقفِ إطلاق النار في 5 مارس في إدلب، بدأت تركيا مبدئياً في التعاون مع روسيا، لكنّ أردوغان يعتمد على المساعدة العسكرية الأمريكية، المقدمة على المستوى الثنائي ومن خلال حلف شمال الأطلسي، وسيرحّب بمشاركة إدارة ترامب في إنهاء الصراع.

إنّ خريطة الطريق لإحداث انتقال سياسي ديمقراطي سلمي بقيادة سوريا موجودة بالفعل، لقد تمّ تحديدُه في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 وتمّ تبنّيه بالإجماع في ديسمبر 2015، لكنّ وقفَ إطلاق النار هو الخطوة الأولى، وينبغي على ترامب أنْ ينتهز الفرصة لتحقيق ذلك، في الواقع ربما يكون زعيم العالم الوحيد القادر على القيام بذلك.

صحيح أنّ الولايات المتحدة لا تتمتع بمكانة في الشرق الأوسط كما كانت في السابق، لكنّ بوتين لن يتردّدَ في اتباع ترامب إلى طاولة المفاوضات – ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنّه سيزيد من طموحاته في “يالطا” الجديدة، ولكنْ ذلك في الغالب لأنّه ليس لديه خيار يذكر. بعد إبرام صفقة مع روسيا وضمان استسلام الأسد، يمكن لترامب الاقتراب من أردوغان ومن هناك وضع سوريا على طريق التحول الديمقراطي وإعادة البناء السلمي.

الحرب في سوريا فوضوية، ستظلّ هناك حاجة إلى خدمة العديد من المصالح وحلّ العديد من المشكلات في الاتفاقية النهائية، لكنّ صفقة مع روسيا وتركيا تؤدّي إلى وقفٍ دائم لإطلاق النار وإزاحةِ الأسد هي الخطوة الأولى الضرورية؛ بعد ذلك سوف ينضمّ الأكراد بسهولة، لقد أثبت ترامب أنّه قادر على التصرف بجرأة، من خلال عقد صفقة كبيرة على سوريا، سيظهر للعالم مرّة أخرى أنّه يستطيع تحقيق نتائج ملموسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى