نازحونَ يفضّلونَ منازلَهم المدمّرةَ على التعرّضِ لـ “كورونا” في مخيماتِ إدلبَ

رغمَ دمارِ منزله في شمال غرب سوريا، قرّر حسن خريبي العودة إلى مدينته أريحا، في محاولة لحماية أطفاله العشرة من خطر وباء كوفيد-19 الذي يهدّد بكارثة إنسانية في حال انتشاره في مخيّمات النازحين المكتظّة.

ويقول خريبي (45 عاماً) الذي عاد قبل أسبوع مع عائلته الى مسقط رأسه بعد شهرين من النزوح، “المخيماتُ مكتظّة بشكلٍ كبيرٍ وخفنا من احتمال انتشار فيروس كورونا هناك بسب الازدحام”، ويضيف “لذلك قرّرنا العودة إلى منازلنا حتى وإن كانت مدمّرة، لنعيشَ فوق ركامها”.

ولم تُسجلْ أيُّ إصابة بعدُ بفيروس كورونا المستجِد في إدلب ومحيطها، إلا أنّ منظمات إنسانية دولية حذّرت من كارثة إذا طال الوباءُ المخيماتِ المكتظة بالنازحين المنتشرة بشكلٍ أساسي قرب الحدود التركية شمالاً، وتفتقد المخيمات إلى الخدمات الأساسية خصوصاً الصحية منها كشبكات المياه والصرف الصحي، ويبدو غسل اليدين أو الاستحمام بمثابة ترفٍ لا يمكن لكثيرين الحصولُ عليه.

وخريبي واحد من نحو مليون شخص نزحوا من مدنهم وقراهم في ريف إدلب الجنوبي وريف حلب الجنوبي المجاور هرباً من هجوم عسكري شنّته قواتُ الأسد وحليفتها روسيا على مدى ثلاثة أشهر تقريباً قبل أنْ يتوقّف بموجب اتفاق روسي تركي في الأسبوع الأول من آذار، وبعد أسابيع من دخول الهدنة حيزَ التنفيذ، عاد الآلاف من النازحين إلى مناطق عدّة بينها أريحا والأتارب وإحسم، إما لتفقد منازلهم وممتلكاتهم أو للبقاء فيها.

في أريحا، يحاول مئات العائدين إعادة الحياة شيئاً فشيئاً الى المدينة، بدأ بعضهم بإصلاح الأضرار التي طالت الأبنية والمنازل، وأعاد آخرون فتح محالهم والبحث عن مصدر رزقهم، ويلهو أطفالٌ فوق أنقاض المنازل المدمّرة، يتبادلون الضحكات ويتسابقون على تسلّق جبال الركام، في مشهد لطالما طبع سنوات الحرب التسع.

في محل مجاور، ينهمك عامل بوضع العجين المقطع بشكلٍ دائري في الفرن الآلي الوحيد الذي عاد إلى الخدمة في المدينة، ليخرجَ منه خبز ساخن تفوح رائحته في الأرجاء، واستأنف خريبي بدوره العمل في شوارع أريحا حيث يجول على السكان بصهريج مخصّص لبيع مياه الشرب.

رغم صمود الهدنة وغياب الطائرات الحربية عن أجواء المنطقة، يُشكّك خريبي في صمود اتفاقِ وقفِ إطلاق النار. ويعرب عن اعتقاده بأنّ فيروس كورونا المستجِد لعب دوراً في تجميد التصعيد العسكري في إدلب، ويقول “بسبب مرض كورونا، انشغل النظام وروسيا عنا، وإنْ شاء الله ينشغلون عنا لفترة أطول”.

على غرار غالبية الدول حول العالم، تركّز حكومةُ النظام اليوم جهودها على الحدّ من انتشار الوباء، في وقت سجّلت حتى الآن 33 إصابة في البلاد بينها وفيتان في مناطق سيطرتها، أما في إدلب، تزوّد منظمة الصحة العالمية مختبراً رئيسياً باختبارات الكشف عن الفيروس، إلا أنّ عددها يبدو قليلاً جداً مقارنة مع حجم الكثافة السكنية.

وأجبرت هجمات متكرّرة شنّتها قوات الأسد على مرّ السنوات الماضية رامي أبو رائد (32 عاماً)، على الفرار مع زوجته وأطفاله الثلاثة من منطقة إلى أخرى في سوريا قبل أن ينتهيَ به المطاف في أريحا التي عاد إليها الأسبوع الماضي بعد نزوحه إلى شمال إدلب، ويقول “ضاقت الأوضاع علينا بشكلٍ كبيرٍ، والنزوح صعب”. وبعد شهرين من النزوح، اتخذ قرار العودة خشية من تفشّي الوباء.

ويشير الى أنّ “الكثافة السكانية في الشمال ارتفعت بشكلٍ كبيرٍ وباتت منطقة مزدحمة، يعيش الناس فوق بعضهم البعض، وتجدُ في كلّ منزلٍ ثلاث أو أربع عائلات تعيش سوياً، هذا غيرُ منطقي خصوصاً مع انتشار كورونا”، وهو مقتنع بأنّ قوات الأسد ستستأنف عملياتها عاجلاً أم أجلاً، وأنّ التهدئة مرتبطة بفيروس، ويقول “كورونا ولو تمّ القضاءُ عليه لاستأنف النظام عملياته”، غير أنّه قرّر مع ذلك أنْ يعودَ أدراجه “خوفاً على الأطفال”.

ودفع السببُ ذاته ياسر السحيم (52 عاماً) إلى العودة مع زوجته وأولاده السبعة إلى أريحا بعد شهرين من نزوحهم، ورغم دمار منزلهم، واختار الرجل استئجار منزل باعتبار أنّ “المكان هنا هادئ وعدد السكان قليل جداً”، وعلى غرار كثيرين، يأمل ياسر في أنْ يعود أهالي المدينة ويساعدُ بعضهم في إعادة بنائها والبدء من جديد.

إلا أنّ بائع الخردوات يحيى (34 عاماً) فضّل العودة وحدَه إلى أريحا، وبقيت عائلته في الشمال، ويقول “عدنا بالخردوات والأدوات الصناعية والمستلزمات الأولية لإعادة تأهيل المنازل”، لكن “ليس معروفاً في أيِّ وقت سيخرق النظام الهدنة”.

في أريحا أيضاً، تحاول أم عبدو (40 عاماً) وزوجها البحثَ عن منزلٍ للإيجار بعدما استحال بيتهما ركاماً، وتقيم العائلة منذ فرارها قبل نحو شهرين الى الشمال، في مسجد قرب الحدود التركية، إلا أنّ ما دفعها للعودة لا يتعلق بالهدنة ولا الخشية من تفشّي الوباء.

في مقبرة المدينة، تنتقل أم عبدو مع طفلتها وهي تضع قناعاً واقياً على وجهها بين ضريحي ولديها اللذين قُتِلا بقصف خلال السنوات القليلة الماضية، تعانق شاهد قبر أحدهما ثم تنحني قرب الآخر، وتقول بحرقة لفرانس برس “إنْ شاء الله نستقرّ في مدينتنا لأتمكّن من زيارة قبري ولديّ.. هما أكثر ما أريد العودة إليه”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى