(مترجم) صحيفةٌ أمريكيةٌ ترصدُ وقفَ إطلاقِ النارِ في إدلبَ وتبحثُ في المكانِ الذي قُتِلَ فيه 36 جندياً تركياً

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقريراً حول الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها المدنيون في محافظة إدلب، وخاصة مع إعلان روسيا وتركيا عن تطبيق اتفاق جديد لوقفِ إطلاق النار في المنطقة، وهذه الترجمة الكاملة للتقرير الذي نشرته الصحيفة بحسب ما ترجمه موقع “شبكة المحرَّر الإعلامية”:

مع بدء سريان وقفِ إطلاق النار السوريون يعودون إلى بيوتهم، ليس للبقاء فيها ولكن لكي يتفقدوا ممتلكاتهم، حيث بدأ بضع من مئات الألوف الذين نزحوا بسبب القتال بالتوافد عائدين ولكن قليلٌ منهم فقط يعتقد أنّ هذه التهدئة ستسمر.

وبدأت يوم الخميس الفائت بضع العائلات بالعودة والتجول بين ركام بيوتهم ومحلاتهم في بلدة بليون السورية على خط الجبهة مستغلين وقفَ إطلاق النار المتّفق عليه بين روسيا وتركيا والذي يعتقدون أنّه هشٌ ولن يستمرَ طويلاً.

وقال “عصام علوش” الذي اعتلت وجهه نظرة حسن: “لن نعود أبداً مجدداً”، شاحنته كانت ممتلئة بالفرشات وخزان مياه والتي يأخذها إلى خيمته قربَ الحدود التركية حيث يعيش 8 أفراد من عائلته. وعلّق على وقف إطلاق النار قائلاً: “إنّها كذبة كبيرة، لقد خدعونا لسنوات”.

بليون هي إحدى البلدات المدمّرة والمهجورة في القسم الجنوبي لإدلب والتي تمّ تهجيرُ أهلها بفعل الهجوم الذي تشنّه قوات النظام مدعومة بالطيران الحربي الروسي والتي تسعى إلى السيطرة على آخر معقل للثوار، جنوب مدينة إدلب هجرت البلدات والقرى التي كانت آثار الدمار واسعة فيها بفعل الضربات الجوية والقصف المدفعي خلال الأسابيع العديدة الماضية.

وقد بدأ السكان بجمعِ ممتلكاتهم حيث أنّهم غادروا بيوتهم على عجلة ويعيشون الآن في خيم قرب الحدود التركية، حوالي مليون مدني هُجّروا من بيوتهم خلال الأشهر الثلاث الماضية حيث تمّ حشرُهم على امتداد ضيق طول الحدود، وقد توقّف القتال منذ 11 يوماً بعد الاتفاق بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان على وقفِ إطلاق النار، الأمر الذي حفّز المدنيين على العودة لتفقّد ممتلكاتهم وإنقاذ ما أمكن منها.

حلّقت طائرة استطلاع روسية لبضع ساعات هذا ما دفع الناس للاختباء بين الركام بينما سمع صوت قصف مدفعي قال الدفاع المدني إنّها أطلقت من قِبل قوات النظام، ويأمل المدنيون أنْ يتحوّل وقفُ إطلاق النار الى سلام دائم ولكنّ قليلاً منهم فقط يوقنون أنّ الهجوم الروسي السوري قد انتهى.

وقال “محمود مصري” البالغ 42 من العمر: “في حال كان هناك وقفُ إطلاق نار حقيقي فسنعود إلى بيوتنا, نثقُ في الأتراك ولكن ليس لدينا أيُّ ثقةٍ في الروس لأنّهم قاموا بقتلنا”، الوضع في بلدة بليون يسلط الضوء على الخروقات في وقفِ إطلاق النار حيث أنّ هذه البلدة تقع تحت سيطرة الثوار وتقع على خطوط الجبهة الأولى مع قوات النظام، حيث أنّها تقع على بعد ستة أميال من الطريق الدولي “إم 4″، حيث أنّها مستثناة من منطقة خفض التصعيد والتي ستسير عليها دوريات روسية وتركية مشتركة، وقالت الأغلبية الساحقة من السكان إنّهم لن يبقوا في حال جلبت القوات الروسية قوات النظام معها إلى المنطقة.

وقد بدأ رأس النظام “بشار الأسد” مدعوماً من قِبل روسيا بعملية لاستعادة السيطرة على الطريقين الدوليين الذين يعبران في مقاطعة إدلب: طريق M5 الذي يربط مدينة دمشق بحلب في الشمال. وطريق M4 الذي يربط شرق سوريا بغربها، وأصرّ أردوغان الذي يدعم مجموعات سورية تقاتل ضد “بشار الأسد” بأنْ تنسحبَ قوات النظام إلى المواقع المتّفق عليها في موسكو 2018 والتي نصّت على أنْ تبقى هذه المناطق منزوعة السلاح، ونشر أردوغان ما يقرب من 10000 جندي وآلية في محافظة إدلب في الأشهر الثلاثة الماضية في محاولة لوقفِ تقدّم قوات النظام ، الذي يهدّد بإجبار عدّة ملايين من السوريين إلى تركيا.

