هل تستطيعُ روسيا إنقاذَ اقتصادِ الأسدِ من الانهيارِ كما أنقذتْ جيشَهُ سابقاً؟

نشر الصحفي روبرت فيسك مقالاً في صحيفة إندبندنت البريطانية اعتبرَ فيه أنّ التحدي الأكبرَ الذي يواجه الهيمنةَ الروسية في سوريا يتمثل في انهيار اقتصاد الدولة .
وفي مقاله الذي حمل عنوان “روسيا ستواجه أكبرَ امتحان لها في سوريا”، وترجمته ” ذكر أنّ الروس بدأوا يخسرون المعركة في ليبيا، وكذا صديقها الليبي- الأمريكي، وصديق واشنطن خليفة حفتر، الذي خسر العديد من المدن غرب ليبيا لصالح حكومة الوفاق المعترفِ بها دولياً.
وقال فيسك إنّ التقدّم في ليبيا كان سببه الرئيسي “الدعم التركي من الرجال والعتاد بمن فيهم مقاتلون من بقايا الجيش السوري الحرّ”.
ويرى أنّ ليبيا غدت اليوم مثل سوريا والحرب الأهلية في لبنان من قبل، ساحة لـ “قادة العصابات الكبار” فالسعوديون والإماراتيون والمصريون يدعمون حفتر، الذي جذبتْهم مواقفُه المعادية للإسلاميين، إلى جانب موسكو التي فتحت بدورها ذراعيها له”.
وذكّرَ فيسك بتاريخ الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، وكيف كان ضابطاً يثق القذافي به، حيث استعمله بمراحل القتال في حرب تشاد، وكيف تحوّل بعدها إلى صديق للسي آي إيه، ومن ثم مراحل ظهوره التي تلت مقتل القذافي.
كما ذكّر بحادثة نقل حفتر في 2017، بطائرة عسكرية إلى البارجة الروسية كوزنتزوف، التي كانت في طريقها من سوريا إلى بحر البلطيق، وكيف عقد وزير الدفاع الروسي حينها اجتماعاً معه عبْرَ الفيديو، تمّ فيه نقاشُ التعاون في حرب “الإرهاب الدولي”.
وأكّد فيسك إلى أنّ حادثة البارجة، شكّلت تحوّلاً بطبيعة العلاقة المستقبلية بين حفتر والكرملين، وتحديداً بملفات “الإرهاب”، وهي الملفّات التي يُعدُّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خبيراً بها، وتحديداً حركات “الإرهاب” في الشيشان، أوكرانيا أو سوريا أو ليبيا.
وعلى الرغم من التعاون الوثيق والعلاقات التي تطوّرت بين الطرفين، إلا أنّها لم تصلْ لدرجة إرسال موسكو لجنود أو معدّات ثقيلة على الأرض، لمساندة حفتر، بل تمّ الاكتفاء بعددٍ من المرتزقة فقط.
وفي تحليل فيسك لهذه الوقائع رأى أنّ حفتر من وجهة النظر الروسية “ليس أكثر من لعبة، وأنّه لم يصلْ لمرتبة أنْ يصبحَ مرشّحاً جديّاً لتحالف روسي”.
كما أنّ روسيا التي أبعدت برأيه نفسها عن التراب الليبي، ستبقى مصرّةً على وجوب التشاور معها في أيِّ حوار حول مستقبل ليبيا، سواء من طرف الولايات المتحدة أو الأمم المتحدة أو ما يُعرف بالمجتمع الدولي.
وأَضاف: “يمكن لولي العهد السعودي والسيسي الرهان على حفتر، ولكنّ ولاءَ روسيا بوتين سيظل لسوريا التي يحاصر فيها جيش النظام مدينة إدلب”.
وفي هذا الصدد يرى فيسك أنّ موسكو “تشكُّ بقيام تركيا بتشجيع العناصر الإسلامية والقومية لتعطيلِ الطريق السريع الذي جرى الاتفاق عليه”، مؤكِّداً أنّ أنقرة “لن تنجرَّ لأيّة معاركَ مع الروس بعد خسارة الجيش التركي 37 جندياً، وهي الأكبر في تاريخ الجيش منذ المحاولة الانقلابية عام 2016”.
ويرى فيسك أنّ مشكلة تركيا الحقيقية والتي يعرفها الروس، هي كيفية التعامل مع الجماعات الإسلامية والجهادية التي تقوم بالقتال إلى جانب المعارضة المدعومة تركياً لنظام بشار الأسد.

وقال إنّ تركيا لا تملك “شحن الجهاديين إلى صحاري السعودية كي تبرّدَ رؤوسهم لعقد أو عقدين في صحراء الربع الخالي، وبذات الوقت لن تسمحَ لهم بالتوطّن في أراضيها، خاصة بعدما استهدفوا مدنها في الجنوب، وعليه ستبقى راغبة بإبقائهم داخل سوريا ضمن المناطق التي تسيطر عليها ” .
وتناول فيسك في مقاله ملفّ الاقتصاد السوري المنهار، وأشار إلى أنّ الحصة المتبقية لروسيا في الشرق الأوسط هي سوريا، وعليه ما تزال تعمل على تقوية نظام الأسد، وعينُها على مأساة الاقتصاد.
وقال إنّ الشعب السوري “أصبح فقيرا بدرجة قد تخسر فيه الحكومة روايتها، وهي أن الأسد وحزب البعث هم الأقدر على حماية سوريا من تنظيم الدولة والمعارضة المسلحة”، مشيراً إلى أنّ السوريين باتوا يفرّقون بين ملفات محاربة تنظيم الدولة، وبين الانهيار الحاصل بمناحي الحياة الأخرى.
وقام بالمقارنة بين ظروف عراق صدام حسين وحالة لبنان اليوم، وظروف النظام السوري، مشيراً إلى أنّ الأسد فشل في تأمين الحاجات الأساسية -الطعام والصحة والتعليم والأمن- في حين تمكّن لبنان رغم ظروفه وكذلك صدام حسين من توفيرها.
وأكّد أنّ : “الوضع الاقتصادي بات يخيف السلطات، وقبلَ أشهرٍ كانت هناك أسباب تدعو للاعتقاد بقيام قطر بالتدخّل لإعادة بناء سوريا بشكل يوسّع نفوذها الإقليمي، وقد تستفيد الشركات الروسية من المال القطري وتقود عمليات الإعمار، وربّما كانت السعودية مستعدّةً لإعادة الإعمار لسحب البساط من إيران، خاصة أنّ هذه لا تستطيع القيام بالمهمة نظراً لوضعها الاقتصادي أيضاً”.
وفي الختام طرح فيسك سؤالاً: “هل تستطيع روسيا إنقاذَ الاقتصاد السوري كما أنقذت الجيش السوري؟ فوضع طائرات سوخوي في قواعد عسكرية بناءً على عقود طويلة الأمد يختلف عن ضخ الروبل في بلد مدمّر وينتمي إلى الشرق الأوسط، فمهما كانت علاقة الولاء المتبادل بين البلدين، إلا أنّ هذا هو السؤال الكبير لكلِّ من نظام الأسد ومنقذيه الروس، وهو ما سيشكّل السؤال الأصعب للعلاقة التي تجمع الطرفين؟”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى