
لماذا يُعَدُّ فايروسُ كورونا قنبلةً موقوتةً في منطقةِ شمالِ سوريا التي مزّقتها الحربُ
يرى الناس في إدلب وشمال شرق سوريا أنفسهم كالبطّ الجالس إذا بدأت العدوى تنتشر، فالمنطقة ضعيفة بشكلٍ خاص بسبب الظروف الإنسانية الصعبة، وخطرِ حدوث مزيد من الصراع، ومع اقتراب جائحة فايروس كورونا من مساحات شاسعة وقاتلة في الشرق الأوسط وآسيا، فإنّ الناس في المناطق التي مزّقتها الحرب يجلسون كبطٍّ في انتظار الإصابة بالعدوى.
ولا يوجد مكانٌ تتعرّض فيه المجتمعاتُ المتضرّرة من الأزمات أكثرُ عرضةً للفايروس المميت من المساحات الشاسعة في سوريا، وخاصة في شمال غرب البلاد وشمال شرقها، قال محلّلون عرب إنّ شمال سوريا معرّضٌ للخطر بشكل خاص بسبب الظروف الإنسانية الصعبة وخطرِ حدوث مزيد من الصراع.
تواجه محافظة إدلب الشمالية الغربية الخاضعة لسيطرة المعارضة والشمال الشرقي الخاضع لسيطرة الأكراد، وهما المنطقتان المتبقيتان خارج سيطرة نظام الأسد عدواُ غيرَ مرئي، وأكّدت دمشق حالتها الأولى في 23 آذار، بعد أنْ أصرّت لأسابيع على أنّ الفايروس لم يصلْ إلى البلاد.
كان النظام يشنّ حملة عسكرية عدوانية لاستعادة الأراضي في إدلب على مدار الأسابيع القليلة الماضية، خفّت حدّةُ القتال خاصة بعد أنْ توصّلت تركيا التي تدعم العديد من الجماعات المعارضة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع روسيا الداعم العسكري الرئيسي لبشار الأسد.
لجأ مئات الآلاف من النازحين بسبب القتال إلى مأوى في مخيمات النزوح المكتظّة بالفعل، حيث تجعل الظروف من المستحيل على السكان ممارسة الإبعاد الاجتماعي أو العزلة الذاتية، من بين سكان إدلب البالغ عددهم 2 مليون نسمة، نزح ما لا يقلّ عن 900000 شخص في الجولة الأخيرة من القتال بين النظام والثوار.
قال “مصطفى جوربوز”، وهو زميل غيرُ مقيم في المركز العربي في واشنطن العاصمة: “نزح حوالي مليون شخص يعيشون في خيامٍ على طول الحدود التركية، التباعدُ الاجتماعي هو رفاهية، لا يوجد شيء يسمى المنزل، ونقصُ المياه منتشر، والنظافةُ الصحية مستحيلة، ويعاني الناس بالفعل من سوء الصحة”، وفي ظلّ هذه الظروف إذا أصاب عدوى COVID-19 عددًا قليلاً من الأشخاص فقد ينتشر بسرعة كبيرة.
“يمكن أنّ تؤدّي حالات قليلة فقط إلى تفشّي الوباء، وقال “جوربوز”، في إشارة إلى هدنة آذار التي أدّت إلى توقّف القتال في إدلب: “إذا تعطّل وقفُ إطلاق النار الهشّ فقد يؤدي تجدّدُ النزاع إلى مزيد من النزوح، الأمر الذي قد يؤدّي إلى مزيد من انتشار COVID-19”.
دعت الأمم المتحدة إلى وقفِ إطلاق النار في جميع أنحاء سوريا حتى يمكن تركيز الجهود على منعِ تفشّي المرض بشكلٍ كبير، والذي يمكن أنْ يؤثّرَ على حياة الملايين من الناس الذين يعيشون في ظروف مؤسفة وغيرِ صحية في جميع أنحاء البلاد.
وقال “آرون لوند”، زميلُ في مؤسسة القرن، إنّ إدلب غيرُ منظّمة ومجهّزة بشكل جيّد للتعامل مع الوباء، وقال: “لا توجد حكومة متماسكة، بل مجرد مجموعة من المجموعات المتعاملة مع نظام من المجالس المحلية”، مضيفاً أنّ إدلب تفتقر بشدّة إلى الموظفين والمنشآت الطبية والأدوية للتعامل مع الآثار المحتملة لأيّ تفشّي كبير، حيث يعيش مئات الآلاف من الناس في جيوب مع بعضهم البعض في معسكرات الخيام والمباني المتداعية.
وقال “لوند” بأنّ كبار السن الذين هم الأكثرُ عرضةً لخطر الوفاة أو الإصابة بمرض شديد بسبب الفيروس، يختلطون مع الأطفال وليس لديهم طريقةٌ لعزلِ أنفسهم للحماية”، علاوةً على ذلك لا يحصل الكثير من سكان إدلب على المياه النظيفة أو الساخنة أو الضروريات مثل الصابون التي يمكن أنْ تساعدَ في منعِ انتشار الفايروس.
ومما يضاعف من الأزمة أنّ الحملة الجوية التي يدعمها النظام الروسي في إدلب شهدت قصفًا متكرّرًا للمستشفيات والمنشآت الصحية، مما أدّى إلى شلّ البنية التحتية الصحية المحلية وجعلها غيرَ قادرة على التعامل مع أيِّ تفشي، وعندما يتعلّق الأمرُ بانتشار COVID-19، فإنّ مخاوف إدلب ونقاطَ ضعفها تعكسها مخاوفُ شمال شرق سوريا، والتي تسيطر معظمها على قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد.
حيث أثارت أنباء الوفاة الأولى في مستشفى في مدينة القامشلي التابعة لسلطة النظام ردَّ فعل قويّ من الهلال الأحمر الكردي وإدارة الحكم الذاتي لشمال وشرق سوريا المدعومة من قوات سوريا الديمقراطية يوم الجمعة، وأعرب الهلال الأحمر عن أسفه للخطورة العالية لانتشار الفايروس بسبب إعلان منظمة الصحة العالمية النتيجة الإيجابية بعد 15 يومًا من الإصابة.
ويصف “جوشوا لانديس”، مدير دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، المنطقة بأنّها “قنبلة موقوتة لفايروس كورونا، والتوتّرات شديدة للغاية، حيث أنّ ستة جيوش في مواجهة: الجيش التركي، الجيش السوري، قوات سوريا الديمقراطية، الجيش الأمريكي، إلى جانب القوات الروسية والإيرانية المتمركزة في المنطقة، وقال “لانديس”: إنّ هذا يجعل الحصولَ على المساعدة للمنطقة أو تنسيق السياسات مستحيلاً”.
في كانون الأول استخدمت روسيا والصين حقَّ النقض (الفيتو) لمنعِ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من تجديد الإذن بتوصيل المساعدات إلى شمال سوريا من الدول المجاورة، في خطوة شجبتها منظمة العفو الدولية ومنظمةُ الدفاع عن حقوق الإنسان ووصفتها بأنّها قاسية، ونتيجة لذلك تمّ تركُ ما يصل إلى 400000 مادة طبية كان من الممكن تسليمُها إلى شمال شرق سوريا عالقة في شاحنات في العراق المجاور.
نظامُ الأسد على الأرجح كجزء من محاولة للضغط على قوات سوريا الديمقراطية منعَ تدفّقَ المساعدات عبْرَ دمشق، وتقول منظمة الصحة العالمية إنّها زوّدت سوريا بما لا يقل عن 1200 مجموعة اختبار، ولكنّ الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تقول إنّ دمشق فشلت في توفير معدّات الحماية وأجهزة التنفّس الاصطناعي.
وهذا يترك الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في حالة ربط وأكثر عرضة لأيِّ تفشّي نظراً لاعتمادها الشديد على المساعدات من الأمم المتحدة والمنظمات غيرِ الحكومية، وخاصة بالنسبة لمخيمات النازحين في المنطقة والسجون المكتظّة، في حالة عدم استئناف تدفق مساعدات الأمم المتحدة أو المرور دونَ عوائق للإمدادات الطبية عبْرَ دمشق إلى المنظّمات غير الحكومية، فإنّ الموارد الضئيلة من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ستغرق بسرعة في حالة تفشّي المرض، يمكن أنْ تشكّل عدوى الفايروس في شمال شرق سوريا تهديدًا أمنيًا شديدًا للغاية للمنطقة وربّما خارجها.
وقال “لانديس”: “هناك حوالي 10،000 مقاتل من داعش مع ما يقرب من 70،000 من أفراد عائلة داعش، محتجزون في أماكنَ ضيّقة، حيث يصعب تحقيقُ تباعد اجتماعي”، على الأقل فإنّ الوضع في شمال سوريا هو سببٌ كبير للقلق حيث أنّ الوباء يسبّب الفوضى في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ما هو مؤكّد هو أنّه من غير المحتمل أن ينتهيَ ألم ومعاناة شعبِ إدلبَ المنهكِ من الحرب وشمال شرق سوريا في أيِّ وقتٍ قريب.