ومع ذلك، فإنّ اتفاق 5 آذار لوقفِ إطلاق النار لم يرقَ إلى حدٍ كبيرٍ لمطالب أردوغان المعلنة. حيث أنّ هذا الاتفاق يعترف بشكلٍ أساسي بالواقع الجديد، ويتنازل عن السيطرة على طريق M5 والمدن الواقعة على طولها لقوات النظام وفتح طريق M4 للقوات الروسية، وترك الاتفاق مئات الآلاف من الأشخاص غير متأكّدين من قدرتهم على العودة إلى ديارهم. ولا تزال مدينتا معرة النعمان وسراقب على طريق حلب دمشق السريع في أيدي قوات النظام حيث أنّ قلّة من السكان سيخاطرون بالعودة.

بموجب شروط الاتفاق، فإنّ الطريق السريع M4، الذي يمرّ عبر الجزء السفلي من محافظة إدلب، سيكون منطقة منزوعة السلاح تسير فيها دوريات من القوات الروسية والتركية. ومع ذلك، تمّ إلغاء أول دورية يوم الأحد بعد أنْ أحرق متظاهرون الإطارات لسدّ الطريق.

في بليون، الواقعة بين طريق M4 في الشمال وقوات النظام في الجنوب، فإنّ العائد الذي يمثله الاتفاق الأخير محسوس بشكلٍ كبيرٍ، وقال “عبد الغني الحقمان” الذي يستعدّ للمغادرة مع شقيقه وهو يقود شاحنة محمّلة بالأثاث “بالطبع الوضع أسوأ حيث أنّنا بين طريق M4 والنظام. لا أحد يعيش هنا “.

وفي بليون قُتل ما لا يقلّ عن 36 جنديًا تركيًا قبل أسبوعين جرّاء غارات الجوية. لم يكن هناك أيُّ شكٍّ في أنّ الضربات تمّ إجراؤها بواسطة طائرة حربية روسية، وفقًا لأعضاء فريق المراقبة الذي يتتبّع نشاط الطائرات فوق سوريا وفرق الدفاع المدني المحلية التي ساعدت في جهود الإنقاذ، ويشير خطُ من الصخور والحفر المنفجرة المحترقة في الأرض إلى أنّ 13 صاروخًا أصاب الجنود الأتراك وهم يسعون إلى حماية أنفسهم خلفَ العديد من الفيلات الحجرية. كان الزي العسكري الممزّق وحذاء الجيش المقطّع إلى نصفين ملقىً على الأرض في ساحة إحدى المنازل، بالإضافة إلى الحطام المعدني والزجاج الأمامي المضاد للرصاص في عربة SUV المحطّمة ولكن كانت لا تزال في قطعة واحدة، منتشرين عبر الشارع.

وقال محلّلون إنّ الضربة بدت وكأنها كانت بمثابة توبيخ حاد من بوتين الذي نفّذ صبرُه من تركيا التي تردعُ القوات الروسية والسورية من هزيمة آخر بقايا المعارضة. وعلى الطرف المقابل، قام أردوغان بتعزيز وضعه العسكري في إدلب ومناشدة دعم حلفاء الناتو لمنع أزمة اللاجئين حيث هدّد السوريون بإغراق الحدود التركية، ولا يزال السوريون غيرَ متأكّدين مما إذا كانت تركيا قادرة بالفعل على إيقاف تقدّمٍ روسي سوري آخر.

وقال “موسى الشيخ” (35 سنة) صاحب متجر أثاث في شارع التسوّق الرئيسي في البلدة: “أخبر رئيسك ترامب بوقفِ هذه المعاناة”، وأضاف: “الجنود الأتراك ماتوا هنا”. الروس والأسد يضربون كلَّ يوم. إنّهم لا يسمحون لنا بالعيش”.

وفي مدينة أريحا ، والتي هي مجموعة من المباني السكنية الخرسانية التي تقع على الطريق السريع M4 ، تجرّأ بعضُ الأشخاص على العودة ولكنّهم لم يشعروا بالاطمئنان، حيث عادت وحيدة سنكار جرابي مع أسرتها أثناء القصف لأنّها لم تستطعْ تحمّل العيش مع عشرات العائلات الأخرى في مدرسة، وقالت وحيدة: “نحن خائفون للغاية ، لكنّ الموت بكرامة أفضل من عيش تلك الحياة”، ثم توقّفت للتحدّث في الساحة الرئيسية للمدينة، حيث جلس ثلاثة رجال على كراسي بلاستيكية يبيعون علب سجائر.

وقالت السيدة جرابي إنّهم كانوا يعيشون تحت القصف، مع القليل من الطعام أو الماء، حتى أنّهم توسلوا الخبز، وأضافت أنّ بعض المتاجر كانت تفتح، حيث لم يكن هناك عمل وكانت العائلات جائعة، وأضافت: “اطلب من المجتمع الدولي إرسال الإغاثة إلى مدن مثل أريحا”، “نحن بحاجة إليها الآن، وليس لاحقًا”، وقالت إنّهم ما زالوا مستعدّين للطيران إذا استؤنف القتال، وأنهت كلامها قائلة: “الآن نفهم أنّه علينا أنْ نأخذ حقيبة واحدة فقط ونهرب”، قرّرنا أنّه إذا نزحنا مرّة أخرى، فسوف نذهب مباشرة إلى الحدود التركية ولن نذهبَ إلى أيِّ مكان آخر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى